يمن الأنصار، أرض الإيمان والحكمة، موطن القلوب الأرق والأفئدة الألين، كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. إنها شهادة نبوية خالدة تؤسس لهوية إيمانية متجذرة في أعماق هذا الشعب، هوية صاغتها العقيدة، وبلورتها المواقف، ورسّختها التضحيات، منذ نصرتهم للنبي صلى الله عليه وآله في المدينة ومن ثم استقبالهم لرسوله وحبيبه الإمام علي بن أبي طالب في أرضهم في صنعاء، فكانوا أول من آمن وآزر، ومن لبّى نداء الرسالة . هي الجوهر الذي يُعبّر عن كينونة الفرد أو الجماعة، وهي مجموعة من القيم والمعتقدات والمبادئ التي تُشكّل وعي الإنسان بذاته وانتمائه. وهي ركيزة أساسية لبقاء المجتمعات وتماسكها. فمن خلالها تُصاغ القيم والمعايير الأخلاقية، وتُبنى العلاقات الاجتماعية والسياسية، وتُحدد ملامح الثقافة واللغة والعادات. والهوية الإيمانية هي الالتزام بالتوجيهات القرآنية في بناء الفرد وتكوين المجتمعات والدرع الذي يحفظها من التفكك والضياع، وهي التي توجه الأفراد نحو أهدافهم الكبيرة، وتُشكل الحصانة الذاتية ضد الذوبان في الثقافات الأخرى. ما يميّز المجتمع اليمني هو هذه الهوية الإيمانية الفريدة، التي تستمد جذورها من القرآن الكريم، وسيرة النبي وأهل بيته. فإن الإيمان في اليمن هو متأصل في وجدان هذا الشعب منذ بزوغ فجر الإسلام. اليمنيون هم أول من آمن خارج مكة، واحتضنوا الدعوة، وفتحوا بيوتهم وقلوبهم للرسالة، وقدموا الشهداء، وفتحوا البلدان منذ صدر الإسلام وحتى اليوم فهم درع الامة وحاميها بفضل الله. تتجلى الهوية في سلوكيات ومواقف عملية راسخة تتجسد في الولاء المطلق لله ورسوله وأوليائه، والتمسك بالقرآن الكريم كمنهج حياة شامل، والاستعداد الدائم للتضحية في سبيل الله والحق. كما تظهر في الكرم، والنخوة، والشهامة المتوارثة، والزهد في الدنيا، والاعتزاز بالقيم الروحية، والأهم من ذلك، الاستقلالية في القرار ورفض التبعية للظالمين والمجرمين. إن رسوخ هذه الهوية الإيمانية هو سر حصانة اليمنيين من الانصهار والذوبان في ثقافات اخرى. فاليمن يقف اليوم مثالاً حياً على ذلك من خلال صبرهم وصمودهم وتمسكهم بالدين رغم كل ما يواجهونه من هجمات شيطانية متعددة ومع ذلك لم يتخلَّ اليمنيون عن هويتهم ، ولم تنجح محاولات الغزو الثقافي والإعلامي في زعزعة ثوابتهم، بل منحتهم هذه الهوية قوة وبأس وثبات وثقة بالله، والقدرة على المواجهة والتحدي في وجه جميع المؤامرات. يعلم ويدرك الأعداء تماماً أن الهوية هي سر قوة الأمة، لذا يسعون جاهدين لسلخها عنها بوسائل متعددة تتجاوز الاحتلال العسكري إلى احتلال العقول والقلوب. تظهر هذه الوسائل في "الحرب الناعمة" عبر الإعلام المضلل، والفن الهابط، والمناهج التعليمية المغلوطة. كما يعملون على تشويه الرموز الدينية والتاريخية، ونشر ثقافة الاستهلاك والانحلال الأخلاقي، وإثارة النعرات الطائفية والمناطقية، وفرض نماذج غربية في الحكم والثقافة، بهدف تفكيك النسيج المجتمعي وإضعاف مناعته، ولمواجهة هذه التحديات الوجودية، لا بد من مشروع نهضوي شامل يعيد للأمة وعيها وهويتها. ومن أبرز سبل ترسيخ الهوية الإسلامية الإيمانية: العودة الصادقة إلى القرآن الكريم كمرجعية شاملة، والاقتداء برسول الله وأهل بيته في السلوك والمواقف، وتعزيز الثقافة القرآنية في المناهج والإعلام. كما يتطلب الأمر إحياء المناسبات الدينية كجمعة رجب، والمولد النبوي، والتمسك باللغة العربية، والاعتزاز بالتراث الإسلامي، وبناء وعي جماهيري بمخاطر الحرب الناعمة وأساليبها. الخلاصة: الهوية هي حالة وعي عميق، وموقف ثابت، وانتماء راسخ. واليمن، بهويته الإيمانية المتجذرة، يُثبت للعالم أجمع أن الشعوب التي تتسلح بالإيمان، لا تُهزم، ولا تُستعبد، ولا تنصهر في مستنقعات الغزاة. وهي رسالة لكل الأمة أن تستعيد هويتها، وتنهض من جديد، على خطى الأنصار، في وقت تتكالب فيه الأمم على الإسلام وأهله.