جبل العَودْ بفتح العين،حيث ينسب العود إلى عود بن عبدالله بن الحارث والعود هو مخلاف مترامي الأطراف يضم عزلاً، كل عزلة تضم ثمة قرى، تضم هذه القرى عشرات القبائل اليمنية، حيث ورد في تاريخ القبائل اليمنية بأنها من أكبر قبائل اليمن.. يقع العود في قلب المناطق الوسطى، على بُعد«15» كم تقريباً من مدينة النادرة مركز المديرية جنوباً ويرتفع عن سطح البحر«2949»م. والعود هو اسم يخاطبنا به التاريخ وتروي اسمه النقوش المسندية، فلم يكن اسماً مصطنعاً أو من مواليد العصر الحديث، عبق التاريخ يتقافز من قمته الشامخة، أريج الحضارة تحملها السحب التي تلتحف رأسه حاملتها إلى شتى البقاع، مناجاته الأكثر للتاريخ ترويها الحصون الأثرية المتناثرة، والبرك المائية المطلية بمادة «القضاض».. زيدة عطراً وقوفه على وادي بنا أشهر وديان اليمن وأخضرها، أما حلاوة طعمه فيتذوقها القارئ والزائر من أقراص العسل الأبيض الشهير. فترات تاريخية يشير الهمداني إلى أن الآثار التي يكتنزها جبل العود تعود إلى أصول قتبانية، ومن خلال المؤشرات الأولية للحفريات تبين أنه يعود تاريخ الموقع إلى الألف الأول قبل الميلاد وحتى الثالث الميلادي. كما تم اكتشاف بعض الطبقات والأدوات المصنوعة من الحجر التي تؤكد أن الجبل تعرض إلى استيطان منذ العصر الحجري الحديث، وهذه المؤشرات والدلائل تشير أيضاً إلى استيطان الموقع نهاية العصر الحجري الحديث. كما تعرض لاستيطان من قبل القتبانيين واستيطان من قبل الحميريين في عهد الملك «علي يثوق يثأر» الذي قيل أنه من ضمن الملوك الذين حكموا الجبل. العبث والمجهول أسماء ونقوش كتبت بخط المسند لازال معظمها يقف بشموخ بين أهداب صخرية بجبين الجبل الأثري الشامخ «جبل العود» التي تكتنز قمته بحضارة عريقة ممتدة لقرون عدة. تلك الأسماء والأحرف المسندية يحيي الزائر بأصالة التاريخ وعراقة الانسان اليمني الممتدة جذوره إلى باطن تلك الحضارات.. وبينما تحييك تشعر أنها تخاطبك قائلة: هُنا «العود» هُنا كنز لاثمن له، هُنا في قمة حضارية ترتفع عن البحر«2949»م عبق التاريخ اليمني المعطر بنفحة غبار السنين التي التحفت مدينة عريقة مطمورة في قمة الحضارات ومودعة في خانة الاهداء للعبث والمجهول. عملات معدنية وذهبية يروي الشيوخ المتقدمين بالسن والذين تتراوح أعمارهم بين «90100» عام بأن الأقدار شاءت أن تحمل بين جوانحها أول فريق فرنسي إلى الجبل وذلك تقريباً في عهد الاحتلال التركي قام بالاستحواذ على مااستطاع أن يبسط عليه دون علم أحد، وفي العام 1961م تقريباً وصل الجبل الأثري الذي يحوي المدينة المهدمة والتي تبعد عن القُرى المأهولة بضعة كيلومترات، وصل سائح يحمل نفس الجنسية «فرنسي» صعد إلى قمة الجبل بمفرده، ماكثاً هناك لمدة يومين تقريباً تمكن خلالها من اخراج عدد من التماثيل البرونزية والعملات المعدنية والذهبية والأواني المنقوشة وغيرها دون علم أحد.. الأمر الذي ساعده كثيراً هوالخوف الذي كان يلتحف المنطقة بسبب الحكم الإمامي الجائر وهذا هو التفسير الذي قدمه كبارالسن. لغة الإشارة بعد ذلك تم وصول خمسة سياح أجانب من مختلف الجنسيات رافقهم أحد المواطنين في تلك الجولة السياحية التي كانت نقطة الانطلاق هي قرية «ليئان» نفس القرية التي جاء منها مرافق لفريق السياح وهو المواطن والملقب ب«قابوس»،وقبل الوصول إلى القمة استوقفتهم كتابة منحوته في جبين الجبل قريب من القمة كتبت بالخط المسند قاموا بقراءتها ونقلها والترجمة، وعلى ضوء ما استنتجوا منها توجهوا إلى الموقع الأثري الذي ضم بقايا منازل مهدمة ومدفونة لم يبق منها واضحاً للعين سوى آثار بسيطة، ليتهامسوا فيما بينهم وهم يدورون حول القرية الأثرية ويشيرون بأصابعهم إلى جهات مختلفة، ذلك ماخلق شكاً كبيراص لدى مرافق الفريق«قابوس» كونه لم يفهم لغة الحوار لولا انتباهه إلى لغة الاشارة كانت تلك الاشارات التي قام بها فريق السياح الفرنسي كفيلة بأن تجعل المواطن«قابوس» مشغول البال ليلاً ونهاراً، وهو يتخيل صندوق الكنز حينما يحمله بين يديه كما تروي الحكايات الاسطورية والقصص، والدراهم الذهبية تتلألأ تحت ضوء القمر حينما يبعثرها في أرضية غرفته أمام نافذة زجاجية ليقوم «قابوس» باصطحاب عدد من أهالي قرية«ليئان» الموافق 27/ 12/ 1996م، الأول من رمضان، والتوجه إلى الموقع لغرض التنقيب والبحث «حسب تصورهم» عن ذلك الشيء الذي ظل يدور في ذهنه أثناء مرافقة السياح، ناهيك عن ماكان يسمعه من ألسنة المسنين بأن الجبل يحوي كنزاً، وهنا كانت البداية الحقيقية لاكتشاف كنز جبل العود واثاره وحضارته من قبل المواطن«قابوس» ومرافقيه من الأهالي.. في أول أيام الحفر تمكنوا من الحصول على العديد من التماثيل البرونزية والقطع الاثرية المختلفة الأحجام والأشكال، والأدوات الفخارية وغيرها وهذه الطريقة على كل عرفتها مواقع أثرية عديدة في طول اليمن وعرضها وتمثل اساءة بالغة لتراثنا ومعالمنا الحضارية التاريخية. قصور وصالات عمل جنوني وعبث لامثيل له، حصل ذلك اليوم، لتبدأ في اليوم التالي أحداث أكثر رعباً خوفاً على حضارة البلاد في ظل الوعي الميت، قرية بأكملها هي قرية«ليئان» التي يعود إليها المواطن«قابوس»ومن رافقه في الأول من رمضان، تتوجه إلى قمة الجبل مزاولة عملية حفر ونبش عشوائي دام خمسة أيام دون أن يعرف أحد من غير سكان القرية، استخدمت به آلات لاتستخدم إلا تلك العصا التي يصل طولها إلى مترين ومصنوعة من الحديد الصلب تستخدم لازاحة الصخور الكبيرة، والأدوات المستخدمة في تكسير الأحجار أدى إلى كسر وتلف مئات القطع والعبث بالقرية الاثرية التي أوضحت مراحل الاكتشاف والتنقيب الأثري اللاحقة أنها عبارة عن قصور وصالات ضخمة وغيرها، والتي كان من الممكن أن يتخذ منها مزاراً سياحياً يملؤه عبق التاريخ. ايقاف عملية الحفر خلال عملية السطو التي دامت خمسة أيام قام رجل لم يعرف إلى هذا الحين بابلاغ مدير عام مديرية النادرة آنذاك ويدعى «العباس»، مركز حكم هذه المنطقة الأثرية عن اكتشاف آثار في جبل العود وقيام أهالي قرية «ليئان» بالحفر العشوائي، بدوره توجه وعدد من مرافقيه فوراستلامه البلاغ إلى القرية والمبلغ عنها مطالباً تسليم كافة القطع التي تم استخراجها مهدداً كل من لم يسلم مابحوزته بالسجن حيث قام الأهالي بتسليم كل ما استخرجوه من قطع أثرية وغيرها. ليقوم مدير عام المديرية عقب تسلمه إياها بابلاغ محافظ المحافظة، والذي بدوره قام بتوجيه المدير بايقاف عملية الحفر حتى يتم وصوله، وبعد يومين وصل محافظ المحافظة إلى الموقع ومن ثم توجه إلى قرية«ليئان» وطلب من أهاليها تسليم ماتبقى في حوزتهم بعد ذلك تم تسليم الموقع إلى الدولة رسمياً واعتبر تحت اشرافها. اتفاقية جديدة بعد استلام الحكومة الموقع الأثري بجبل«العود» تم الاتفاق بين الهيئة العامة للآثار والمعهد الألماني على التنقيب ضمن ووفق أسس علمية دقيقة، لتبدأ العملية في حينه. قطع أثرية أهم القطع التي تم اكتشافها ذلك الحين كانت تمثالاً من البرونز ل«أبوالهول» عليه تاج ذهبي وكتابة بالخط المسند وهو من القطع الأثرية النادرة التي تم اكتشافها في اليمن، حيث يؤكد هذا التمثال ارتباط حضارتنا اليمنية بالحضارة المصرية، وهو من ضمن القطع التي تم ارسالها إلى إحدى الدول الأوروبية لترميمها إثر تعرضها إلى ضربات «قاسية» غاشمة من قبل ممارسي النبش من أهالي المنطقة، والعثور على تمثال لرجل محارب والتمثال مجوف وهو في هيئة قالب، وتمثال من البرونز لامرأة يلتف على ذراعها ثعبان مطوقاً عنقها، وأسد من الحجر الجيري وغزلان وظبي وثور وغيرها من القطع البرونزية الأخرى. كما تم استخراج «137» قطعة أثرية متنوعة من التماثيل المصنوعة من البرونز و«60» كأساً، والعثور على عدد من الخناجر البرونزية والحلي والأختام والخروص بالاضافة إلى منحوتات هندسية وخرائط وغيرها من الألواح الحجرية والأواني الفخارية ذات الأحجام والأشكال المتفاوتة. المتحف الاسم تم بناء متحف في قمة الجبل الذي تم اكتشاف المدينة الأثرية بظهره، يقال أن هناك عدداً من القطع وضعت داخله، بانتظار عودة القطع التي تم ارسالها للترميم في دول أوروبا لارفاقها بها اضافة إلى ماتم تسليمه محافظ المحافظة ومدير عام المديرية لافتتاحه وهو الأمر الذي يكتنفه الغموض إلى هذه اللحظة ناهيك عن عمليات السرقة المتفاوتة التي تمت في هذه المنطقة المحاطة بأسلاك شائكة وحرس من أفراد الأمن قامت بتوفيرهم الجهات المختصة، مثيرة من وراء هذه الأحداث عشرات الأسئلة وعلامات الاستفهام. وفي آخر أخبار السرقة التي تمت في هذا الجبل ضمت أكثر من أربعين قطعة أثرية.. ومع كل هذه الأحداث والاكتشافات الأثرية المتنوعة والتي كانت كفيلة بأن تجعل من جبل العود مزاراً سياحياً ينافس أعرق المواقع التاريخية والأثرية إلا أن المتحف الذي تم بناؤه من قبل الحكومة مغلقاً إلى هذه اللحظة ليتحول إلى المتحف الاسم، لا يعرض حتى تحفة من الطين، أما بالنسبة للقطع الأثرية الخاصة بالمنطقة فقد انتقلت إلى رحمة الله خلال عدد من الحروب الاستحواذية والتجارية المتنوعة، تغمدها المولى بواسع رحمته وألهم أهلها وذويها المتابعة والمراجعة عسى يتم افتتاح المتحف الذي ولد اسماً دون مسمى. الإبداع المعماري اليمني الزائر لهذه المنطقة والمتأمل لتفاصيلها خصوصاً بعد أن تمت عمليات حفر وتنظيف يجد أن هذه القرية الأثرية عبارة عن مدينة سكنية بديعة، ضمت قصراً للحاكم وبوابة عملاقة، تقف في الداخل أعمدة حجرية سداسية الشكل، كل عمود عبارة عن حجر واحدة، أرضية قاعات القصر مبلطة من الأحجار المقصوصة والمستوية الوجه أشبه ببلاطات منازلنا الحديثة، تدهشك حدافها وأشكالها وأطوالها وتخلق بالاعماق ثمة أسئلة، كيف تم قطعها وتسويتها في عصر لايحمل منشاراً حجرياً أو غيره؟. كما يحتوي القصر على قاعة كبيرة وعرش للحاكم بقي منه شكله مايقارب 50.2م، بني من أحجار جميلة الشكل، ويضم أيضاً هذا القصر أوالبلاط الملكي بئراً لم يتم التعرف على عمقها كونها مدفونه ولم تتبق منها إلا مايقارب خمسة أمتار. تضم هذه المدينة الأثرية عدداً من اسطبلات الخيول، ومسابح استحمام تشبه أحواض«البانيوه» المتواجدة في أغلب الحمامات الحالية، هذه الأحواض أوالمسابح منحوتة في حجر واحدة بطول«3م» وارتفاع«70سم» اضافة إلى فنون معمارية بديعة ومتنوعة لعل أهمها بناء المدينة بالكامل من حجر أوجهها مستوية أشبه بالأحجار المقطوعة بالمناشير خالقة الدهشة لدى المشاهد والمتأمل، وعاكسة.