عادل السياغي بدء العام الدراسي صيفاً في مناطق الحوثيين… معاناة الأسر اليمنية بين حرارة الطقس ولهيب التكاليف وفي مشهد يعكس واقعًا مأساويًا يتجاوز قدرات المواطنين العاديين، بدأ العام الدراسي الجديد في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) خلال فصل الصيف، في توقيت يتناقض مع المعايير التربوية والمناخية المعمول بها عالميًا. وقد أثار هذا القرار موجة واسعة من الامتعاض بين أهالي الطلاب، الذين يواجهون ضغوطًا اقتصادية خانقة جعلت التعليم عبئًا إضافيًا لا قدرة لهم على تحمّله. في ظل هذا الوضع، تُطرح تساؤلات جوهرية حول أولويات السلطة المحلية، ومدى انسجام سياساتها التعليمية مع مصلحة المجتمع. أولاً: قرار التوقيت الصيفي… قراءة تربوية ومناخية من منظور تربوي بحت، يتعارض بدء العام الدراسي خلال أشهر الصيف، وخصوصًا في مناطق تشهد ارتفاعًا شديدًا في درجات الحرارة مثل الحديدة وذمار وإب، مع المبادئ الأساسية التي تراعي صحة وسلامة الطلاب. المدارس في هذه المناطق تعاني من ضعف البنية التحتية، وانقطاع الكهرباء المتكرر، وانعدام وسائل التهوية، مما يجعل العملية التعليمية شبه مستحيلة من حيث البيئة الآمنة والملائمة. لا توجد أي إشارات أو تصريحات رسمية صادرة عن وزارة التربية والتعليم بصنعاء (الخاضعة للحوثيين) تفسّر التوقيت بشكل علمي، ما يعكس فوضى إدارية تتكرر مع كل عام دراسي. ويذهب البعض إلى أن السبب الحقيقي يكمن في محاولة السلطة الاستفادة من "فجوة الصيف" في تعزيز برامج التعبئة الطائفية أو تكثيف النشاطات المرتبطة بالأدلجة الفكرية في المدارس. ثانياً: الأعباء المالية المتزايدة… والتعليم بوصفه رفاهية بحسب تقارير منظمة اليونيسف وبرنامج الغذاء العالمي (WFP)، يعيش أكثر من 80% من السكان في اليمن تحت خط الفقر، وتحديدًا في المناطق التي تخضع لسيطرة الحوثيين. ولا تزال رواتب مئات الآلاف من الموظفين منقطعة منذ عام 2016، مما أجبر العائلات على تقليص نفقاتها الأساسية، بل والتخلّي عن تعليم أبنائها في كثير من الحالات. ومع ذلك، تطالب المدارس الحكومية في صنعاء وغيرها من المناطق "بمساهمات طوعية" من أولياء الأمور – وهي مساهمات تُفرض فعليًا وتُربط بتسجيل الطالب – إضافة إلى شراء الزي المدرسي والقرطاسية والكتب، التي أصبحت تُباع بأسعار باهظة عبر السوق السوداء. تؤكد تقارير محايدة، من ضمنها تقرير المرصد اليمني لحقوق الإنسان (2024)، أن هناك ما يشبه الخصخصة غير المعلنة للتعليم، حيث يتم تحميل المواطن كامل تكلفة العملية التعليمية في ظل غياب الدعم الحكومي، باستثناء تغطيات شكلية من منظمات دولية تركز على جوانب الإغاثة أكثر من البنية التحتية التربوية. ثالثاً: ردود فعل الشارع… بين الغضب والصمت القسري ما يُمكن رصده بوضوح على وسائل التواصل الاجتماعي أو في مقابلات ميدانية أعدّتها منصات مثل المصدر أونلاين والعربي الجديد، هو سخط متزايد لدى الأهالي، خصوصًا في الأحياء الفقيرة. يعبر البعض عن قلقهم من اضطرارهم إلى إخراج أبنائهم من المدارس لعدم قدرتهم على تغطية النفقات، أو من تحويل المدارس إلى أدوات ترويج سياسي بدلاً من أن تكون مؤسسات تعليمية محايدة. لكن في المقابل، يصعب على كثيرين التعبير عن مواقفهم بشكل علني، بسبب القبضة الأمنية المفروضة على الفضاء العام، وخشية التعرض للمساءلة أو التضييق. فحتى المعلمون الذين يشتكون من ضعف الرواتب أو غياب الحوافز يفضلون الصمت. رابعاً: تأثيرات بعيدة المدى على الأجيال يحذّر تقرير البنك الدولي (2023) من أن تدهور التعليم في اليمن – خاصة في مناطق النزاع – سيؤدي إلى أجيال غير مؤهلة للمشاركة في التنمية الاقتصادية، مما يكرّس دورة الفقر لعقود قادمة. كما تؤكد دراسة صادرة عن جامعة أكسفورد بالتعاون مع مبادرة التعليم في مناطق النزاع (EiCC) أن أكثر من نصف الطلاب في بعض المناطق يتركون الدراسة قبل بلوغ المرحلة الإعدادية، وأن الفتيات أكثر تضررًا بسبب الأعباء المنزلية أو الزواج المبكر. خامساً: توصيات واقعية 1. إعادة النظر في توقيت التقويم الدراسي ليكون متناسبًا مع ظروف المناخ والبنية التحتية. 2. ضمان مجانية التعليم الحقيقي ووقف جميع أشكال الجباية غير القانونية من أولياء الأمور. 3. الرقابة على المناهج والبرامج اللاصفية لضمان حياد التعليم وفصله عن التوظيف السياسي أو الطائفي. 4. الشراكة مع منظمات دولية لتأهيل المدارس وتوفير الدعم المباشر للطلاب الأكثر فقرًا. 5. فتح قنوات للمساءلة المجتمعية لضمان سماع صوت المواطنين والمعلمين ضمن عملية صنع القرار التربوي. اخيراً بداية العام الدراسي في مناطق سيطرة الحوثيين تعكس خللاً بنيويًا يتجاوز الجوانب التربوية، ويكشف عن أزمة في الحوكمة والتخطيط والعدالة الاجتماعية. في ظل غياب رؤية شاملة، يصبح التعليم عبئًا لا أملًا، وتتحول المدرسة من منارة للمعرفة إلى صرح محاصر بالسياسة والفقر. ومن دون تدخل عاجل ومنهجي من أطراف محلية ودولية، فإن مستقبل التعليم في هذه المناطق يبدو أكثر ظلمة من أي وقت مضى.