قالها الأولون لنا ولم نصدّقها، عيبنا أننا نقرأ الكثير ونطبّق القليل من الكثير، كثيرة هي الروايات التي تحدّثت ومازالت تتحدّث عن الحب ومواقفه الجليلة، فعدد كتب المحبّين فاق عدد كتب الحرب، ومع ذلك لم نعتبر من تجاربهم.. ولم نحدّد المقادير المطلوبة لتحضير وجبة الحب، لم نضف كثيراً من العقل على العاطفة، بل جعلنا كل المقادير عاطفة وأضفنا عليه ذرة من العاطفة، كمن يضيف ذرّة الملح إلى الحلوى كي لا يفسد طعمها الجميل، نعم أخطأنا في عدة أشياء كُنّا نعيش اليوم فقط ولا ننظر إلى عواقبه، عشنا الخطأ ومارسناه بمبرّر اللهف خلف السعادة الآنية. بالمقابل كنّا نرى قصص الأولين وتضحياتهم من أجل بعضهم البعض ونطبّق كل شيء فيها ولا نعتبر على قصص انتهت بكلمة واحدة. لربما أسأنا فهم التضحية، فالتضحية تكون بترك شيء سطحي من أجل شخص ما، لكنها لا تعني التخلّي عن الذات وقمع الحقائق من أجله. جميل أن يجعلك الحب هائماً ويسيّرك قلبك لأن ترى حياتك ومستقبلك في عين من تحب، لكن الأجمل أن تتشاركا تلك الحياة في اتخاذ جميع القرارات المصيرية لحياتكم. قد تضحّي بأغلى ما تملك من أجل شخص لا يمتلك هو شيئاً ليمنحك، قد يتصنّع الكلام الجميل، ودون شعور ترى نفسك مسيّراً غير مخير حتى تجد نفسك لست أنت، تتغير كل صفاتك وأخلاقك، تعتاد على فعل أشياء مخالفة لمعتقداتك وعاداتك وتقاليدك وأيضاً تربيتك فقط لأنه أقنعك بأن تلك الأشياء صحيحة وتجلب لكما السعادة، ستجد نفسك تتخلّى عن كل أحلامك وعن أبسط حقوقك، والصفات التي كنت قد ربطت بها من صغرك تفتك فجأة، ستجد نفسك جسداًٍ يتحدّث بلسانه، ورأساً يفكّر بعقله؛ كل هذه تضحيات من أجل شخص أحببته بقلبك ومنحته حياتك. ذات يوم ستجد نفسك واقعاً في الخطأ ذاته وأنت تعلم أنه خطأ؛ ولكن لم تجرؤ على أن تقول وتمنع نفسك من ارتكابه؛ لأنك تعوّدت عليه تحت مبرّر التضحية والسعادة، تدرك الخطأ ولا تستطيع تركه، تعرّض نفسك وحياتك للخطر، تخسر الجميع، تحارب من حولك، فقط له ومن أجله. وهنا يأتي يوم وينتهي مسلسل التضحيات فتجد نفسك مُهاناً بكبريائك وأخلاقك، فتُجبر على ترك كل هذا، فكلمة بسيطة تسبّب جرحاً كبيراً، وتصرّف تافه يكبّر المشاكل وينمو الجرح، وتأتي القاضية بنكران أحدكما لكل التضحيات والصراعات التي فعلها الآخر، وتبدأ المعايرة منكما وينحذف كل شيء، وترجعان تبحثان عن نفسيكما القديمة الخالية من التفكير الجحيمي المتعب وتدركان أن للتضحية حدوداً وحواجز.