تنقضي أيام العيد وتنتهي معها ممارسة طقوس عيدية ذات دلائل مميزة تنفرد بها اليمن عن غيرها مع اختلاف بعضها وحسب واقع الحال، على الرغم من اختفاء بعض هذه الطقوس إلا أن هناك بعضا من التقاليد لا تزال تمارس إلى يومنا هذا، صحيح أنها ليست بنفس الزخم التي كانت تمارس بها خلال الفترات السابقة، فقد ترى ممارسة هذه الطقوس والعادات في الريف وبعض المناطق كما في صنعاء القديمة.. تبدأ طقوس العيد بالاستعداد لأضحية العيد قبل قدوم العيد بأسبوع أو عشرة أيام حيث تجتمع كل مجموعة للاشتراك في شراء ثور كأضحية خاصة غير القادرين على شراء أضحية الأغنام والتي تجب أن تكون فردية وهذا نوع من أنواع التكافل الاجتماعي حيث يوجد في معظم مناطق اليمن، ومن هذه المناطق صنعاء القديمة فكان لنا هذا الاستطلاع لمعرفة كيفية طقوس عيد الأضحى في صنعاء القديمة. تحدث الأخ يحيى أحمد الطويل قائلاً: كان الناس من أهالي صنعاء يستعدون للعيد بتوفير حاجاتهم من الحبوب والقيام بطحنها في المنازل وانجازها لأيام العيد حتى تكون ربة البيت في إجازة من تنظيف الحب وطحنه ثم تستعد المرأة بتنظيف المنزل بالجس الأبيض في الجدران، ثم تنظيف الدرج بنشارة الخشب ثم بالعلف الأخضر حتى تصبح الدرج والحجر كأنها مفرشة خضراء ثم يستعدون للأضحية بعلفها في المنازل حتى أول العشر ويقومون بوضع الحناء على الأضحية وتبخيرها بالتثوير ويقومون بالتنصير إشعال النار على أسطح المنازل، ثم يقومون بعمل الكعك المالح وخبزه في تناوير المنازل وتقوم ربة البيت ببل الفول (القلي) حتى يوم العيد ويقومون بقليه وتقديمه للضيوف مع الدخش وإعطائه الأطفال منها دون عسب العيد وتتم زيارة الأقارب والأرحام، بعد صلاة العيد ويقدمون بضرب طاسة البرع من الجبانة حتى ظهر حمير ونقم، ومنهم من يقوم بذبح الأضحية وإعطاءها ثلثها للأرحام وثلثها للمساكين في كل حارة وثلثها للمضحي ويعمل من الأضحية أكلة شعبية بنوع من اللحم مع البر تسمى الهريسة ولحم آخر ممرق والثالث يسمى القلية وتوزع في البرم اناء من المدر حتى رأس السنة الهجرية ويستخرج من ثربة الخروف زيت يسمى (الودق) تأكل منه الأسرة لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر وبعد الظهر تتم تبادل زيارة العمات والخالات والجدات من قبل البنات وهكذا، ثم تأتي عادة (المدرهة) المراجيح. وتوضح: تقريبا في كل حارة خاصة من لديهم حجاج وتقوم النساء بالدراه للحج في النهار والرجال في الليل وتستمر كذلك حتى يوم عاشر العيد ثم يستعدون لاستقبال الحاج الذي تم إعداده من شهر ذي القعدة حيث يتجمع الحجاج إلى مكان محدد من العاصمة ثم يفوجون فيقوم الأهالي ومعهم المسبح بتوديعهم حتى خارج حدود العاصمة، ويبقى منقطع عن أهله حتى عودته في أول صفر فلا يصل منزله إلا والخروف والجزار في باب منزل الحاج ليقوم بذباحة الخروف قبل دخول الحاج إلى منزله وجميع أهله في استقباله والنساء تقوم بالمحجرات من الطيقان وأسطح المنازل ثم تعمل للجمع الغداء ومجابرة الحاج مدة ثلاثة أيام دون تكليف أو خسائر والجميع في فرح وسعادة وقلوب مليئة بالإيمان والمحبة والعطف من الكبار على الصغار واحترام الكبار، والاعتماد على كل ما هو محلي من مأكل وملبس ويتم كل ذلك في سهولة ويسر أما بالنسبة للدراه للحج فهناك كلمات خاصة به تبدأ بذكر الله والنبي ثم كيف يتم توديع الحاج وحالة أهله ووصوله لبيت الله والصعود لعرفة ثم مزدلفة والتبشير بقدوم الحاج والاستعداد لاستقباله وعودته بالسلامة وكل ذلك بكلمات يتداولونها بقولهم: (بدعت بش يالفاتحة يا خيرة الأسامي يا خيرة الله والنبي وما حضر شيطاني يا لمدره يا لمدره ومال لصوتش واهي قالت اني واهية وما حد كساني وكسوتي رطلين حديد ومقرمة جيلاني يا حجنا يا حجنا وأين قدك وأين عادك قال عادانا وسط الحرم وملتوي لزمزم) الى نهاية الكلام والذي يبعث بالشجون والبكاء. وأما والدي الحاج محمد فاخر يحدثني قائلا: لم تكن النساء يطلقن اسم شهر ذي القعدة بهذا الاسم حيث أصبح يسمى عندهن بشهر الطحين تجهز النساء عونة للعيد من قبل العيد بفترة حتى ترتاح أيام العيد وكان الأطفال يجمعون الشرف والقصب والحطب من رجب وفي ليلة العشر من ذي الحجة تخرج كل حارة حطبها وقصبها وشرفها ويشعلون النار من صرحة الحارة إلى ليلة العيد وفي البيوت يثورون (تبخير البيت بتثوير) لطرد الشيطان وطرح البركة ويكثرون ذكر الله في أيام العشر بيومين أو ثلاثة أيام كل واحد يشرك لمكلفه كل واحد بقدره وفي العيد يقدمون الجعالة المعتادة (زبيب و تمر بادي و دخش) أما بالنسبة للأضاحي فكانت تعلف في باب شعوب وسعوان وعصر وغيرها حيث كان سعر الطلي (الكبش) الذي الآن بمائة ألف ريال كانت بخمسة عشر ريالا يحملونه فوق القاري من كبر حجمه وكان معظم الناس يعلفون الأضحية في منازلهم من قبل فترة يعلف ثلاثة أو أربعة أطلي (كباش) فيبيع اثنين أو ثلاثة قبل العيد ويتصرف بقيمتهم للعيد وواحد يضحي به أما الحجاج فكانوا يجتمعون من جميع المحافظات إلى صنعاء ثم يسافرون في يوم واحد وتخرج فرقة الموسيقى التابعة للإمام والجيش بصحبة الناس لتوديع الحاج من باب شعوب حتى الحصبة برفقة أمير الحج في موكب واحد حيث يكون السفر في الثاني والعشرين من شوال فوق البغال أو مشيا على الأقدام، وكان الناس يجابرون الحاج من قبل ثمان الى عشرة أيام وحتى عودة الحاج إلى دياره سالماً غانماً. فمدينة صنعاء القديمة تحتضن بين أسوارها عادات وتقاليد عريقة ومن ذلك تقاليد (المدرهة) خاصة في صنعاء القديمة فيما تعرف بالمرجيحة باعتبارها إحدى التسالي والألعاب حيث ارتبط هذا الطقس بأحد أركان الإسلام وهي فريضة الحج ويعود تقليد المدرهة في اليمن لفترات قديمة جداً حيث يعد تعبيراً عن فرحة الأهالي بعودة حجاجهم عقب تعرضهم للعديد من الصعوبات والمخاطر خلال سفرهم وتنقلهم بوسائل المواصلات القديمة حينذاك لأداء فريضة الحج حيث يستقبل الحاج بالطقوس الجميلة والمسلية والفرائحية فطقوس المدرهة في صنعاء القديمة غريبة وجميلة فتوضع المدرهة في حوش منزل الحاج أو في فناء منزل أحد جيرانه اذا لم يكن لديه فناء ويوضع على المدرهة شال وعمامة وقميص اذا كان الحاج رجلا أما اذا كانت امرأة فيكسون المدرهة بلبس المرأة من ستارة وزنة ومصر وأحيانا يقومون بتتويجها بالتاج الصنعاني القديم فيجتمع الأهل والجيران والأقارب حول المدرهة وقد علقوا عليها الأجراس حيث ينشدون قائلين: (يا مدرهة يا مدرهة مال صوتش واهي قالت أنا واهية وماحد كساني كسوتي رطلين حديد والخشب رماني) ,حيث يأتي المدره أو ما يسمى بالمسبح فينشد ومن هذا الانشاد: (يا مبشر بالحج بشارتك بشارة هنيت لك ياحجنا فزت بالغفراني زرت قبر المصطفى وتلمس الأركاني والصلاة والسلام على الرسول يامن سمع يصلي على النبي العدناني) , يعتبر عيد الاضحى المبارك من الأعياد الدينية المباركة لدى كافة الشعوب الاسلامية ولكل مجتمع عادات وتقاليد فالمواطن اليمني يستقبل عيد الأضحى بخصوصية وتميز وقد تختلف العادات من محافظة لأخرى ومن منطقة أحيانا إلى منطقة حيث يكون الاستعداد بالفرح والبهجة بهذه المناسبة الدينية. ومن جانبه تحدث الأخ عبد اللطيف العزي قائلاً: عيد الأضحى له نكهة خاصة وطقوس جميلة في صنعاء القديمة تبدو متميزة وتعكس الفرحة والسرور فسكان صنعاء القديمة يحافظون على العادات والطقوس العيدية بالنسبة للرجال والأطفال يستقبلون العيد بشراء الملابس الجديدة وهي ملابس شعبية عبارة عن ثوب وجنبية وشال وكوت ويقوم رب الأسرة مع أولاده من الذكور بالذهاب إلى الحمامات البخارية قبل العيد بيوم أو يومين أما بالنسبة للنساء فيقمن بتفصيل الزنن عند المخيطة أو شرائها جاهزة كما تذهب الفتيات الى المنقشة للنقش بتخضيب أيديهن وأرجلهن هذا بالنسبة للفتيات الصغار والبعض يقمن بعمل الحناء بدل النقش وأما ربة البيت فتقوم بعمل الكعك بأنواعه وأشكاله المختلفة (الكعك العادي المالح والمسكر والمذبل) كما يقمن بتنظيف البيت وهذا يحصل قبل العيد بخمسة أو ستة أيام، وأما بالنسبة ليوم العيد يذهب الرجال مع أطفالهم لزيارة الأقارب وقبلها نقوم بذبح الاضحية وتوزيع اللحم فيما بين الجيران والأصدقاء وخاصة الفقراء وبعد زيارة الأهل في بيوتهم وبعد الانتهاء من الزيارات وتبادل التهاني والمعايدات نعود للغداء والذي يكون معظمه لحم الأضحية كما نقوم بالاجتماع في أحد الدواوين الكبيرة عند الجيران في صنعاء القديمة والمطلة على أحد بساتينها الجميلة للمقيل وتبادل التهاني والحديث عن العيد والحجيج. وأما الأخ أمين محمد العمري تحدث قائلاً: عيد الأضحى يسمى العيد الكبير بالنسبة للمسلمين جميعا فنحن المسلمين عامة ونخص هنا أهالي صنعاء القديمة حيث من لديه القدرة قبل قدوم العيد ليجتهد في الحصول على الأضحية اقتداء بسيدنا إبراهيم عليه السلام بعد هذه المرحلة يتفانى المسلمون في بداية صباح العيد لحضور صلاة العيد وهم يحلون للملابس الحديثة ومن ثم زيارة الأرحام والأهل والأصدقاء وهي من الأساسيات لإكمال العيد بعد ذلك يحرص الأهل والأصدقاء على الاجتماع بأي منزل يرونه مناسبا وكذلك النساء والأطفال لتحديث المحبة والمودة بينهم وخصوصا المنازل الكبيرة التي يوجد فيها متسع للجماعات ليتسع لهم تنصيب المدره التي يتم خلالها مناداة الحجاج عن طريقها بأهازيج وأشعار شعبية متوارثة مستحبة لدى الجميع. ففي اليوم الثاني من أيام العيد يقوم البعض برحلات تنزيهية للحدائق والقرى المجاورة لمدينة صنعاء لقضاء يوم حافل بالابتسامات للجميع، بالأخص الأطفال والبعض يقوم بالسفر إلى المحافظات الساحلية الزاخرة بالجو الرائع والأماكن الجميلة وأهمها البحر وهواؤه الندي.