لم تعد اليمن صفحة مهترئة في كتاب المجتمع الدولي أو بلداً يقبع على هامش أولوياته, فهذا الوطن الكسيح المسكون بأوجاع السنين العجاف يجب أن يتعافى ويبدأ خطواته الواثقة نحو الدولة التي غُيّبت على مدى ثلاثة عقود من الخراب. هكذا يقرأ المجتمع الدولي أحلام اليمنيين منذ أن تقاطروا إلى الساحات للبحث عن نقطة ضوء تشرق في ليلهم الداجي الكئيب. يوم غدٍ يحضر مجلس الأمن الدولي بأسره إلى صنعاء ليؤكد للحالمين بالدولة المدنية أن هناك متّسعاً للعمل من أجل تحقيقها، وللحالمين بالعودة إلى الخلف أن عهد الخراب قد ولّى وأن لا متسعاً جديداً للعبث.. فاليمن يجب أن تبدأ كدولة يتسيّد فيها القانون ولا شيء آخر, أيضاً هكذا يقرأ السياسيون سر هذا الحضور الكبير الذي تستعد له اليمن بالإضافة إلى تأكيد ما ذهبت إليه قراراته السابقة أن البلد يجب أن يتخلّص من قضاياه ومشاكله المستعصية؛ وفي المقابل أيضاً يجب أن لا يتشظّى. يؤكد العديد من السياسيين أن اهتمام المجتمع الدولي باليمن ودعمه المتواصل لإنجاح التسوية السياسية نابع من إيمانه بأهمية هذا البلد الذي إن تم خذلانه ستذهب به عواصف الصراعات إلى مرحلة اللا عودة، وسيكون الوضع حينها كارثياً على المنطقة.. وأشاروا إلى أن حضور مجلس الأمن الدولي يعزّز هذه القناعة ويصبُّ في مصلحة عملية التغيير التي يقودها الرئيس عبدربه منصور هادي، ويوجّه عدداً من الرسائل المهمة إلى كل مكوّنات الشعب اليمني. كما أشاروا إلى أن أهم تلك الرسائل ستوجّه إلى كل الأطراف أن لا مفرََّ من المشاركة في الحوار الوطني كي يبحثوا عن حل عادل لكافة القضايا المشروعة تحت سقف الوحدة، وأنه لا مجال لأية محاولات قد تؤثّرعلى مصلحة اليمن كدولة موحّدة, كما سيؤكد هذ الحضور للجماعات المسلّحة أن منطق القوة ولّى إلى غير رجعة، وأن على تلك الجماعات أن تُذعن لمطالب المشاركة في الحوار من خلال التشكُّل في أطر سياسية تكون بعيدة عن التعصُّب المذهبي أو الجهوي. وأكدوا أن مجلس الأمن من خلال زيارته سيوجّه رسالة أخرى إلى من يفكّر بإعاقة عملية التحوّل السياسي مفادها أن الدولة باتت قادرة على إنفاذ القانون، وأن أي أعمال ستعيق تطبيع الأوضاع السياسية سوف تتم معاقبة مرتكبيها. غير ذلك يبدو أن تطبيع الأوضاع في اليمن والمضي قدماً بالتسوية السياسة هدف مهم للمجتمع الدولي أفصح عنه الدكتور أبوبكر القربي، وزير الخارجية في أحاديث أدلى بها خلال الأيام الماضية, وأشار القربي إلى أن زيارة أعضاء مجلس الأمن إلى صنعاء «ستعطي دفعة للعملية السياسية في البلاد التي مازالت تفتقد الاستقرار».. وقال القربي: إن الزيارة تمثّل مبادرة من قبل مجلس الأمن لتأكيد الدعم السياسي للقيادة السياسية اليمنية في مواجهة التحديات التي تنتصب أمام العملية السياسية القائمة في البلاد.. ولفت إلى أن ثمة اهتماماً وحرصاً من قبل المجتمع الدولي ومجلس الأمن على متابعة العملية السياسية القائمة في اليمن ودعم مساعي الرئيس هادي الهادفة إلى استكمال تطبيق بنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. ويذهب الكثيرون من المراقبين إلى أن الخطوات التي بدأها اليمن في اتجاه إرساء دعائم دولة النظام والقانون وفق النهج السلمي البعيد عن نزق القوة دفعت المجتمع الدولي إلى إعلان دعمه القوي واللا محدود لهذا البلد الذي ظل مخيّراً بين «النار والنار» ردحاً من الزمن. وبحسب هؤلاء فإن الجهود التي يبذلها الرئيس عبدربه منصور هادي لتحقيق أحلام الشباب الذي قال مراراًَ إنهم «رموا حجراً في المياه الراكدة» لن تتوقف عند رغبة طرف أو جماعة، كونها مسنودة بتطلُّعات الملايين نحو الاستقرار, وغير بعيد أن يبدأ مجلس الأمن من صنعاء يوم غدٍ بتوجيه أولى ضرباته لمن يفكّر بالعودة إلى الخلف. ولكي تنجو تطلُّعات الملايين من أي إرباكات محتملة يجب ألا تعود الفؤوس القديمة إلى الضرب في جسد البلد، وهي مجرد مخاوف حذّر منها المراقبون.