سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
سكنتها قبيلة القُحري التي ينتسب إليها الفاتح الإسلامي عبدالرحمن الغافقي.. وقد اشتهرت بعنف مواجهتها للعثمانيين والبريطانيين.. «باجل».. حيث للضجيج أغنية..!!
تحتضنك من أي الجهات أتيتها, تضخ فيك دماء الحب والود, لا تغادرها إلا وقد سكرت بماء حسنها الفاتن, مدينة وضعها القدر شرياناً للحب, ومعيناً عذباً للحياة, لها من المفاتن تليدها والطريف, فهي الغارقة في القدم حتى أذنيها, والضاجة بالحداثة والتمدن حتى أخمس قدميها.. تشد إليها الرحال, إلى أسواقها وحضنها الدافئ, الذي يختزل اسم اليمن بين تلابيب عشقها ووطنيتها وسلميتها وصلابة أبنائها أيضاً.. مفتتح موقع فريد كإطلالة حسناء, تتزين بعقد فل ينبض حيوية وألقاً ورائحة خلابة, فتبدو كنصف إله أسطوري رابض عند أقدام جبال تزيدها مهابة وجلال.. تمتد فيها أذرع تنبسط أمامها بخضرة وماء ووجه حسن أيضاً متمثلة بواديي سهام وسردد, اللذين لا يكلان عن ضخ الفتنة والجمال طيلة العام.. فالقادم إليها من صنعاء تشده بأسطوريتها, فباب الناقة هو أول ما يفتح ذراعيه ليضعك في أسطوريته, وأن للحضارة هنا شأناً كبيراً يتجسد في أصالة الأرض والإنسان في تهامة.. ففي “شيء اسمه الحنين” الطريق يتلوى كالأفعى والشمس تختفي خلف سحابة سوداء.. ورذاذ بسيط يتساقط.. السيارة تنطلق مسرعة وهي تتلوى مع الطريق بألم.. كنا اثنين والصمت ثالثنا منذ أن غادرنا صنعاء بعد ظهر يوم كئيب تهطل الأمطار فيه منذ الصباح, وها هي السحب هنا فوق الطريق تنذر بالسيل. السيارة صغيرة وسريعة والطريق طويل والجبال تحيط بنا من كل جانب.. ولن ينبسط الطريق إلا بعد أن نتعدى باب الناقة ونستقبل تهامة الرحيبة” وفاتحة كتابها “باجل” كما رأها ذات يوم محمد عبدالولي.. الموقع تقع باجل في الشمال الشرقي من مدينة الحديدة, تمتد من أقصى شرق محافظة الحديدة إلى حدود محافظة المحويت ويحدها من الشمال مديريات الضحي والزيدية والمنيرة، ومن الجنوب مديريات الحجيلة، برع، المراوعة ،ومن الشرق جزء من الحجيلة ومديرية صعفان بمحافظة صنعاء ومديرية بني سعد بمحافظة المحويت، تبلغ مساحتها 644كم2، وعدد سكانها (172.600) نسمة، وعدد مساكنها (29.737) مسكناً، وعدد أسرها(28.021) أسرة. وتتكون من خمس عزل: عزلة باجل، عزلة الخلفية، وعزلة الخضارية، عزلة الضوامرة، عزلة الجمادي. جاذبية إذن هي باجل فالدخول إلى دهاليزها حب عاجل, وفضول لاستكشاف سر تربعها قلوب الكثيرين ممن زاروها أو سكنوها في أحد الأيام, فإذا كان السلوك الإنساني لأبناء تهامة على حد تعبير علوان الجيلاني إذ يعد نموذجاً للسلوك الحضاري المدني المسالم.. الجاذب للآخر والقادر على التعايش معه حد ذوبان الآخرفية طواعية.. ونسيان ملامحه الأولى تماماً.. فإن هذا المنحى يتجلى أكثر فأكثر من خلال التعرف على الأعداد المهولة من العلماء والأولياء والوجهاء والأسر المؤثرة الذين جذبتهم بيئة تهامة من شرق العالم الإسلامي وغربه.. ليجدوا فيها المناخ الأكثر تسهيلاً للعيش والتعبد والتعلم والتعليم.. ولتبقى أسماؤهم وأسرهم ومؤلفاتهم وآثارهم الكثيرة شاهدة حتى اليوم على الترحيب والمحبة التي قابلتهم بها تهامة.. وعلى الدور العظيم الذي لعبوه في حياتها العلمية والروحية، والثقافية، والاجتماعية، والسياسية أيضاً. فقد غدت بوتقة لليمنيين وهذا أمر يحسب لها إذ تجد فيها من كل المحافظاتاليمنية ومؤخراً استقبلت العديد من التجار القادمين من المدن الجنوبية.. فترى العديد من المراكز التجارية وقد بدأت تزاول نشاطها دون مضايقة أو مشكلات.. نهضة وهي التي لها في التجارة قدم ثابتة والصناعة أيضاً.. فأول مصنع للغزل والنسيج كان فيها إذ يعود بناؤه إلى ما قبل ثورة سبتمبر, والذي غدا طللاً باهتاً وقد اتخذه الفقراء سكناً لهم, خصوصاً من ضحايا أزمة الخليج الثانية, ثم أول مصنع أقيم فيها كان للإسمنت والذي تم إنشاؤه في عام 1969م.. ومصنع الأغذية التابع للمؤسسة الاقتصادية, كما تأتي أهمية باجل لسوقها الأسبوعي, الذي يقام يوم الأربعاء من كل أسبوع ويأتي إليه المتسوقون من مختلف مناطق اليمن وقد اكتسب أهميته كونه ملتقى للمتسوقين من عدة محافظات، تباع فيه المواشي والحيوانات كالأبقار والماعز والضأن والجمال والحمير والمواد الغذائية والزراعية والملابس والمشغولات الحرفية واليدوية.. فهناك نهضة واضحة للعيان تتمثل في توسع عمراني بدأ يزحف على الأرضي الزراعية المترامية الأطراف. شيء من التاريخ تنسب مدينة باجل كما ذكرالمرحوم عبدالرحمن الحضرمي في كتابه (تهامة في التاريخ) إلى باجل ابن أبي القاسم, وكان فارساً شجاعاً، وفي رواية أخرى أنها تنسب إلى علي بن حميدة باجل الذي قدم من بلاد الزيدية وقد ذكرالمرحوم القاضي محمد الحجري في كتابه (مجموع بلدان اليمن وقبائلها) ويعود أقدم ذكر لها في المصادر التاريخية إلى القرن الرابع الهجري (القرن العاشر الميلادي) ومن أشهر علمائها العلامة يوسف بن أبي بكرالمكدش. ومحمد بن إسماعيل المكدش المتوفى 778ه. والعلامة عبدالرحمن بن محمد بن إبراهيم الناشري الباجلي وكان يلقب بالغزالي لشهرته العلمية وتوفي أوائل القرن الرابع عشر الهجري. والعلامة عبدالرحمن الشرفي. والفقيه أحمد ناصر الزبيدي. القحري لا تذكر باجل والمناطق القريبة إلا وذكرت القحري التي لها تاريخ مشرف مازالت الأجيال تتذكره بفخر هناك, فهي صاحبة الثورة الثالثة في بدايات القرن العشرين بعد ثورة الزرانيق والمقاطرة.. والقحري تعود إلى عك بن عدنان وعك قبيلة يمنية مشهورة نسبت إلى عكّ بن عدنان ومنازلها ما بين البحر غرباً إلى الجبال شرقاً (بتهامة اليمن) ومن بطون عك ذؤال وقشال والعسان والالمية والقحرة والواعظات وصليل وغافق التي منها عبدالرحمن الغافقي أمير الأندلس, ومن مدنها القديمة المندثرة المهجم والكدراء. عك ولذكر عك نسترجع نشيداً طالما تردد في الأفلام العربية, إذ اكتسب شهرته منها التي تصور عصور الجاهلية, وله قصة إذ كان العرب في الجاهلية يحجون حول الكعبة بتلبيات مختلفة، ومنها تلبية قبيلة “عك” وكانت تلبية عك، إذا خرجوا حجاجاً، قدموا أمامهم غلامين أسودين من غلمانهم، فكانا أمام ركبهم فيقولان: ننحن غرابا عك! فتقول عك من بعدهما: عك إليك عانية عبادك اليمانية كيما نحج الثانية!” ومعظم سكان باجل من قبيلة القحري وهي بضم القاف وسكون الحاء وهي فرع من قبيلة عك، ومن قبائلها في تهامة: الجمادية وبنو خلف والمجاردة وعزان والضوامر والحجيلة والبحيح. جيكوب البريطاني ومن الأمور والأحداث التي غدت فخراً للمنتسبين إلى هذه الأرض حادثة احتجاز الجنرال جيكوب المساعد للمندوب السامي البريطاني في عدن في عام 1919م الموافق 1337ه من قبائل القحري وشيخها يحيى المزارية, وذلك عندما كان في طريقه إلى صنعاء على رأس بعثة بريطانية لإجراء مفاوضات تجارية مع الإمام.. وقد طلبت القبائل مقابل الإفراج عنه بأن تمنحهم بريطانيا الاستقلال وعدم تركهم لقوات الإمام يحيى التي تريد إلحاقهم بدولته، كما طالبوا بريطانيا أن تدفع تعويضات وديات جراء قصفها مدينة الحديدة بالطائرات والمدافع. جزيرة رودس لهذه الجزيرة الواقعة في المحيط الهادي قصتها في هذه المدينة وقد نفي الكثير من أبنائها إليها, إذ ذكر إسماعيل بن محمد الوشلي في كتابه (ذيل نشر الثناء الحسن) بأن من قبائل باجل الهلاليين وبني حميدة، وقد قامت الدولة العثمانية في المرحلة الثانية من تواجدها في اليمن بنفيهم إلى جزيرة رودس وذلك لشدة بأسهم وعنف مقاومتهم لها وقد عاد الهلاليون إلى بيت المقدس ومنها عادوا إلى اليمن، وبني حميدة ظلوا برودس إلى عام 1323ه 1905م حتى عفت الدولة العثمانية عنهم وعادوا إلى بلادهم مديرية باجل, وهي الجزيرة التي عرفت في التاريخ بأنها كانت من الأماكن التي ينفى إليها المناوئون للدولة العثمانية المترامية الأطراف. جبل الشريف هو جبل شامخ يستقبلك حين تكون قادماً من الحديدة يطل على المدينة كحارس أمين, وهو عبارة عن حصن تم تشييده في الفترة العثمانية الأولى من التواجد العثماني في اليمن, وقد تم تجديد عمارته عام 1220ه من الأمير الشريف “محمد الخيراتي” أمير المخلاف السليماني وهو من أسرة آل خيرات التي حكمت المخلاف السليماني من عام 1141ه إلى 1246ه الموافق 1727م – 1848م، وأعادت الدولة العثمانية تجديد عمارته في الفترة الأخيرة لحكم اليمن وتبلغ أبعاد مساحة المبنى حوالي 80م طولاً ممتداً من الشمال إلى الجنوب. عائدون عندما تتوغل في أزقة وحواري المدينة تجد أشخاصاً لهم لكنات خليجية وعند السؤال عن ذلك, اتضح أن باجل من أكثر المدن اليمنية التي استقبلت العائدين من بلاد الاغتراب, إبان أزمة الخليج الثانية, إذ يتذكر محمد يوسف أحد أبناء المدينة تلك الوجوه من كبار وصغار القادمة من السعودية وسكنوا في حارات المدينة والقرى المجاورة كدير كينة ودير موسى وشارع الكدن والمركزي, لذا نشأ فيها جيل عانى كثيراً بين ذكريات الطفولة ومعاناة الشباب. معاناة من أكثر أنواع المعاناة التي تعترض الناس هنا هو غبار الإسمنت والكسارات والغازات السامة، والتي تسبب أمراض الجهاز التنفسي وغيرها من الأمراض, فهناك العديد من الكسارات التي تحيط بالمدينة وقراها المتناثرة فلا تكاد ترى إلا ألسنة التراب المتطاير والمشكل ولا تسمع إلا أصوات الانفجارات من هنا وهناك.. وعند السؤال عن مدى المشاريع التنموية التي تعود على الإنسان هنا, كانت الإجابة مفزعة إذ آخر ما يفكر به هو الإنسان وتنميته, فلا شيء يذكر عن اهتمامات مصنع الإسمنت كمؤسسة عملاقة كان الأجدر بها أن تهتم بأبناء المنطقة وشبابها كما يقول علي أبكر والذي يتحسر بأن باجل لا تذكر إلا وذكر مصنعها الشهير والذي استفادت منه مناطق عدة ولم يستفد منه أحد هنا ممن يتعرضون لغباره وانبعاثاته السامة.. قبلات في الأصيل غادرتها وكنت أتيتها ظهراً, كأنها تستقبلك بضجيج كما هي تودعك, منارات الدخان المتصاعد من مصنع باجل وأصوات الباعة والدراجات النارية وأصوات الغناء المنبعثة من جهات عدة بأصوات عدة, منها صوت ابن المدينة الشاب الهجام, الذي أسر القلوب والعقول معاً, وفي هذا المحيط العاشق للفن والرقصات الإيقاعية السريعة وحفلات الزار والموالد التصوفية البديعة ومع سرعة البشر وتزاحم السيارات الداخلين إليها والخارجين منها, وهو روتين يومي دأبت عليه المدينة وتزداد وتيرته يوم الأربعاء يوم الوعد بعرف الحاجين إليها, بحثاً عن حاجياتهم أغادرها على موعد للقاء والعناق معاً بعد أن تركت في القلب ظمأ وحرقة ولهفة وقليلاً من عجل..