عندما نتحدّث عن الشباب فإننا نتحدّث عن شباب المستقبل الواعد، وهو ذخيرة الأمّة وأمل المستقبل؛ وعلى ذلك فإن فترة الشباب هي من أخصب فترات العمر وهي مرحلة التحصيل العلمي، وهي المرحلة التي تعتمد عليها الأمم في بناء الأوطان؛ لذلك فإن الواجب الديني والقومي والوطني يفرض علينا رعاية هؤلاء الشباب وحمايته من الانحراف.. نظرة المجتمع ندرك تماماً أن انحراف الشباب يرجع إلى عدة عوامل منها: - شظف العيش وسوء التوجيه وقلّة الرعاية وتفكُّك الأسرة وانحلال الرابطة العائلية, ويواجه الشباب مشاكل متعدّدة تؤثّر في حياتهم فينحرفوا عن جادة الصواب ويخرجوا عن قوانين المجتمع وسلوكياته، وتتفاوت نظرات المجتمع إليه كلٍ بحسب مفهومه واختصاصه. انحراف الشباب لمجتمعنا اليمني عادات جيدة وأخلاق حميدة في جانب الحفاظ على الأبناء وحماية الشباب لكن ذلك لا يعني الركون والاتكالية، وهناك العديد من العوامل الداخلية والخارجية التي جعلت عدداً من الشباب يتعاطون الجريمة ويجنحون إلى الانحراف، فهناك من الشباب من انخرط ضمن عصابات سرقة السيارات، ومثلوا أمام المحاكم في سن لا تتجاوز العشرين عاماً، كما أن هناك العديد من الشباب يحملون السلاح ويمارسون العنف والهروب من المنازل وامتهان التسوّل والفساد الأخلاقي، وهي مظاهر اعتاد عليها الكثيرون من شبابنا الأمر الذي يستدعي من المجتمع وقفة جادة لحماية فلذات الأكباد. من عوامل انحراف الشباب انحراف الشباب لا يأتي من فراغ وإنما يرجع إلى أسباب متعدّدة منها اجتماعية وتربوية واقتصادية، ومن هنا سنحاول أن نتطرق بشيء من الإيجاز إلى بعض العوامل المؤدّية إلى انحراف بعض الشباب ومن هذه العوامل: العوامل الوراثية هناك من علماء الإجرام من يصنّف أو يرى أن عوامل الانحراف ترجع إلى عوامل الوراثة والاستعدادات التي ولد الشخص مزوّداً بجذورها الأولى، فهناك من الشباب من تكون ظروفه الأسرية والاجتماعية والاقتصادية جيّدة لكنه ينزع إلى الانحراف والخروج عن المألوف؛ غير أن هذه حالات نادرة وقليلة، أما الأغلبية فإنها محصّلة للتفاعل بين هذه العوامل، والإنسان يولد باستعداد معيّن, والظروف البيئية هي التي تشكّل هذه العوامل. سوء التربية للأسرة دور مهم وكبير في عملية التنشئة من خلال البيئة الاجتماعية والنفسية وما تقدّمه لأبنائها من فرص النمو الشامل ودورها في الضبط الاجتماعي والتربية السليمة وكل ذلك يقي الشباب من الانحراف، كما أن غياب الأب بصفة دائمة أو عدم قيامه بالدور المناط به كأب أو سوء معاملته أو قسوته أو تسلُّطه في معامله أبنائه قد يكون من أحد أسباب الانحراف نتيجة لمعاناتهم من الضغوط النفسية والاجتماعية. ونعلم أن معظم الآباء يقضون ساعات طويلة بالليل والنهار بمعزل عن أبنائهم من دون أن يستشعروا المسؤولية المُلقاة على عاتقهم ولا ينتبهون إلا بعد أن ينخرط الأبناء في صفوف المنحرفين أو بعد أن تضبطهم الشرطة في جرائم متعدّدة, كما أن بعض الآباء يشجّعون أبناءهم على الانحراف ويقذفون في قلوبهم الحقد والكراهية. فشل المدرسة ومن العوامل التي تؤدّي إلى جنوح الشباب هي فشل المؤسّسات التربوية في تنشئة أو تربية النشء، كما أن فشل المدرسة في أداء هذا الدور قد يؤدّي بالمتعلّم إلى الفشل الذي يؤدّي بدوره إلى الإحباط والقلق وعدم القدرة على التحصيل العلمي وتحقيق الأهداف مما يعرّض الشباب إلى الانحرافات السلوكية والجنوح نحو الإجرام، ويلاحظ كثافة التلاميذ في الفصول مما يضعف قدرة المدرسة على توجيه سلوك طلابها وتعويدهم على الالتزام وتمكينهم من التحصيل.. والشيء الذي لا يمكن إنكاره أن مدارسنا تعاني من قلّة المدرّسين وضعف تأهيلهم وانحدار مستواهم العلمي والمهني وقلّة المباني والملاعب وضعف معدّلات النشاط الرياضي والاجتماعي والثقافي والترويجي، وكل هذا يقلّل من الدور الذي تلعبه المدرسة في تربية النشء. استغلال أوقات الفراغ استغلال أوقات الفراغ في الأنشطة النافعة والمرتبطة بميول الفرد واهتماماته من خلال الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام والأندية بأنواعها وينمّي لدى الفرد المواهب والهوايات ليحقّق ذاته من خلالها، كما توجّهه إلى تقدير قيمة الوقت وأهمية استغلاله، وهذا بدوره يقلّل من الفرص التي قد تدفع إلى الانحراف، كما تجنّبه السلبية والكسل وعدم المبالاة، لذا فإن وقت فراغه ترد عليه الأفكار الحالمة والهواجس السارحة والتخيلات الجنسية المثيرة فلا يجد نفسه إلا وقد تحركت شهوته وهاجت غريزته أمام هذه الموجة من التأملات والخواطر ولايجد بداً من ممارسة بعض الانحرافات السلوكية والعادات المشينة. رفقاء السوء انتماء الشباب إلى جماعة منحرفة سلوكياً عادة ما تعطي الشباب فرصة لمحاكاتهم فيما يقومون به من أفعال تؤدّي إلى التأثير المباشر عليه، وهنا يقوم بالسلوك الانحرافي من خلال التعلم وارتباطه مع المنحرفين من جماعات ورفاق أو تحت تأثير الأصدقاء ولمجرد التقليد فمرافقة ومخالطة أقران السوء ورفقاء الشر يجعل الشباب يكتسبون الكثير من الانحرافات، فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم “المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل”. وسائل حماية الشباب من الانحراف من المعلوم أن الشباب يمثّلون أغلب السكان في الكثير من البلدان ويتميّزون برقّة القلوب وصفاء النفوس وبراءة الضمائر؛ وهذا يضعنا أمام مسؤولية كبيرة، فالشباب في هذه المرحلة يجب أن يوجّه إليهم اهتمام خاص في كل المجالات التي تتضافر على تهيئتهم وتنشئتهم وتربيتهم وتقديم الخدمات لهم سواء كانت اجتماعية أم صحّية أو تربوية أو رياضية. دور الفرد وفيما يتعلّق بدور الفرد الذي يمكن أن يلعبه حيال نفسه وأسرته ووطنه ومجتمعه؛ فإن الفرد مطالب بأن يحصّن نفسه من الانحراف والانخراط مع أرباب السوابق وعدم ارتياد الأماكن الموبوءة بالانحراف، وعلى الفرد أن ينخرط في الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية ويمارس الهوايات والأنشطة الحرّة وتنظيم أوقات فراغه فيما يعود عليه بالنفع وعليه أن يرسم برنامجاً لحياته ويحدّد أهدافه بتواضع ومن دون أية مبالغة. دور الأسرة تعتبر الأسرة هي الحاضن الذي يرغب الشباب، والمفروض في الأسرة أنها المدرسة الأولى التي تزوّد الشاب أثناء فترة نموّه بالثقافة الاجتماعية التي تؤهّله للنضوج الاجتماعي، فالتربية الصحيحة هي الوسيلة المثلى لإحداث أكبر قدر ممكن من الوقاية من الانحراف، ومن هنا على الأسرة أن تقوّي العلاقة الأسرية بين أفرادها وتنوء بأبنائها عن الخلافات والصراعات، وتنطوي الرعاية الأسرية على الرعاية المعيشية والصحية والتربوية، وعلى الآباء أن يحرصوا على اختيار رُفقاء مأمونين لأبنائهم يعينونهم إذا أصلحوا، وينصحونهم إذا انحرفوا، وأن ينهوهم عن مخالطة المنحرفين وارتياد أماكن الشبه والفجور وعلى الآباء تقع المسؤولية الكبرى في إعداد الشباب وتحصينهم ضد الانحراف. دور المدرسة كما أن للمدرسة دوراً بأن تجعل من مناهجها مادة مُشبعة لحاجات الطلاب النفسية والاجتماعية والمهنية بحيث تتفق هذه المواد مع ميولهم وظروفهم وأن تكثر من الأنشطة والهوايات والصلات، وأن تتنوّع المقرّرات الدراسية بحيث يأخذ منها الطالب ما يناسبه؛ وبذلك نشغل أوقات الطالب كلها وتوجّهه الوجهة الإيجابية التي تنمّي شخصيته وتحميه من الفراغ وتمتص فائض طاقته وتشعره بذاته، وعلى المدرسة أن تغرس في التلميذ قيم العدل والطُهر والصفاء والنقاء والعفّة وتحمُّل المسؤولية والإخاء والمساواة واحترام القانون. دور وسائل الإعلام وفيما يتعلّق بوسائل الإعلام؛ فهي من أخطر الوسائل المؤثّرة في نفوس وعقول الشباب، وتكمن هذه الخطورة في أن الإعلام يدخل البيوت في كل وقت ودون استئذان كما يقال وهذه الوسائل تهدم أكثر مما تبني، ومن هنا لابد أن يكون محتوى وسائلنا الإعلامية بما يتناسب مع مجتمعنا وبما ينبثق من عقيدتنا وتقاليد ديننا لكي نستطيع أن نحصّن شبابنا من خطر الانحراف، ويجب أن يتخذ الإعلام سياسة واضحة من أجل خدمة الشباب، وهناك بعض الحاجات التي يجب أن يوفرها الإعلام للشباب منها: - ضرورة قيام وسائل الإعلام بدورها في توجيه الشباب توجيهاً سليماً وفق تعاليم ديننا الإسلامي ومبادئه السمحة. - تزويد الشباب بالقدر الملائم من سائر العلوم الحديثة، وترسيخ وتعميق مبدأ الولاء الوطني في أذهان الشباب، وحثّهم على القيام بدورهم الاجتماعي المأمول. - تطوير صفحات الرياضة والثقافة واختيار المواد النافعة. - تجنُّب المسلسلات الهابطة وغير الهادفة التي تؤدّي إلى تضييع وقت الشباب فيما لا ينفع. دور الشرطة وتعتبر الشرطة التجسيد الطبيعي لسُلطة المجتمع المنبثقة منه لحمايته والدفاع المشروع عنه ضد الجريمة والانحراف والمساس بالأخلاق والآداب العامة، والشرطة سُلطة إلزامية تقوم بواجبها كرقيب على السلوك العام في المجتمع؛ فهي تسعى إلى استتباب الأمن ونشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة ومكافحة الإجرام والانحراف. ومن هذا المنطلق فإن الشرطة تقوم بدور كبير في حماية الشباب ووقايتهم من الانحراف عن طريق الحفاظ على السلوك العام ومراقبة الأماكن الموبوءة بالانحراف وضبط مرتاديها من الأحداث أو الشباب أو الكبار، وبما أن الشرطة هي أول مؤسّسة يصلها الشباب المنحرف؛ لذلك فقد بدأت السُلطات الشرطوية في العالم بإنشاء شرطة الأحداث التي تضع إجراءات معيّنة للتعامل مع الحدث منذ الوهلة الأولى التي يصل فيها إلى الدوائر الشرطية؛ آخذة في الاعتبار التعامل التربوي الإنساني حتى لا يُصاب الحدث أو الشباب بصدمة نفسية تزيده تعقيداً أو اضطراباً، فوجود الشرطة الخاصة بالأحداث يصب في اتجاه حماية الشباب من الانحراف. دور المجتمع وبالطبع فإن على المجتمع تقع مسؤولية الإعداد الذّهني للشباب وصقل شخصيتهم وتربيتهم على القيم والمبادئ التي يرتضيها المجتمع والتي تجعل منهم مواطنين صالحين، فالمجتمع مطالب بأن يرعى عقول الشباب وفكرهم ويعدّهم بالصورة المطلوبة، ولا يدخر جهداً أو مالاً، وهناك الكثير من المظاهر والإجراءات التي يجب على المجتمع القيام بها حتى نقي شبابنا من الانحراف. - القضاء على كل مظاهر الفساد الإداري والاجتماعي سواء كانت كبيرة أم صغيرة؛ لأنها تؤثّر في شخصية الشباب. - بث روح الواقعية في أذهان الشباب وخاصة أصحاب الطموحات. - الحد من تزمُّت الآباء والأمّهات والكبار عامة في تعاملهم مع الشباب. - إزالة مشاعر الفشل والإحباط لدى الشباب، وإشعارهم بأهميتهم الاجتماعية ومنحهم حقوقهم المشروعة. - مساعدة الشباب على تحقيق أهدافهم وطموحاتهم بطرق مشروعة. - تفعيل قانون الصحافة والمطبوعات، ومراقبة وسائل الإعلام التي تدعو إلى العنف الجنسي وتثبيط الشباب على القراءة النافعة. - الحد من الفشل الدراسي وتوسيع التعليم والثورة ضد الأمّية. - غرس التعاليم الدينية في الأطفال منذ الصغر، وبيان روح التسامح ومبادئ الرحمة والعدل. - تشكيل لجان دائمة لدراسة مشكلات الشباب؛ على أن تجمع هذه اللجان بين علماء دين ونفس وتربية. - العمل من أجل القضاء على كافة مظاهر البطالة حتى لا يقع الشباب فريسة لها.