تكشف تشكيلة البرلمان الأردني الجديد في دورته ال 17 وأحداث الاحتجاجات الواسعة والاتهامات ب"التزوير" التي صاحبت إعلان نتائج الانتخابات خريطة المرحلة السياسية الداخلية المقبلة في المملكة، في ظل غياب تام للمعارضة المنظمة تحت القبة وعودة 58 نائباً بعضهم سبق أن صوّت مع تبرئة مسؤولين من الفساد ومنح "ثقة كاملة" لحكومات "غير شعبية"، فضلاً عن ظهور وجوه "ليست محروقة" محسوبة على الموالاة و"الاعتدال المحافظ" وبروز سمة "رجال المقاولات" والصبغة العشائرية مع افتقاد البرامج الحقيقية المطروحة غالبا عند الوصول إلى سدة السلطة التشريعية . طالما أعلن النظام الأردني تعويله على الانتخابات التي أجريت 23 يناير/ كانون الثاني الجاري في تحقيق ركيزة أساسية ضمن حزمة الإصلاحات تستند على "نزاهة" الترشح والاقتراع، وتقود إلى برلمان "ناصع" يلغي "صورة مشوّهة" عن "اختراق" و"تزوير" دورات سابقه نحو التشاور مع كتلة الأغلبية في تشكيل الحكومة الجديدة تمهيدا لاعتمادها تماماً على نتاج البرلمانات لاحقاً . وبينما "حشدت" الأجهزة الرسمية إعلامياً وإعلانياً جهة التعهد بنزاهة الترشح والاقتراع وأعلنت عبر هيئة مستقلة للانتخابات شكلت للمرة الأولى في المملكة توقيف 7 مرشحين بعضهم من "أصحاب النفوذ"، وذلك بتهمة شراء الذمم والأصوات و"المال السياسي" وحجز البطاقات، أخذت المعارضة والحركات الشعبية والشبابية التي تطالب عبر تظاهرات مستمرة ب"الإصلاح" منذ عامين 3 توجهات للتعامل مع الأمر . الحركة الإسلامية ممثلة بذراعها السياسية "حزب جبهة العمل" قررت المقاطعة تصويتاً وترشحاً منذ البداية، رفضاً لقانون "الصوت الواحد" ضمن الدوائر المحلية والاكتفاء ب 27 مقعداً من أصل 150 نائباً ضمن "القوائم الوطنية"، فضلاً عن الاحتجاج على عدم إجراء تعديلات دستورية تقنن صلاحيات ملك البلاد، خصوصاً حيال حل البرلمان وعدم تعيين أعضاء مجلس الأعيان (الشق الثاني للسلطة التشريعية) واعتماد حكومات نيابية كاملة . وفي الخندق ذاته جلست الجبهة الوطنية للإصلاح التي تضم قوى سياسية ونقابية، وكذلك فعل حزب "الوحدة الشعبية" و"الشيوعي"، بينما آثرت 4 أحزاب يسارية وقومية أخرى هي "الاشتراكي" و"حشد" و"العربي التقدمي" و"الحركة القومية" المشاركة عبر قائمة "النهوض" المكونة من 14 شخصاً إلى جانب آخرين في الدوائر المحلية . وفق هذا السياق سار "الانقسام" في مواقف الحركات الشعبية والشبابية، حيث أعلنت أغلبها رفض المشاركة في انتخابات "مشوّهة" وأحرق متظاهرون مئات البطاقات الانتخابية المخوّلة حق التصويت، فيما ظهرت 4 قوائم تضم عدداً من ناشطين أبرزها "أبناء الحراثين" التي شملت "أسماء يسارية مستقلة" قادت مسيرات ورؤى إعلامية، بينما فضّل توجّه ثالث تأييد التصويت فقط من دون الترشح بقصد "اختبار مدى النزاهة" هذه المرة . يوم الاقتراع توجّهت الأنظار إلى الصناديق ووسط "تفاؤل" رسمي أطلقه رئيس الوزراء عبدالله النسور في كل مكان أمام الصحافيين بضرورة أن يفخر الجميع ب"شفافية" و"مصداقية" الأداء، وأن "يحمل النوّاب ربما للمرة الأولى بطاقات النزاهة وهم يدخلون المجلس" سارت الأمور ميدانياً على ما يرام مع بعض تجاوزات ومخالفات سجلها عدد من المراقبين والراصدين وظهرت نسبة "تصويت" فاقت كل التوقعات تجاوزت 56% من إجمالي الحاصلين على بطاقات ترشح . . حتى جاءت الساعة الأخيرة . الهيئة المستقلة وفي إجراء "لم تبرره" قررت تمديد الاقتراع ساعة كاملة تلك التي "أحاطتها" شبهات تناقلتها تقارير إعلامية، خصوصاً عند "تضارب" لازم الإعلان عنها بين المواصلة أو الاكتفاء وتزايد الحنق بمرافقة احتجاجات صاخبة تصاعدت تدريجياً مع تأخير الإعلان رسميا عن النتائج النهائية لأكثر من 26 ساعة ورصد اختلافات كبيرة بينها وبين ما أظهرته الأرقام "الأوّلية" المتبادلة على الشاشات منها التلفزيون الرسمي نفسه . النتائج النهائية جاءت بحصيلة أظهرت فشل تجربة القوائم الوطنية "التكتلية" وفق صيغتها الحالية وذلك لثلاثة أسباب رئيسة هي ترشح "تجمعات عائلية" ليست حزبية ولا مستندة على قوى سياسية ضمنها، وخروجها "بعد تشتت الناخبين" خالية الوفاض وظفر قائمة حزبية وحيدة "الوسط الإسلامي" ب 3 مقاعد فقط في مقابل حصد 4 قوائم على مقعدين لكل منها و15 قائمة بمقعد، ما يعني صعوبة تشكيل "أغلبية" مرتكزة على "نهج مسبق"، هذا فضلاً عن إمكانية سيطرة "المجموعات" الآتية من دوائر محلية "قوامها الفزعة القبلية" على كل شيء . وفي النتائج يتصدر "فريق نادي البرلمانات القديم" المشهد مكوناً من عميد النوّاب عبد الهادي المجالي، ورئيس الدورة السابقة المنحلة عبد الكريم الدغمي، ووزير الداخلية الأسبق سعد هايل السرور، ومرشح "قواعد المخيمات الفلسطينية" خليل عطية، المثير للجدل الذي تشابك أكثر من مرة تحت القبة مع عدد من النواب . في المقابل يغيب "صوت المعارضة" المنظم وذلك بعدما فشلت الأحزاب اليسارية والقومية الأربعة في حجز أي مقعد عن قائمة "النهوض"، فيما أخفق 13 آخرون ضمنها ولم يصل أحد من قوائم الحركات الشعبية . على الطرف المواجه تلوح في الأفق "معارضة مستقلة جديدة" ربما يظل صوتها "محدوداً" ابرز ملامحها الإعلامية رولا الحروب المتهمة أساساً ب"الحض على مناهضة نظام الحكم" جراء حلقة تلفزيونية سابقة، وكذلك نقيب المعلمين مصطفى الرواشدة الذي قاد اعتصامات ومسيرات عديدة . كذلك من المتوقع أن يحكم نحو 71 نائباً جاءوا من مواقع عشائرية نفوذهم على القرارات حسب انسجامها غالباً مع "جوانب خدمية" تتناسب ومحافظاتهم في مقابل سعي آخرين من أصول فلسطينية أعلن 8 منهم تشكيل كتلة لحل معضلات "المخيمات" في الدرجة الأولى، فيما زاد عدد النساء البرلمانيات إلى 19 للمرة الأولى، منهن 15 عن "الكوتا" واثنتان ضمن قائمتين ومثلهما عن الدوائر المحلية، إلا أنهن سيواجهن "عاصفة من الرجال" سبق أن تكررت في دورة ماضية . المحللون يضعون ملفات سياسية واقتصادية "معقدة" على رأس أولويات الدورة الجديدة التي من شأنها "تمحيص" الحضور الرقابي والتشريعي على مدى 4 سنوات مقبلة "مفترضة" أبرزها تعديل قانون الانتخاب، وقضايا الفساد الشائكة والمطالبات المتواصلة ب"استعادة الأموال المنهوبة"، وكذلك إشكالية توقيع الحكومة برنامجاً للإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي يفرض رفعاً جديداً للأسعار وقوانين "الضريبة" و"المالكين والمستأجرين" و"الأحزاب" وخلل الفقر والبطالة وتوزيع المخصصات التنموية والموازنة العامة . هل تستطيع "التوليفة" الجديدة للبرلمان الأردني الأول بعد أحداث "الربيع العربي" معالجة ملفات سياسية واقتصادية ساخنة؟ . . هذا هو السؤال الأهم حالياً، لاسيما بعد حل مجلسين سابقين على التوالي "فقدا الشعبية" . المؤشرات وفق بعض المراقبين "ليست مبشرّة كثيراً" في ظل مطالبات فور الإعلان عن النتائج ب"إسقاط البرلمان الجديد" واتهامه من الآن ب"التزوير" وأنه "نسخة قديمة في صورة جديدة" وسط انضمام أطراف كانت محسوبة على "الموالاة" إلى رفضه إزاء عدم نجاحها في الانتخابات، وكذلك تمسّك الحركة الإسلامية والحركات الشعبية بالتظاهرات الميدانية والدعوة إلى تكثيفها ورؤيتها عدم تحقيق "شيء مهم" في الإصلاح واعتبارها التجربة الانتخابية الجديدة "فاشلة" و"فاقدة للشرعية والنزاهة" و"عنوان إضافي إلى الأزمة السياسية في البلاد" . وحسب وزير الدولة الأسبق لشؤون الإعلام والاتصال الكاتب الصحافي طاهر العدوان، فإن "نتائج الانتخابات كرّست قوة أنصار الصوت الواحد على اعتبارها قوة متراكمة تعتمد على ما استقر من سلوكيات الناخبين بعد خبرة خوض خمس حملات انتخابية لمجالس نيابية سابقة على هذا القانون خلال عقدين" . ويردف: "من الواضح أن الرأي العام الأردني وبعد عامين من الربيع العربي ومن ترديد شعاراته والجدل الذي شهده الشارع في جميع مناطق المملكة لم يظهر تغييراً كبيراً في سلوكه الانتخابي أمام تجربة القوائم الوطنية المتواضعة، بل إنه نقل إليها عيوب وسلبيات الصوت الواحد، فغدت القوائم وكأنها طبعة غير منقحة له عندما خرجت أغلبية القوائم بمقعد واحد فقط" . ويرى المحلل السياسي عمر العياصرة أن "السياسة سقطت يوم الاقتراع في اختبار صندوق السلطة، حيث فاز رأس المال والعشائريون غير المسيسين، كما أن طرفاً دينياً رسمياً بات في اللعبة البرلمانية بعدما عهدناه في أروقة الأوقاف والتشويش فقط" . في إشارة إلى حزب الوسط الإسلامي الذي يتطلع إلى المشاركة في تشكيل الحكومة "التشاورية" بعد حجزه 3 مقاعد عن القائمة و14 ضمن الدوائر المحلية . ويضيف العياصرة "القوميون فشلوا واليسار الوطني لم يحالفه النجاح كذلك، وهذان الفريقان نتذكر أنهما قابلا الملك وخرجا يهللان بأنه يساري، حتى الأحزاب الوسطية الموالية خسرت المعركة، منها التيار الوطني والجبهة الموحدة والرسالة وانتصر في المحصلة التقصير السياسي وانعدام الرؤية" .