ليس هناك أحن من الآباء على أبنائهم فهم عادة يقدمون لهم كل غال ورخيص، ومنذ اللحظة الأولى لمجيئهم للدنيا وهم يحظون برعاية خاصة وتدليل زائد، وفي كثير من الأحيان يجد الآباء لذة خفية حين يحققون كل رغبات الأبناء، وفي ظل التدليل المفرط والاهتمام المبالغ فيه ينشأ هؤلاء الأبناء وهم غير مكترثين بمستقبلهم وحياتهم العملية والخاصة معاً، فيكون الفشل حليفهم، ولا يجني الآباء في النهاية إلا الحسرة والشعور بخيبة الأمل . في تحقيقنا الآتي ناقشنا مع من التقيناهم الأسباب السلبية التي تترتب على تدليل الآباء للأبناء . يقول يوسف سليم (بالمعاش) لديّ من الأبناء ثلاثة، بنتان وولد، ولكن الولد كنت أعامله معاملة خاصة جداً وألبي له كل رغباته ولا أمنعه من الذهاب مع أصحابه إلى أماكن الترفيه، ولكني ندمت في ما بعد على تساهلي معه في كل شيء . ويضيف: بعد الانتهاء من المرحلة الثانوية التحق ابني بالجامعة في مصر وقررت أن يذهب إلى هناك "على أن يعيش مع جدته" وأن أنتظر هنا حتى يكمل إخوته مراحلهم الدراسية حتى الثانوية العامة، وكنت أرسل له كل ما يريد من نفقات، إلا أن معارضتها كانت في محلها تماماً حيث بدأ في التعرف إلى أصحاب السوء ما أدى إلى رسوبه في الجامعة أكثر من مرة، فقررت أن يحصل على الجامعة في الإمارات رغم ارتفاع كلفتها، ويعترف بأنه شعر بالندم لإفراطه في تدليله ولكن هذا الشعور جاء بعد فوات الأوان فقد أضاع الولد عامين من عمره في الجامعة من دون أن يحقق شيئاً . وينصح سليم الآباء بعدم موافقة الأبناء في كل ما يطلبونه وأن يناقشوهم في كل كبيرة وصغيرة . ويروي أحمد عبد الراضي، محاسب، قصة شابين من أقاربه حيث قررا عمل مشروع تجاري خاص بهما بعد التخرج في الجامعة وساعدهما في ذلك والدهما الذي وافق على سفرهما إلى دبي لإقامة مشروع تجاري هناك، وحصل الأبناء على مبلغ يقارب نصف المليون درهم، ولكن للأسف بددا أكثر من نصف هذا المبلغ من دون تنفيذ أي مشروع، في حين أن والدهما لا يعلم بما حدث إذ كان يعتقد أنهما أقاما مشروعاً كبيراً . ويشير إلى أن ما حدث لا يصدقه عقل، فكيف يترك مبلغاً كبيراً لشابين من دون أن يكون على ثقة بأنهما سيضعانه في المكان المناسب، ويلفت إلى أن تدليله الزائد لهما كان السبب الرئيس في ما وصل إليه من تهور وعدم تقدير للمسؤولية . أما عمرو باسل، فله قصة أخرى يرويها والده الذي يتحدث قائلاً: عودته منذ صغره أنا ووالدته على أن كل شيء رهن إشارته فهو الابن الوحيد المدلل ولا يمكن أن نرفض له طلباً، وبعد التحاقه بالمدرسة كنا نسمح له بالمشاركة في جميع الرحلات والأنشطة التي تقام خارج المدرسة، ولكن ما إن وصل إلى المرحلة الثانوية حتى بدأ يفكر في أمور غريبة ويرفض الذهاب إلى المدرسة بحجة رغبته في الالتحاق بوظيفة، ما جعلنا نلجأ معه لأسلوب الشدة الذي لم نعامله به من قبل، ولكن أبدى عناداً شديداً وطلب من أبيه فتح مشروع خاص له، وبعد مناقشات طويلة قام والده بعمل مشروع له عبارة عن مركز "كافيه إنترنت" شريطة أن يواصل دراسته إلا أنه فشل في المشروع، وتطور الأمر في ما بعد إلى سرقة والده حتى قمنا بحبسه في المنزل، ويوضح والده أن تدليله المبالغ فيه جعله يضل الطريق ويأتي بأفعال غير محمودة مما أسهم في انحرافه . وتقول الشيماء عبدالرحمن، أم لطفلين، إن الإفراط في تدليل الأبناء يدفعهم إلى حياة سلبية تجعلهم يعيشون في حيز الدلع من دون اهتمام بأي شيء آخر، وهذا الحيز تنطلق منه سلوكيات وتصرفات يقع ضررها على الشخص أولاً ثم على المجتمع الذي ينتمي إليه، فالطفل المدلل وغالباً ما يكون شخصية ضعيفة لا تقوى على تحمل المسؤولية لأن جميع طلباته مجابة . كما أن الإفراط في هذا الأمر يؤدي إلى التمرد على الوالدين وعدم احترامهما، كذلك نجد أن الشخصية التي تحظى بدلال مفرط تصاب بغرور يقود إلى تنفير الآخرين منها، ومن الواجب على الآباء والأمهات ألا يهملوا في هذا الجانب وألا يضعوا أبناءهم في دوامة تؤثر سلباً في الكبر، وعليهم أن يضعوا بين أعينهم أن الطفل الصغير يكبر حيث إن الحياة تحتاج إلى الاعتماد على النفس . ويقول علي الكعبي "اختصاصي اجتماعي" بمنطقة العين التعليمية، إن التدليع المبالغ فيه يؤدي إلى نتائج سلبية تظهر على الأبناء كلما تقدموا في مراحل التعليم، حيث يخفقون في الدراسة تدريجياً وهذا ما ظهر من خلال تجارب واقعية وخبرة في مجال التربية والتعليم، ما يؤكد أن هناك علاقة وثيقة بين الدلال المفرط وتراجع المستوى التعليمي للطالب . لأنه عندما يكبر يتخلى الأب والأم عن تلبية المتطلبات بالطريقة السابقة نفسها، وبالتالي يتحول التدليل لنتيجة عكسية وهي العناد والفشل أيضاً في الدراسة . ويوضح الكعبي أن التدليل مطلوب ولكن بطريقة غير مبالغ فيها وبحرص ولا يكون بشكل مستمر وليس في كل الأوقات، لأن ذلك من شأنه تدمير شخصية الطفل منذ نعومة أظفاره وجعله لا يتحمل المسؤولية مثل بقية أقرانه . من جانبها تقول عائشة الحوسني، المتخصصة النفسية في دار التربية الاجتماعية بالشارقة، إن التدليل الزائد للأبناء في الصغر يكون له عواقب وخيمة تظهر آثارها في الكبر، حيث يتغير سلوك الأبناء في ما بعد نتيجة عدم الاهتمام بتنمية الجوانب الإيجابية وحثهم على تحمل المسؤولية، فالاعتدال أمر مطلوب يسهم في الارتقاء بالنفس ويساعد الفرد على أن يكون شخصية متفاعلة مع مجتمعه، فالرفاهية المطلقة تؤثر سلباً وتدفع البعض إلى الاعتماد بصفة مستمرة على الأهل في كل شيء، والمطلوب هو التوازن في التربية، إذ إن الإسراف سينعكس بالسلب عليهم في المستقبل . وتوضح الحوسني أن تدليل الأطفال بشكل مبالغ فيه في الصغر ينعكس عليهم في الكبر، ومن الممكن أن يؤدي بهم إلى أن يصبحوا ضحايا في النهاية لأخطائهم، والأمثلة على مثل هذه الحالات كثيرة نجدها في الشباب المتهور غير المتحمل للمسؤولية بخاصة عندما يصبحون في سن المراهقة تظهر النتائج السلبية لهذا التدليل . وتنصح الأهل بضرورة إرشاد الأبناء نحو السلوكيات الحميدة بخاصة في مرحلة الطفولة، لافتة إلى أنه مع بداية الطفل لعامه الثاني يجب تعويده على الرضا في كل ما يصل إليه . ويرى المتخصص الاجتماعي إبراهيم عبيد أن طبيعة الأبناء في الصغر تجعلهم دائماً يطلبون من أهلهم ما يعجبهم بغض النظر عن قيمته أو ثمنه، وكثير من الآباء والأمهات يستجيبون لذلك من دون مناقشة بحجة أنه الابن الوحيد أو الابنة الوحيدة ولا يعلمون أنهم يدمرون مستقبلهم في ما بعد، ما يجعل الأهل يضعون قواعد في تربيتهم لأبنائهم منذ بداية إدراكهم وتقريباً يكون ذلك من العام الأول . ويوضح: إن العواقب التي تأتي جراء ما يقوم به الأهل من دون قصد من الممكن أن تؤدي بهم وبالأبناء إلى نتائج غير مرضية بخاصة أن ذلك يعطي للأبناء الفرصة في تكرار الإلحاح حتى يتم تنفيذ الطلب، وقدرة السيطرة على الأهل في كل الأمور بدلاً من أن يحدث العكس . ويصف عبيد الطفل المتدلل بالمتمرد يحتج على كل شيء ويصر على تحكيم رأي، وكذلك بالفوضوي الذي لا يتبع قواعد التهذيب ولا يستجيب لأي من التعليمات الموجهة إليه، إضافة لكونه لحوحاً وكثير الطلبات وقليل الصبر وملولاً فهو يستعجل الأمور ولا طاقة له على الصبر، حيث يتخذ من البكاء والصراخ سبلاً للضغط على ذويه لتلبية رغباته ولا يستطيع الاعتماد على نفسه أو مواجهة متاعب ومصاعب الحياة فهو معدوم الشخصية . ويطالب الأهل وبخاصة الأب بضرورة الحذر في تربيته لأبنائه خاصة الابن الأول الذي ينال رعاية أكبر من بقية إخوته وبالتالي يتعود على حياة غير الآخرين وهو ما يجعل منه شاباً في المستقبل لا يستطيع التعامل مع الآخرين بالشكل المطلوب وفقاً للعادات والقيم التي تعودنا عليها .