بقلم:علي سالمين العوبثاني في هذا الجزء من المقال ( مآسي الغربة ) سنتحدث عن المغترب الذي حملته أجنحة الوهم إلى الأماكن البعيدة . ونتساءل هنا عن معاناته في بلد الغربة ، وما هي الممارسات التي يلقاها من قبل أرباب العمل ؟ وهل القوانين تكفل له الحق في الدفاع عن نفسه وتضمن إنصافه ؟ وما دور الحكومات في الحفاظ على مواطنيها من التعسف ؟ وهل من وقفة لحاملي الجنسية في التخفيف من معاناة بني جلدتهم ؟ أسئلة متعددة تطرح نفسها ومطلوب إجابات مقنعة عليها من الجهات ذات العلاقة . قد نجد اليوم من يلقي باللوم على حكومات الدول المجاورة باتخاذها سياسات الحد من العمالة ووضعها قيوداً مشددة بزيادة رسوم على المغتربين وهي مضايقة غير مباشرة ، ولكن إذا نظرنا إليها من الناحية القانونية فإن ذلك من الحقوق السيادية للدول وعلينا التعاطي معها من منطلق القوانين والتشريعات النافذة ، والسؤال الوجيه الذي يطرح نفسه : ألم يكن من الأجدى بحكومة التوافق القيام بواجبها ووضع السياسات الحكيمة إزاء مشكلة الهجرة والبحث عن مسبباتها بدل اللامبالاة ؟، فيكفي دول الجوار ما تعانيه من إشكاليات عديدة ، من أهمها ازدياد نسبة الجريمة التي تحدث من العمالة الأجنبية الوافدة إليها مما جعلها تقيم وضعها وفق ما تراه ، كما أعتقد بان لديها خططاً بتوظيف مواطنيها بصورة تدريجية ، وحاجتها للعمالة قد تتقلص في الأعوام المقبلة .. ولهذا نتوجه بسؤالنا لولاة الأمر : ماذا أعدت هذه الحكومة للكادر الذي ينتظر الوظيفة وأيضاً المخرجات القادمة وكذلك للعمالة التي ستعود حتماً إذا ما زادت عليها الضغوط مستقبلاً ؟ ثم لماذا لا نعتبر من الغزو العراقي على الكويت الشقيق ؟ الذي نتج عنه عودة الآف المغتربين وعائلاتهم الذين لم يضعوا في حسبانهم يوماً بأنهم سيعودون إلى وطنهم .. ونتخذ من ذلك العبرة . تبدأ رحلة المغترب الشاقة للبحث عن عمل وأغلب الأعمال المتاحة هناك في المهجر هي الأعمال المتدنية وبرواتب زهيدة بعضها شاملة السكن والمأكل وبعضها الآخر لا تشمل تلك المزية فعلى المغترب البحث عن ( عزبة ) للاندماج معها تكفل له ذلك بمبلغ معين من دخله الشهري . وقانون البلدية في دول الجوار لا يجيز للقادم العمل إلا في المهنة المدونة في الإقامة حسب ما هو معمول لديها ، ولهذا فإنه لا يسمح له باستخراج بطاقة عمل تتعارض مع ما هو مصرح له ومن ثم فأن مندوب البلدية عند نزولاته التفتيشية أول ما يطلب من المغترب تصريح العمل وحال ضبطه في مهنة أخرى يتم فرض غرامه على رب العمل الذي استضافه وكذلك تهديده بعدم إبقاء هذا الأجير في العمل ، فيضطر هذا المغترب إلى أن يطلب من كفيله الأصلي تغيير مهنته الحالية واستبدالها بما يتناسب مع سوق العمل ، يقوم هذا الكفيل بتغيير مهنته مقابل أخذ رسوم حكومي باهظ القيمة ناهيك عن من يقوم بمتابعة الإجراءات القانونية مع الجهات الرسمية الذي يسمونه ( مخلص معاملات ) أو( المعقب ) .. وتغيير المهنة قرار معمول به في كل الدول . ويحدث أحياناً أن يقوم الكفيل باستخراج مجموعة تأشيرات فيتفق مع من يقوم بتسويقها ، بحسب شروط غير مكتوبة يتعهد بموجبها نقل كفالته بعد مضي عامين من وصول الحاصلين عليها .. ولكن ما يحدث هو العكس فأنه يرفض نقل الكفالة وتنفيذ ما تعهد به وينكث بجميع التزاماته – وهنا يتعامل الكفيل بعقلية استثمارية فيبدأ بالابتزاز وأمام هذا التعنت يضطر هؤلاء الذين طالهم الأمر بالإذعان لأوامره وهم لا يملكون ما يدافعون به عن أنفسهم ، لأن القوانين كلها تخدمه بأريحية .. وما يجري من الكفيل يحدث هنا من مؤسسات تقوم بالطريقة نفسها بحيث تتعاقد مع شركات خدمية بتوفير عمالة لها حسب الطلب وفق نظام ما يسمى الكونتراكت ( التعاقدي ) تدفع بموجبها تلك الشركات مبالغ مجزية للعامل لا تساوي ما يتقاضاه من هذه المؤسسة التي يعمل فيها حيث تأخذ نصيب الأسد على حسابه. وهذه المشاهد تضعنا أمام علامات استفهام حائرة لا تجد لها أجوبة ، لان ما يحدث عمل لا إنساني لا تقره القوانين الوضعية ولا الضمير الإنساني . نلتقي بكم في الجزء الثالث من هذا المقال الذي سنتحدث فيه عن حكايات مغتربين وقعوا في أهوال الغربة ونيرانها .