لا برّ لمن لا بحر له قراءَة ل: نزهة أبو غوش لا برّ لمن لا بحر له، نصوص من ملفّات المحامية – الكاتبة- نائلة عطيّة، في 148 صفحة عن دار حيفا للإبداع والنّشر. من خلال قراءتنا لنصوص الكاتبة نائلة عطيّة، ورغم الاختصار وعدم التّوسّع في السّرد، تمكّنا من التّعرّف على شخصيّة الكاتبة، وسيرة حياتها الذّاتيّة: حياة والدهان الريّس اسكندر الصّياد المكافح الّذي لم يعرف اليأس أبدًا. لم يرضخ اسكندر الضّخم طويل القامة لتخويف المحتلّ، ولم ينزح مع من نزحوا إِلى لبنان عام 48. بقي مع أُسرته يواجه كلّ الصّعوبات، حتّى مات وحيدًا دون أخوته وأهله وأصدقائه، أمّا والدة نائلة وجدّتها فقد كانتا امرأتين مجاهدتين، حتّى أنّهن رحن يوزّعن المناشير الّتي تدعو النّازحين عن عكّا بأن يبقوا ولا يرحلوا. ماتت الجدّة أَيضًا وحيدة، حيث دفنها ولدها اسكندر لوحده في المقبرة الّتي أصبحت مغلقة فيما بعد. جاءَت العبارات والحديث عن الأُسرة والأصدقاء تلقائيّة عفويّة غير متكلّفة مما أضفت على النّصوص الصّدق وعدم المبالغة. تأثّرت نائلة بطفولتها الّتي حملت الكثير من القصص المؤلمة، فحملت الوطن في داخلها، حيث سكنها، ولم يعد يخرج أَبدًا. ركضت لاهثة خلف كلّ موكّليها المعذّبين والمظلومين في الضّفة وغزّة. مدّت لهم يدًا طويلة قويّة كالفولاذ، قالت لهم: لا تيأسوا، سوف نُفتّش عن الإِبرة في كومة القشّ ونخرجها معًا. سوف أُحقّق لكم البراءَة؛ لأَنّكم أَصحاب حقّ. دافعت بكلّ نفس من أَنفاسها عن البحّارة اللبنانيين - من أصلٍ فلسطيني- طاقم سفينة، سانت توريني، الّذين هرّبوا الأسلحة عبر البحر إِلى غزّة. دافعت عن أَطفال الانتفاضة الأولى والثّانية. دافعت عن شجرات الزّيتون ودفيئات الخضار. لم يكن الربح المادّي هدفًا للمحامية نائلة؛ لأنّ من دافعت عنهم لم يقصّروا بدفع التّكاليف لو كانوا يملكون. لم يقف البعد الجغرافي عائقًا أمام نائلة عطيّة، فقد تنقّلت من سجنن إِلى سجن رغم حرارة الطّقس، أو برودته, رغم الحواجز العسكريّة المتشدّدة. تنقّلت من رام الله، إِلى عكّا إِلى عسقلان، إِلى القدس إِلى المثلّث إِلى.... دون كلل أو ملل. رغم قوّة المرأَة الحديديّة، ورغم قوّة التّحدّي والمواجهة، والجرأَة، إِلا أنّنن لمست في شخصيّتها رقّة في المشاعر، حيث بدت مشاعرها صادقة متاثِّرة، ومؤثّرة. ذرفت دموعها بسخاء؛ خوفًا من الفشل. ذرفتها حزنًا وألمًا على موكّليها الّذين ذاقوا كلّ أنواع العذاب. ترقرقت عيناها أملًا وفرحًا بالانتصار، ولو كان ضئيلا. بدا تأثُّر المحاميّة جليًّا حين ركضت مسرعة لاهثة نحو محكمة المسكوبيّة في القدس تسارع الطّرقات والزّمن خائفة أَن تغلق المحكمة أبوابها قبل وصولها؛ لأنّها تحمل قضيّة غاية في الأهميّة حيث سيبدأ جنود الاحتلال بجرف الدّفيئات في غزّة بسبب وجود سلك موصول بقنبلة مفجّرة على الشّارع القريب. لم تتمالك الكاتبة نفسها وراحت تبكي بألم وحرارة أمام القاضي الّذي قابلها وهي بوضع يُرثى له. نلحظ بأَنّ العاطفة في كتابات نائلة عطيّة عواطف جيّاشة، متناقضة: فرح وحزن. اشعور بالانهزام وشعور بنشوة الانتصار، شعور بالخوف والحذر مقابل التّحدّي والمواجهة. شعور بالألم والشّفقة مقابل الشّعور بالقوّة الّتي تمسح دموعها وألمها. الشعور بحاجتها للحبّ والحنان مقابل عطائها الحبّ والحنان لللآخرين. كلّ هذه التّناقضات أضافت للنّصوص جماليّة أَدبيّة، تحمل الكثير من التّشويق. إِذا أَردت أن أتحدّث عن خيال الكاتبة، فهو خيال غلب عليه الواقع، حيث أَنّ الواقع أبعد بكثير عن الخيال . لم تبذل الكاتبة جهدًا كبيرًا في شحذ خيالها؛ من أجل الكتابة، لأنّ الواقع المرّ الأليم الّذي واجه الإنسان الفلسطيني في ظلّ الاحتلال كان فوق التّصوّر وفوق الخيال، لذلك جاءّت النّصوص معبّرة صادقة جذّابة. لغة الكاتبة نائلة سهلة بسيطة سلسة لا تعقيد فيها. غلب عليها عبارات جديدة للقاريء يستخدمها المحامون والحكّام في المحاكم، مثل: مرافعة، براءّة، دفاع، عريضة.... تعدّد أُسلوب الكاتبة، فهو أحيانًا تقريريّا مباشرًا يشبه أُسلوب الصّحفي، وقد ظهر ذلك في بداية النّصوص، أمّا الأُسلوب الثّاني الغير مباشر، كان على الأَغلب في القسم الثّاني من الكتاب، حيث كان قريبًا جدّا من الأَدب، إِذ غلب عليه التّشابيه والاستعارات والمحسّنات البديعيّة، والتّعبيرات البلاغيّة نحو: "تبدّد خوفي وجفّ عرقي، وترقرقت دموعي، واتّسعت ابتسامتي الصّامتة...هاتفت سريعًا أهل الارض لأقول لهم أنّ الرّيح تهبّ باتّجاهنا" ص 197 .