الأحد 17 فبراير 2013 06:29 مساءً البيان الرئاسي الذي تلاه المندوب الدائم لجمهورية كوريا الجنوبية السفير كيم سوك رئيس مجلس الأمن الدولي خلال دورة شهر فبراير الجاري في وقت متأخر من تاريخ 15/2/2013م عن الجلسة رقم 6922 بخصوص المرحلة الانتقالية اليمنية وعلى ضوء المشاورات المغلقة لأعضاء المجلس في يوم الخميس قبل الماضي، الموافق 7 فبراير 2013م , حظي بجدل سياسي وإعلامي وشعبي واسع النطاق. وسأحاول بعون الله وقدر ما استطعت أن أقدم قراءة أجزم أنها موضوعية ومحايدة لهذا البيان الذي تعرض للتشويه والتحريف والتزوير في الكثير من فقراته وكلماته لغرض في نفس يعقوب محاولاً مناقشة فقراته واحدة تلو الأخرى مع الإشارة إلى أن هذا البيان ليس قراراً لمجلس الأمن , بل بياناً رئاسياً كان قد تم الاتفاق على مضامينه بعد شد وجذب داخل وخارج المجلس منذ أيام مضت . في الفقرة الأولى يرحب البيان بتحديد موعد انطلاق الحوار الوطني اليمني في 18 مارس القادم . في الفقرة الثانية يشدد البيان على أن تلتزم القيادة اليمنية بمقومات الحكم الرشيد المتعارف عليها في عالمنا المعاصر. القفرة الثالثة كُرست للتأكيد على المشاركة الواسعة في الحوار الوطني الشامل. والجديد في هذه الفقرة تأكيد البيان على مشاركة ممثلي الجنوب وهي المرة الأولى التي يشار فيها إلى الجنوب صراحة في قرارات وبيانات مجلس الأمن الدولي منذ قيام الوحدة اليمنية عام 1990م وفي هذه الإشارة اعتراف ضمني بشرعية مطالب الحراك الجنوبي السلمي . ( يمكن الاطلاع على القرارين 924 , 931 لعام 1994م والقرارين 2014 , 2051 لعامي 2011 و2012م ). وهذه الفقرة بالذات تعرضت للتحريف من قبل وسائل الإعلام الرسمية اليمنية وقد تم ملاحظة هذا في نشرة الأخبار الرئيسة لقناة اليمن الفضائية الساعة 2100 مساء 16/2/2012م , حيث قرأ المذيع محمد المحمدي " مشاركة ممثلين عن الجنوب " بدلاً من "ممثلي الجنوب" كما جاء في نص البيان الذي كان يعرض في نفس الوقت مكتوباً على الشاشة .. والفرق واضح . الجديد في الفقرة الرابعة تسمية كل من " الرئيس السابق علي عبدالله صالح ونائب الرئيس الأسبق علي سالم البيض " من بين الأشخاص التي تشير التقارير إلى أنهم " لم يلتزموا بالمبادئ التوجيهية للآلية التنفيذية للمرحلة الانتقالية .." وفي هذه الفقرة بالذات يمكن تسجيل ملاحظتين : الأولى أن قلق مجلس الأمن الدولي بني على " تقارير" والله أعلم بصحة أو عدم صحة هذه التقارير ومصدرها , الملاحظة الثانية هي انه إذا كان تسمية الرئيس السابق علي عبدالله صالح من بين الأشخاص المعرقلين للتسوية السياسية اليمنية مفهوماً وكان متوقعاً لأسباب معروفة لا تخفى على العامة والخاصة ولما لا زال لديه من إمكانيات عسكرية ومالية وإعلامية ضخمة للتأثير على سير التسوية أو الانتقال السياسي في اليمن .. فان تسمية علي سالم البيض إلى جانب خصمه اللدود الرئيس السابق هو المفاجأة الغير مفهومة والغير موفقة خصوصاً كمعرقل للتسوية السياسية !!! لسببين بسيطين ومنطقيين : الأول أن علي سالم البيض والحراك الجنوبي برمته ليسا طرفاً في المبادرة الخليجية والتسوية السياسية اليمنية, والثاني أن لا علي سالم البيض ولا الحراك الجنوبي قادر على عرقلة التسوية السياسية الجارية في صنعاء بموجب المبادرة الخليجية . وأعتقد أن الهدف من حشر اسم علي سالم البيض جاء من باب الضغط عليه وعلى فصائل الحراك الجنوبي للمشاركة في الحوار الوطني اليمني الشامل المقرر انطلاقه في 18 مارس القادم .. حسب إعلان اللجنة الفنية للحوار. في الفقرة الخامسة يعرب مجلس الأمن عن قلقة إزاء التقارير المشيرة إلى نقل أموال وأسلحة لليمن من الخارج بهدف عرقلة المرحلة الانتقالية وفي هذه الفقرة يعتمد المجلس على "تقارير" واعتقد أنها تشير إلى إيران وهي على العموم فقرة ضعيفة المدلول ربما بسبب الخلافات حولها بين أعضاء المجلس. الفقرة السادسة كانت أكثر الفقرات تعرضاً للتحريف من قبل وسائل الإعلام الرسمية والإصلاحية . حيث نشرت هذه الفقرة على النحو التالي : " يجدد مجلس الأمن التزامه بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه " !!! بينما جاءت الفقرة في بيان مجلس الأمن على النحو التالي " يجدد مجلس الأمن إلتزامه بوحدة وسيادة وإستقلال وسلامة الأراضي اليمنية " والفرق واضح بين الفقرتين وما لحق بالأصل من تزوير أخل بالمعنى وقلبه رأساً على عقب في المضمونين الجغرافي والسياسي .. وقد دأب القائمون على الإعلام الرسمي اليمني منذ زمن طويل على استجداء التصريحات الأجنبية بشأن "دعم وحدة اليمن" وتناسوا أمرين اثنين الأول أن وحدة اليمن مسألة يمنية بحتة لا تهم الخارج بقدر ما يهمه الأمن والاستقرار اللذان يحفظان مصالحه فحسب , الأمر الثاني أن وحدة اليمن لن تبقى باستجداء التصريحات الأجنبية ولكن بالعمل المخلص على مراجعة مسيرة الوحدة بصورة نقدية وبناءة وبما يضمن مصالح طرفي الوحدة وليس الطرف الغالب والمنتصر في حرب 1994م الظالمة التي قضت نهائياً على وحدة 22 مايو 1990م السلمية التوافقية . الجديد في الفقرة السابعة ترحيل مشروع قانون العدالة الانتقالية إلى مؤتمر الحوار بعد أن تصدت بقايا النظام لهذا القانون الذي كان متفقاً عليه مقابل قانون الحصانة الذي تم إقراره في دقائق بمجلس النواب العتيق ذي العشر سنوات . أما الفقرات الأخرى من البيان فلا جديد فيها .. وخلاصة الأمر فأن هذا البيان بقدرما شكل دعماً متجدداً وقوياً للرئيس عبدربه منصور هادي ولمسيرة الانتقال السلمي للسلطة في اليمن , بقدرما أثار وسيثير جدلاً واسعاً لما احتواه من متناقضات وهفوات وعبارات مطاطية . وعلى سبيل المثال لا الحصر يؤكد البيان على مشاركة ممثلي الجنوب في الحوار الوطني وفي نفس الوقت يهدد بفرض عقوبات على الزعيم الأكثر شعبية في الحراك الجنوبي .!!!