- كيف أمسك بقبضتي بحراً؟ تستطيع أن تهتدي إلى مبعث السؤال في ذهنك، وأنت تستقل الحافلة، إلى جانب السائق الآسيوي، مؤكداً عليه أن يتوجه إلى إمارة رأس الخيمة، مستهلاً الرحلة ببعض الأسئلة البسيطة التي تقع ضمن دائرة اختصاصه، منها ما يتعلق بعدد كيلومترات المسافة بين الشارقة وهذه الإمارة؟ أو كم يستغرق ذلك من زمن، وإن كنت في صدد التأكد مما هو معروف في الأصل عندك، أو في حكم ما هو كذلك، لاسيما وأنك قد استقرأت الطريق، والمكان، كزائر عابر، أكثر من مرة، بيد أنك الآن في صدد مهمة أخرى، في إطار توثيق كل ذلك، في حقل جماليات المكان، هذا الحقل الذي يمكن للسؤال المتصادي في ذهنك: منذ لحظة انطلاق السيارة، ومروراً بتفاصيل الطريق، أو المدينة التي ستصلها بعد خمس وأربعين دقيقة، أن يرتكز ضمن امتداد صدى السؤال عينه . .! تشقُّ السيارة الطريق خارج مدينتك، وكأنها تهتدي ببوصلة تقرأ بكل اللغات، ما دام أن رفيق طريقك، يفك شفرات أحاديثك خارج معجم محفوظاته، بصعوبة بادية، بيد أنه يقرأ إشارات الطريق، يترجمها في قيادته، مندغماً في لحظته الخاصة، وهي تهجئة الطريق كيلومترياً، عبر قراءة مختلفة للمساحات، والهندسات، إنها قراءة مختلفة عن قراءتك، كي تعودإلى سؤالك الذي هجست به منذ البداية" كيف أمسك بقبضتي بحراً؟"، ليتشظَّى إلى أسئلة أخرى، تحتار في معرفة أيُّهما الأصل؟ وأيُّهما الفرع؟ لاسيَّما عندما تحيلك شعرية الطريق إلى علامات تجتذبك من حبر قلمك، وأحاسيسك، كي تسجلها في مخيلتك، وتحضر شواهدك على ذلك من عبارات متماوجة على كراستك . شجر الغاف، لا يفتأ يحيلك إلى سلالته، وهي تحرس سواد الطريق وإسفلته وظلاله التي تهرب في الجهتين المتقابلتين، يشهد تحولات إمبراطوريته العظمى، أشياء كثيرة تبدلت، أشياء كثيرة ظلت، وما بين ثابت حيازاته وطارئها، الضباب في درجاته المتباينة، بين حدين أدنى وأعلى، كثبان الرمال، سلالات نبات وأشياء أخرى، نخلات فارعات، تتناوب سيدة المدى، طيور، جمال، زرقة تهبط من سلالم الأفق، تسوح في مدى الرؤية، وأنت تستحثُّ جياد مركب المخيِّلة، تسابق مركبتك، تصل المدينة، بما تحمله من بقايا الأرقام العالقة في الذاكرة، حيث مكان مرام، يستطيل بين خطي العرض 25-26 وخطي الطول 55-،60 ويقودك الرقمان إلى مركز الإمارة المائي، في استهلالة الخليج، حيث المدينة، وما تليها في الجهات الأربع من أمكنة عديدة، تشدها الجبال من خاصرتها العمانية، مأمومة بالجيس، في علوه الفريد، تتوزع بين الثلاثية التي تظهر في أجلِّ أشكالها: البحر، الصحراء، الجبل، وسوى كل ذلك من مناطق هي أفنان الشجرة الأمِّ، حيث تقف قبالتها، في صلاة مختلفة . -رأس الخيمة ترحب بكم . .! القِ تحيتك إذاً . .! تقرأ اللوحة، وأنت تلتقط صوراً تكاد لا تنتهي، لكل ما يقع ضمن مساحة الرؤيا، أبنية تضمُّ المتناقضين: سحر المدينة الحديثة، وألق القرية، شوارع تروي لك بساطة الأشياء، وإن كانت هي الأخرى، لا تتلكأ تحيل إلى ما تحفُّ به من عناوين على جنباتها، أوفي الجهات التي تؤول إليها، كي تظهر ضمن هندسة هاتيك المباني، علامات فارقة، وكأنها ألحان العمارة، في قيثارة المكان، يستكمل جمالياتها الشجرغارقاً في زقزقات العصافير، ورفيف أجنحة الطيرو الزرقة، حيث شمس الظهيرة تسير إلى مواعدها، في مشهد سمفونية الطبيعة الخلابة، ولسان الماء الذي يشطر المدينة إلى عالمين: رأس الخيمة، وهو اسم المكان الذي طير صداه إلى جهات الأرضين، إضافة إلى النخيل، توأمه، المقابل، من جهة الماء، سفير الخليج في استراحته، رئته الأخرى، وهما في النهاية، مدينة واحدة، لوحة واحدة: -كيف أمسكُ البحر من أمواجه؟/ كيف أمسكُ المدينة من هدأتها؟/ كيف أمسكُ المكان من عماراته؟/ شارع من بيوت الطابق الواحد/ شارع من بيوت بطابقين/ شارع من بيوت بطوابق . قلما تختل المعادلة بين شطري المدينة: القديم أو الجديد . تنصرف عن محفوظاتك، إلى المكان، ذاته، لا يكفيك رصيد الوقت المخصص، أن تتبع كل خط، أو انحناءة، أو شكل هندسي، لتستكشف بعض دواعي فتنته من جمال، حيث تتصافح أكثر من عمارة - هنا - لتستقرئ أصداء قران الحضارة، والفن، في خصوصية لكنتي الشرق والغرب، حيث يأتي الاصطفاء عبقرية فن ثالث، وهو ما يمكن أن تقوله لك العمارة المطلة على دارة انجذابك، بشجرها، وترسيمة أجنحة الطيور، وهي تترك في الفضاء ما يستلزم هناك من أصداء هندسة على إيقاع شقها الأرضي . مساجد في أبَّهة القباب، والتكبيرات التي سرعان ما تترجم الآن، بلغات أهل المكان وضيوفه، حديقة مجاورة، حيث تجتذبك، وأنت تعتمد في هذه المرة، على قراءة السيارة العابرة، تشير إلى السائق: أن قف هنا، كي يهتدي إلى موقف كان في انتظارنا، تمعن في اسمها، لتدرك أنها من أكبر الحدائق المائية، في حدود ذاكرة مكان شرق أوسطي أكبر، كما يؤكد لك ذلك الدليل الذي التقيته عرضاً كي يسلط ضوء خبرته مع المكان، على أسماء الأمكنة المختارة، أنى واجهك ضباب كثيف، أو عتمة الصدمة الأولى من ترجمات الجهات .