تقديم المنجز الحضاري في دولة الإمارات لم يُحصر باستعراض المنجز المادي، وسط أكثر من 30 دولة استضافتها القمة الحكومية الأولى للبحث في تطوير أداء الحكومات، أو في حضور مئات من الخبراء الدوليين إلى دبي في الإمارات العربية المتحدة، وإنما كان في تقديم فكر متجدد لأداء المهمة العامة، وفي رسم السياسات التنموية وتنفيذها مقارنة بسياسات وإنجازات لدول، كالتجربة الكندية والكورية والدنماركية والأسترالية والبرازيلية وتجارب أخرى، ولا شك في أن السبق هنا ليس بمقياس الزمن، وإنما في الطرح والإنجاز والابتكار الذي أصبحت فيه الإمارات رائدة في الفكر والنموذج والقيادة، وما يمكن قراءته من جلسات المؤتمر أمران في الإطار الثقافي، عدا أموراً كثيرة تأتي في المنجز الحضاري والإداري، وفي علاقة القادة والحكومة بنسيج الشعب والأفراد، هي ولا شك على درجة كبيرة من الأهمية، وإنما أردت أن أشير إلى هاتين المسألتين بشكل خاص رأيت أن اللقاء قد استوعبهما، أولاهما أن القمة قد أولت شبكات الاتصال الاجتماعية أهمية كبرى أفردت لها جانباً من جلساتها وأسلوباً من أساليب التواصل بين المنتدين والجمهور، وثانيتهما أن المؤتمر اعتمد نماذج ناجحة للمنجز على الصعيد البشري كخبرات إماراتية صرفة تتصدر للعالمية، ونجد في هاتين المسألتين منجزاً ثقافياً مهماً، فالتعليم والمعرفة أداة ولم تكن غاية، لذا فالتجربة الإماراتية جاءت في مصاف التجارب الكورية والدنماركية والكندية، وهي تجارب في إطار المنجز الإنساني والثقافي نموذج . المؤشرات التي تبنى عليها كثير من القرارات التنموية في مجملها ستذهب إلى التعليم أو الإبداع، وهذا ما أشارت إليه وزيرة الدولة ريم الهاشمي بأن التعليم يعتبر محور رسم السياسات في الدولة، وأنه سيكون محط اهتمام الحكومة، جاء ذلك في الجلسة الرئيسة "كيف نقيس التنمية؟" للقمة، لذا فإن على مؤسسة التعليم أن تقدم ثقافة إلى جانب المعرفة، تستوعب الطموحات والآمال المرجوة منها، فالتنمية التي تقاس بالتعليم هي تنمية معنية بالإنسان، والقائم على هذه التنمية يدرك أنها معرفة مرتبطة بالتقانة الحديثة وتستلهم منتجات لعصر متجدد بمختلف معطياته . إن توافق عنصري الإنسان والتكنولوجيات وسط مهددات معنية تتطلب عناية خاصة باللغة والهوية والتراث، وعندما يقدم قمة الهرم الإداري تصوراته ورؤيته للجهاز التنموي، تصبح المسؤولية مضاعفة في سبيل السعي إلى منجز نوعي آخر، فكما يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، إن سباق التميز ليس له خط نهاية وإن الحفاظ على الريادة وإدامة النمو والازدهار يتطلبان الانتقال إلى عصر اقتصاد المعرفة وبأسرع ما يمكن . تجربة أكثر من ألفين من الخبراء الدوليين والمحليين، فضلاً عن البرامج المقدمة في صورة نقاشات ولقاءات خلال يومين، تستلزم قراءة نتائجها زمناً، وستعتبر أجندات عمل باعتبارها تضمنت فكراً تنموياً . أضف إلى ذلك الإشارات المهمة التي مثلث سياسات عامة ومؤشرات عمل مهمة للتنمية، أتمنى على الأمانة العامة للقمة أن تعمل على إعداد هذه السياسات واستخلاصها لتصبح في متناول طلبة الجامعات والدارسين، فضلاً عمن يلزمه متابعتها واستنباط البرامج والأفكار والرؤى منها . لم تكتفِ دولة الإمارات بالإنجاز، لكنها من خلال ما تقدمه من ملتقيات، تقدم ثقافة للإنجاز وتعبيراً عن شكل المنجز الحضاري الذي يرتبط بالإنسان . [email protected]