بتلك العبارة خاطب رئيس وزراء الهند الرحل جواهر لال نهرو زعماء بعض دول عدم الانحياز التي نالت استقلالها عبر توقيع وثائق الاستقلال مع الدول الاستعمارية في الخمسينات من القرن الماضي, مضيفاً أن الاستعمار لم يترك البلدان التي خرج منها الا بعد أن كبلها بالكثير من الاتفاقات الاقتصادية وأحياناً السياسية التي تقيد حريتها, متسائلاً من هي الجهات التي انشأت البنك الدولي أو الجهات الاخرى التي تمنح القروض؟ أليست نفس الدول التي كانت محتلة لنا؟ اذاً كيف نتوقع منهم أن يساعدونا على بناء أنفسنا وترسيخ استقلالنا؟ عندما نتأمل في كلام نهروا نجده واقعاً ملموساً حتى اليوم بعد مرور أكثر من سته عقود على تلك الفترة, فنحن مستعمرون بوسائل أخطر من وسائل الاستعمار القديمة التقليدية, لم ينتهي الاستعمار إنما تغيرت أدواته, وأصبحت أكثر مرونة لتقبلها لدى الشعوب المستعمرة. أوضح مثل على الاستعمار الجديد هو ما يدور في اليمن منذ عقود, عندما رهنا اقتصادنا وسياستنا بالخارج, بحيث أصبح من الصعب اليوم الخروج باليمن من ذلك المأزق خصوصاً في ضل استسلام بعض القوى السياسية لسياسة الأمر لواقع ويأسهم من السعي لاستعادة استقلالنا, بل ووصل الأمر بالكثير من تلك القوى الى تبرير الاستعمار الجديد الذي يتم بأيادي ناعمة, عبر السفراء بل وحتى عبر بعض أبناء البلد. حتى لا أغرق في التنظير وعرض المشكلة التي يعرفها الجميع ويحاول بعضهم عدم التفكير فيها أو الاعتراف بها, يجب أن ننتقل الى سبل معالجة تلك المشكلة بشكل عملي حسب الامكانات المتاحة أمامنا. باعتقادي أن أولى خطوات الحل هي الاعتراف بوجود المشكلة, وليس بالضرورة أن نسميها استعمار, لكن يمكن أن نطلق عليها " ضياع سيادتنا الوطنية " أو أي اسم آخر يُشخص المشكلة. قد أتفهم بعض التداخل الذي يحصل بين سيادة الدولة والسيادة الدولية بسبب التطور الذي مرت به المجتمعات البشرية, وصولاً الى تكوين الاممالمتحدة التي أعطت لها الدول الموقعة على بيانها تنازلاً عن سيادتها في بعض الأمور, لكني لا أتفهم أن يصل التنازل الى أن نفوض بعض الدول - وليس الأممالمتحدة – لقتل مواطنينا خارج القانون عبر طائراتهم, ولا أتفهم انزال بعض قواتهم في العاصمة صنعاء بحجة حماية السفارة, وغيرها من التفاصيل التي تناقلتها الكثير من المواقع والصحف وصولاً الى اتفاقات لإنشاء قواعد عسكرية ثابته في بعض المواقع والجزر اليمنية. اهمية الاعتراف بالمشكلة أنه يدفعنا الى ايجاد الحلول وعدم التسليم بالأمر الواقع ومحاولة ايجاد المبررات التي تفقدنا أكثر في ما يخص سيادتنا, وترسخ فينا الانهزامية وصولاً الى فقد هويتنا الوطنية والقومية وحتى الاسلامية. الخطوة التالية من خطوات الحل تكمن في اتفاق القوى السياسية – أو بعضها – على برنامج عمل للخروج من تلك المشكلة, مبني على اسس علمية وأبحاث من مختصين وليس بناء على شعارات نرددها لنفرغ شحنات الغضب ثم نعود الى بيوتنا لننام. لدينا الكثير من الباحثين وفي الكثير من المجالات يمكن الاستعانة بهم ليس فقط في ايجاد الحلول بل في بحث القضية من أساسها, جذورها ومحتواها وصولاً الى سبل المعالجة, بحيث نجعل من القضية مسألة وطنية جامعة لنا أو للغالبية وحتى لا توظف سياسياً من اي طرف كان. استعادة سيادتنا وقرارنا الوطني هو المعبر لبناء الدولة, فلن نملك دولة الا اذا ابتعد الجميع عن الاستقواء بالخارج, ومحاولة ادخالنا في تحالفات وصراع محاور لا ناقة لنا فيه ولا جمل. علي البخيتي [email protected]