كان التنبيه الذي نقله الصحابي الجليل ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلّم، مبكرا ؛ و الرسول يكشف له حالةً مستقبلية لحال الأمة ، قائلا : "كيف بك يا ثوبان إذا تداعت عليكم الأمم كتداعيكم على قصعة الطعام تصيبون منه". قال ثوبان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أَمِن قلة بنا؟ قال:" لا أنتم يومئذ كثير ولكن يُلقَى في قلوبكم الوهن" قالوا: و ما الوهن يا رسول الله؟ قال: "حبكم الدنيا وكراهيتكم القتال". تبادر خوف ثوبان و من معه و هم يسمعون من الرسول الكريم ذلك التنبيه، أن تداعي الأمم على الأمة إنما سيكون بسبب قلة في العدد تلحق الأمة و تصيبها، مما يجعل بقية الأمم تتداعى للنيل منها.
فراح ثوبان يعبر عما جاش في نفسه من خوف جراء ذلك الحال الذي سيكون مستقبلا، و هل السبب القلة؟
لكن الرسول عليه السلام يبدد ذلك السبب، و لا يُقيم له اعتبارا، و إنما ينبه إلى ما هو أعظم خوفا، و أجل خطرا. فالقلة لم تكن يوما عاملا يخيف الأمة، و كأنما يستلفت الرسول صلى الله عليه وسلّم مَن حوله من الصحابة إلى حاضرهم، و واقعهم يومذاك، و يُحَفّز أذهانهم لاسترجاع وقائعهم مع قريش و هي تستنفر جموعها و أنصارها لمعركة بدر، و كيف كان النصر للقلة المؤمنة التي لم يكن للوهن في نفوسهم حظ، و لا لحب الدنيا نصيب، و يستذكرون معركة الخندق و كيف سعى يهود عند قبائل العرب من غطفان، و فزارة، و أسد.. و غيرها، فضلا عن قريش و حلفائها ؛ للاحتشاد في حلف واحد لاستئصال المسلمين ، و بالفعل تحرك حشد هائل ، و جيش كثيف نحو المدينةالمنورة؛ ليطبق عليها حصارا خانقا، إلا جهة منها أَمِنها المسلمون باعتبار أن من يتموضع في تلك الجهة قبيلة يهودية بينها و بين الرسول عهد و ميثاق ، لكنها لما رأت تلك الكثرة الكاثرة لجيش الأحزاب الذي تقوده قريش، و تُوَجِّه مساره مخططات اليهود نكثت العهد، و نقضت الميثاق و انضمت للمحاصِرين المعتدين. و لكن مع كل ذلك، انتصرت القلة المحَاصَرة، على جيش الأحزاب، و مخططات يهود.
ليس ضعف الأمة إذن في قلتها، و لكن ضعفها المخيف فيما قد يحل فيها من وَهَنٍ شديد يورثها الانبطاح، و الاستسلام الذليل، و كراهية القتال الذي تكون معه الأمة عونا للعدو ، و خذلانا للشقيق.
أبناء معركة الطوفان ليسوا كثرة، و إنما قلة، و لكنها قلة على نهج مسار المسلمين الأُوَل.
و في اليمن ؛ ألقت إيران بثقلها الظاهر و الخفي ضد الشعب اليمني ، وزودته بكل أدوات الدمار و الخراب ، لكن الشعب اليمني طال الزمن أو قصر، لن يقبل أن تعود به الأيام إلى عقلية الحكم الإمامي المتخلف ؛ و هو التخلف، و الجبروت ، و الظلم ، و الضلال الذي مضت مليشيا الحوثي تؤكده بالحديد و النار في مناطق سيطرتها، و تتوعد به اليمنيين أجمعين ؛ الأمر الذي يوجب على كل الأحرار مواجهة هذا البؤس الأسود المتمثل بمليشيا الحوثي الإيرانية.