خالد محمود لماذا يصمت سينمائيو العالم على هذه المأساة الكبرى والجريمة الأكبر فى حق الفن، والتى يكتب فصولها النظام الإيرانى؟ فهذا النظام رفض نداءات وتوسلات الحكومة الألمانية ومسئولى إدارة مهرجان برلين السينمائى الدولى لحضور المخرج الكبير جعفر بناهى إلى المهرجان ليشاهد العرض العالمى الأول لفيلمه الجدى «ستار مغلق» الذى يرصد حالة الكبت التى يمر بها المجتمع الإيرانى من خلال شخصيتين تعيشان حالة فرار وعزلة عن المجتمع.. رجل غير مسموح له بامتلاك كلب لمخالفة ذلك الشريعة الإسلامية، وامرأة قامت بعزل نفسها فى فيللا بعد اتهام الحكومة لها باشتراكها فى حزب غير شرعى، ليجمع بين البطلين تحصين أنفسهما خلف ستار المنزل المغلق حتى لا تلاحقهما الشرطة. وكما تعلمون فإن مهرجان مثل برلين يعد بمثابة شرف كبير لأى دولة أن يعرض لأحد أبنائها فيلماً على شاشته، ولكن تعنت إيران الذى لم يكن بسبب موقف سياسى من ألمانيا حتى لا يعتقد البعض ذلك، يأتى ليرسخ سطوة وجبروت النظام الإيرانى تجاه مبدعيه ومخرجيه الكبار الذين يعزفون خارج السرب، وعظة ودرس لكل فنان يفكر أن يقدم أعمالاً تنتقد النظام وسياساته القمعية. اعترفت أننى اندهشت بشدة من توسلات المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفين زاييرت للتأثير على نظيرته الإيرانية للسماح بسفر بناهى عندما وجه نداءً أخيراً إلى طهران يطالب خلاله بضرورة حضور بناهى إلى مهرجان برلين، ووصف خلاله المهرجان بأنه «سلمى ومتسامح». تصوراً لهذه الدرجة يضطر المسئول الألمانى؛ لأن يدافع عن سمعة أكبر مهرجان سينمائى فى العالم، مشيراً إلى أنه مهرجان لا يحمل عداءً لأحد. المأساة والجريمة الكبرى نضجت ونمت بفضل حالة الصمت الأولى التى سادت سينمائيى العالم، عندما قررت إيران وضع المخرج بناهى تحت الإقامة الجبرية، ومنعه من صناعة أفلام فى إيران لمدة 20 عاماً بسبب آرائه السياسية وأفلامه التى تناقش القضايا الداخلية للجمهورية الإيرانية، تلك القضايا الخانقة للمواطن، وهذا ما لمسته بنفسى عند زيارتى مؤخراً لطهران.. الرجال كانوا يلتزمون الصمت فى حال التطرق لأى موضوع يخص حياتهم الاجتماعية والسياسية، صامتون بإرادتهم، وعندما زرت متحف السينما ووجدت ركن خاص بجوائز وشهادات تقدير ترصد تاريخ بناهى، وعندما سألت مسئولة المتحف عن المخرج الكبير، محبوس أو فى منزله أم يمارس حياته، فإنها لم ترد، وعدت لأسأل لماذا إذن تحتفون به فى المتحف وتفعلون العكس فى الحياة؟، فإنها ابتسمت وقالت: هو عايش. والنساء لا تختلف كثيراً عن المجتمع، فاللاتى قابلتهن يكتفين بنظرة تجاهل لسؤالك عن أى شىء يخص كيف يعيش أو عن مفردات حرياتهن، والبعض الآخر منهن تملأ عيونهن نظرة حسرة ودمعات مكبوتة من وضعهن. إن صرخة وإدانة سينمائيى العالم تجاه ما يحدث لجعفر بناهى، ومن قبله المخرج محمد رسولدف حان وقت إطلاقها، فتكبيل حرية الفنان لهذه الدرجة تحدى كبير لقيمة المبدع والإبداع.