في العلن تتحدث وزارة الدفاع الأميركية عن حاجتها الماسة لطائرة "أف-35" لكن البعض يقول أن السلاح الأغلى في العالم تحول إلى ما يشبه "الطفل اللقيط" لا أحد يريده. رغم رصد وزارة الدفاع الأميركية 400 مليار دولار لامتلاك مقاتلات "أف -35" إلا أن هذه الطائرة لم تخض تجارب عملية بعد، ولم تشن أي غارة حربية الأمر الذي يثير الكثير من الأسئلة حول قدراتها الحقيقية ومدى النجاح الذي يمكن أن تحققه في ساحات القتال. وتخصص الولاياتالمتحدة لامتلاك 2457 طائرة من هذا النوع الذي يعتبر أغلى برنامج أسلحة في تاريخ البشرية. لكن هذه الطائرة قد لا تكون فعالة كثيراً، فهي ليست قيد التشغيل. طائرة اف – 35 تم تصميمها لتكون المقاتلة الأكثر قوة في أسطول الجيش الأميركي في سماء القرن الواحد والعشرين، وهي بمثابة "الطفل المدلل" لدى البنتاغون في ظل سياسة إحكام الميزانيات. لكن هذا الطائرة تأتي مع مشاكل عدة فهي لم تستخدم حتى الآن ولم تطلق نيران أسلحتها، كما أن البرامج التي يحتاج إليها لخوض الحرب لا تزال على لوحة الرسم، اي أنها لم تنفذ بعد. الأكثر من ذلك، تضاعف ثمن هذه الطائرة تقريباً منذ العام 2001، ووصوله إلى مبالغ خيالية. وبسبب تأخر الإنتاج، اضطرت القوات الجوية والبحرية لإنفاق ما لا يقل عن 5 مليارات دولار لتمديد حياة الطائرات الموجودة مسبقاً من خلال إعادة التجهيز والصيانة. وبسبب هذه التكاليف الباهظة والفعالية المتدنية، تنظر الحكومات الحليفة بجدية في البحث عن بدائل لهذه الطائرة. لكن هذا لا يعني أن القضية ستمر من دون محاسبة، لا سيما في وقت يزداد فيه القلق بشأن الإنفاق غير المنطقي الذي يهدد برامج دفاعية أخرى. في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق في 1 آذار/ مارس بشأن الميزانية الجديدة، ستواجه وزارة الدفاع الأميركية خفضاً في الإنفاق العام بقيمة أكثر من 500 مليار دولار، وهو ما يترجم إلى خفض 10٪ في ميزانيات العقد القادم. وقبل عامين، توقع البيت الأبيض أن تلك التخفيضات ستكون مرهقة جداً بحيث أنها لن تطبق على الإطلاق، لا سيما في ظل رفض الصقور الجمهوريين. أما الآن فقد انقسم الحزب الجمهوري، مع عدد متزايد من الأعضاء الذين يشعرون بالقلق تجاه العجز أكثر من الدفاع. "نحن ننفق ربما 45٪ من ميزانية العالم على الدفاع. فهل من المنطقي أن يؤدي تخفيض هذه النسبة إلى 42٪ أو 43٪ إلى خطر مفاجئ أو نوع من الغزو؟" قال جاستن أماش لصحيفة ال "تايم" الاميركية، وهو جمهوري من ولاية ميشيغان وجزء من جيل جديد من الصقور الذين يتحدثون عن العجز في الإنفاق باعتباره أكثر تهديداً من الحرب. وأضاف: "نحن نتسبب في إفلاس بلادنا، وهذا ما سيضعنا في مركز الخطر". الجمهوريون بدأوا بالحديث عن التخفيضات العسكرية على أنها أمر لا مفر منه. وحذر الرئيس الأميركي باراك أوباما من "قرارات صعبة في الأسابيع المقبلة" في حال لم يتم التوصل إلى خطة جديدة في الكونغرس، مثل تأجيل عملية نشر طائرات في الخليج العربي لتوفير المال. المفارقة المحزنة هي أن الاقتطاع من ميزانية طائرات اف – 35 لن يوفر الكثير من المال في المدى القريب، وذلك لأن وزارة الدفاع الأميركية دفعت مؤخرا ما يقرب من 5 مليارات دولار في عقود لبيع هذه الطائرات إلى الخارج. هذا يعني ان الاقتطاع من ميزانية الدفاع سيؤدي إلى نتيجة حتمية، وهي أن تكلفة كل طائرة سترتفع إلى مستويات أعلى. كل البيض في سلة واحدة "لقد وضعنا كل البيض في سلة ال اف 35" قال السيناتور الجمهوري جون كورنين من ولاية تكساس، مشيراً إلى أنه كان بالإمكان صنع الطائرة بطريقة متحفظة ولا تكلف الكثير، لكن ذلك لم يحدث. وأضاف أن الجيش أنفق بالفعل 373 مليون دولار لإصلاح الطائرات التي بحوزته؛ وقدر مشروع إصلاح للطائرات بنحو 8 مليارات دولار. وزارة الدفاع الأميركية وحلفاؤها يقولون ان الحاجة لطائرات اف 35 كانت ماسة جداً بحيث كان لا بد من بنائها وفقاً للتصميم الذي اعدت به. لكن مع تقدم الوقت، وعلى مر عقد من الزمن في تطورها، كانت المخططات تتغير نحو 10 مرات في اليوم، وسبعة أيام في الأسبوع. "الحافة التكنولوجية للأسطول الأميركي الجوي التكتيكي لا تتعدى نحو خمس سنوات، وهذه الحاجة ماسة جداً في الوقت الذي تقوم فيه روسيا والصين بصنع مقاتلات من الجيل الخامس من تلقاء نفسها" يقول توم دونلي، خبير الدفاع في معهد اميركان انتربرايز، مشيؤاً إلى أن الحفاظ على جودة الكمية التراكمية ميزة تتطلب من الولاياتالمتحدة حيازة أسطول كامل من مقاتلاات الجيل الخامس". ويشير آخرون إلى أنه لا توجد دولة على مقربة من منافسة أسطول الولاياتالمتحدة الجوي، كما ان نوعية وكمية هذه الأسلحة كافية لضمان أي تحدي لهيمنة الولاياتالمتحدة الجوية في أي وقت قريب، معتبرين أن الاندفاع لتطوير طائرة اف 35 كان بناء على أسباب داخلية لا خارجية. "هناك دائما هذا الدافع القوي لصنع طائرة جديدة، سواء أكان آجلا أم عاجلاً أو حتى طبيعياً" يقول توم كريستي، ورئيس خبراء وزارة الدفاع لفحص الاسلحة من العام 2001 إلى 2005. هذه الآراء والأسباب جعلت مقاتلة اف 35 بمثابة "الطفل اللقيط" الذي لم يعد يريده احد، إذ انها لم تعد الأمثل لخدمة أي من هذه الحاجات والدوافع لأن سلاح البحرية والجوية على حد سواء لم يعجب بتصميمها. لكن الطيارين رحبوا بدورهم بطائرة اف 35 لأنها سهلة القيادة لا سيما وأنها لا تتطلب الكثير من أزرار التشغيل أو استخدام المقابض في قمرة القيادة. "كل كما لديك أمامك هو شاشة كبيرة تعمل باللمس، وكأنها طائرة على شكل آيباد" يقول العقيد البحري آرثر توماسيتي، الذي اختير لتجربة الطائرة. وأضاف: "الطائرة لا تتطلب الكثير من الحركة من اليد اليسار، فيما اليد اليمين تفعل ما تريد بسهولة. أما في حال لم يرغب الطيار بفعل أي شيء، فإن الطائرة تبقى على حالها وفقاً للأوامر الأخيرة التي تلقتها" وعلى الرغم من هذه الايجابيات، إلا أن التكنولوجيا العسكرية جعلت المقاتلات أكثر بعداً عن الحاجة لطيار في الطائرة، لا سيما بعد سنوات من استخدام طائرات بدون طيار، والأسلحة المواجهة والقنابل الموجهة بواسطة نظام تحديد المواقع GPS، وغيرها من أنواع التكنولوجيا التي تنفي الحاجة إلى مقاتلات سهلة القيادة للطيارين. في حال تم التوصل إلى اتفاق للحد من الإنفاق على الميزانية الدفاعية، أوضح المسؤولون عن طائرة اف 35 انهم سيضطرون إلى إبطاء الإنتاج وتأخير اختبارات الطيران، وهذا سيجعل ثمن الطائرة أكثر تكلفة في نهاية المطاف. لكن بفضل العقود التي تبلغ قيمة 4.8 مليار دولار للبنتاغون لصنع 31 طائرة، والتي وقعت قبل ما لا يزيد عن 100 ساعة قبل الموعد النهائي لاقتطاع الميزانية في 2 كانون الثاني/ يناير، يبدو أن برنامج صنع هذه المقاتلات سيستمر. "برنامج صنع مقاتلات اف 35 حظي بجدار عازل في الوقت المناسب"، قال تود هاريسون، وهو خبير في ميزانيات الدفاع في مركز مستقل للتقييمات الاستراتيجية والميزانية. وأضاف: "هذا يعني ان صنع المقاتلات لن يتوقف مهما كانت نتيجة الاقتطاع من الميزانية الدفاع، وأن مصنعي الطائرة لن يتأثروا بتخفيض الميزانية وسيكون باستطاعتهم مواصلة العمل كما هو مخطط له في الوقت الراهن".