بقلم / علي الهتار على مدى التأريخ السياسي اليمني ظلت المناطق الوسطى من اليمن تتسم بطابعها الديموغرافي الخاص ودورها الرائد في كل التحولات السياسية فما أن قامت دولة حمير وعاصمتها ظفار على هذه الرقعة الجغرافية حتى دخلت في حروب مع كل من دولة سبأ وحضرموت بحيث إستطاع الحميريين إسقاط سبأ نهائيا عام 275 م وإسقاط حضرموت عام 300 م على يد شمر يهرعش الثالث الذي تلقب ب "ملك سبأ وذو ريدن وحضرموت ويمنت" أي ملك سبأ وحمير وحضرموتواليمن فيكون حسب النقوش أول من قام بتوحيد ممالك اليمن القديم ، وبعد فترة من الزمن مرت دولة حمير بمرحلة من الضعف نتيجة للصراعات الداخلية الأمر الذي أغرى الأحباش بإحتلال اليمن وفرض سيطرتهم على طرق التجارة ولكن ما لبثت أن ظهرت المقاومة ضد هذا الإحتلال ومن هذه المناطق بالذات فقد كان حفيد اليزنيين في عبدان سيف بن ذي يزن هو القائد الذي أخرج الأحباش من اليمن وعندما دخل اليمنيون في الإسلام قام النبي صلى الله عليه وسلم بعلمه الذي يفوق كل علم بتقسيم اليمن الى ثلاثة أقاليم هي إقليم صنعاء وإقليم الجند وإقليم حضرموت وهو تقسيم سياسي جغرافي يراعي خصوصية كل إقليم وعندما جاء عصر الدويلات الإسلامية شهدت هذه المناطق قيام عدد من الدويلات التي عرف بها اليمن نوعاً من الإستقرار والإزدهار العلمي والعمراني كالدولة الصليحية 429- 532ه وعاصمتها جبلة في إب والدولةالرسولية 626- 858ه / 1229- 1454 م وعاصمتها تعز والدولة الطاهرية 855- 923ه/ 1451- 1517 م وعاصمتها المقرانة في رداع وعند الغزو العثماني لليمن أصبحت المناطق الوسطى مكاناً للصراع بين الإئمة الزيديين والعثمانيين ونظراً لإدراك الأئمة بأهمية هذه المناطق جغرافياً وسياسياً فقد مارسوا عليها كل أنواع الظلم والتهميش الممنهج حتى وصل الأمر بمنح بعضها كإقطاعات للمشائخ وإباحة البعض الأخر للسلب والنهب من قبل القبائل الأتية من الشمال الأمر الذي أدى إلى قيام ثورة الفقيه سعيد بن ياسين 1840م وقيام دولته التي أستمرت ثلاث سنوات شهدت بها هذه المناطق حالة من الإستقلال والإنتعاش الإقتصادي قبل أن يتم القضاء عليها من قبل الإمامة القاسمية في صنعاء ، وعند خروج الأتراك من اليمن عام 1918م تداعى المشائخ في إبوتعز وغيرها من المناطق للإجتماع في مؤتمر العماقي قرب القاعدة لتحديد مصير هذه المناطق الأمر الذي دفع بالإمام يحيى لإرسال حملة عسكرية بقيادة علي بن عبدالله الوزير لقمعهم ولكن مسيرة النظال لم تتوقف ففي مارس 1919م قامت ثورة الشيخ محمد بن عايض العقاب وتصدت لهذه القوات الإمامية ولكنها أجهضت ، وفي ديسمبر 1922م أتفق كل من الشيخ حمود عبدالرب والشيخ عبدالوهاب النعمان والشيخ حميد بن علي باشا على قتل علي بن عبدالله الوزير في تعز ومن ثم الإستقلال بهذه المناطق ولكنهم كشفوا وتم القبض عليهم وإيداعهم سجن غمدان في صنعاء حيث ظل الشيخ حمود عبدالرب مسجون فيه حتى وفاته وتم إعدام عبدالوهاب النعمان إبان الثورة الدستورية 1948م ، وقد كان هذا المسلسل النظالي بالإضافة إلى الأهمية الإستراتيجية لهذه المناطق من أهم الأسباب لإنتقال الأمام أحمد إلى تعز وتسيير أمور الدولة منها ونظراً للتداخل ( الجيو_ سياسي ) الذي فرضه وجود هذه المناطق على نقاط التماس بين الإحتلال البريطاني في الجنوب ودولة الأئمة في الشمال فإن هذا الواقع جعلها مرتكزاً للنظال الوطني ضد الحكم الإمامي والإستعمار البريطاني والرافد البشري والمادي للثورة عليهما وبعد قيام ثورتي 26 سبتمبر في الشمال و 14 أكتوبر في الجنوب ومن نتج عنهما من نظامين متباينين فقد أدى التوتر السياسي بينهما على مدى ربع قرن إلى جعل المناطق الوسطى ساحة صراع وميدان حرب لهما بحيث وصلت هذه الصراعات إلى أوجها في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي فيما عرف بإحداث المناطق الوسطى والتي شكلت إنتهاكاً سفاراً لحقوق الإنسان والمكان وخلفت الآلاف من القتلى والمعاقين والمفقودين وعشرات الآلاف من المساكن المهدمة ناهيك عن حقول الألغام التي لازالت تحصد الأرواح إلى الان وعند قيام الوحدة المباركة بين شطري الوطن في مايو 1990م طوت المناطق الوسطى حقبة قاتمة من الصراع المرير دفعت فيه الثمن غالياً ولكنها لم تستطع أن تطوي الجراح أو تتجاوز التهميش وخلال الثورة الشبابية الأخيرة كانت المناطق الوسطى هي السباقة إلى هذه الثورة وقدمت الكثير من التضحيات في سبيل العدالة والمساواة والمدنية تتويجاً لمسيرتها النظالية عبر التأريخ ولكن على الرغم مما سبق فقد تم تجاهل المناطق الوسطى في التحضير لمؤتمر الحوار الوطني الذي سيقوم بصياغة الملامح القادمة لليمن الجديد وكأنها لاتملك أي خصوصية وليس لها قضاياها العادلة والمشروعة وقد قامت بعض الجهات التي تتبنى القضية الوسطية مثل اللجنة التحضيرية لإقليم الجند والتكتل المدني لأبناء المناطق الوسطى بتوجيه رسائل إلى رئيس الجمهورية والمبعوث الأممي إلى اليمن جمال بن عمر واللجنة الفنية للحوار تطالب فيها بتمثيل المناطق الوسطى في مؤتمر الحوار ولكن لم تتلقى أي رد مما يدل على أن التهميش الذي مارسه الأئمة على هذه المناطق لازال ساري المفعول إلى الأن وأن الثورة مازالت بحاجة إلى ثورة .