كشف مشاركون في مؤتمر الطفل، الأول من نوعه في سلطنة عمان، عن تباين التقويم المعتمد في ما يتعلق بتحديد سن الطفولة في التشريعات العمانية، فبينما يذهب قانون الأحوال الشخصية إلى اعتماد التقويم الهجري تحدده قوانين أخرى بالتقييم الميلادي، ومن بينها قوانين مساءلة الأحداث والاتجار في البشر، إلا أن مشروع قانون الطفل المنتظر صدوره قريباً يحدد تعريفاً شاملاً للطفل، وهو لايزال في مرحلة الإجراءات التي يتطلبها النظام الأساسي للدولة لاستصدار القوانين، والتي من أهمها عرضه على مجلسي الدولة والشورى قبل إحالته مرة أخرى إلى الحكومة للعمل على إصداره، مشيرين إلى المعاملة المتميزة للأطفال في التشريعات الجزائية العمانية، حيث تعفيهم من أداء أي رسوم أو مصاريف أمام محكمة الأحداث، كما يحظر بغير إذن من المحكمة نشر اسم الحدث أو صورته أو وقائع المحاكمة أو ملخصها أو الحكم الصادر في شأنها في أي وسيلة من وسائل الإعلام، موجباً "سرية محاكمة الأحداث"، بحيث لا يحضرها إلا فئة بسيطة تتمثل في "والدي الحدث أو وصيه أو المؤتمن عليه والمحامين والشهود والمراقبين الاجتماعيين ومن تأذن له المحكمة"، كما تجيز إعفاء الحدث من حضور المحاكمة وإنابة من يحضر عوضاً عنه، وعدم تسجيل الأحكام الصادرة بحقه في "صحيفة السوابق"، إضافة إلى جملة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية . إلى جانب القانون المنتظر صدوره خلال الأسابيع القليلة المقبلة، يجري حالياً الإعداد لاستراتيجية وطنية لتكريس حقوقه وتحديد محاورها المتمثلة بالتعليم والصحة والحماية والمشاركة والاتصال والتوعية المجتمعية والثقافة والترويح بهدف الانتقال من واقع الرعاية إلى طموح التمكين . فقد انتهى المؤتمرون إلى التوصية بضرورة مراجعة المناهج المقدمة في المدارس وإدراج مواد تتناسب مع طبيعة المعرفة الحالية والتشجيع على استخدام التكنولوجيا، مثل أجهزة الحواسيب اللوحية، إنشاء مراكز ترفيهية على مستوى عال في جميع محافظات السلطنة تخدم الغرض الترفيهي والتعليمي في آن، وتوفير حافلات مدرسية تتميز بشروط معينة لتوفير الأمان للطلبة أثناء القيادة، ووضع شروط خاصة لسائقيها، وتوفير استراحات مظللة ومكيفة لطلبة المدارس والاهتمام بنوعية التغذية الصحية المقدمة لهم، وضرورة توفير الرعاية المنزلية الصحية للمحتاجين لعلاج زمني طويل، بحيث تكون الزيارة من جانب الطاقم الطبي المخصص للمريض في منزله، وتمديد فترة إجازة الأمومة لتكون أربعة عشر أسبوعاً "كحد أدنى" بما يتناسب مع ما هو معمول به دولياً مع تخصيص ساعات لرضاعة الأمهات العاملات بضوابط معينة، وإنشاء مراكز وطنية لدعم الأطفال الموهوبين والمجيدين في مختلف المجالات بحيث تتوزع على مختلف المحافظات، وإنشاء قناة عمانية تعني بالطفولة عموما والطفل العماني خصوصاً وتناقش مختلف القضايا المجتمعية المتعلقة بالأطفال، وكذلك دعم المجلات المهتمة بقضايا الطفل، والعمل على إصدار مجلة عمانية متخصصة في هذا المجال والسعي لتوزيعها في المدارس والمراكز التجارية كافة، وغيرها من الأماكن التي يرتادها الأطفال، وإضافة أنشطة مدرسية أخرى غير تقليدية - كركوب الخيل والسباحة والرماية - إلى جانب الاهتمام بتطوير الخدمات الصحية والاجتماعية والحمائية المقدمة لذوي الإعاقة، خصوصاً "التوحديين" . مشروع الاستراتيجية شهد المؤتمر استعراضاً موجزاً عن التقريرين الوطنيين الثالث والرابع لاتفاقية حقوق الطفل اللذين يأتيان تزامناً مع إعداد الوثيقة الأساسية المشتركة للمعاهدات الدولية التي تقدمها سلطنة عمان لأول مرة التزاماً بالمبادئ التوجيهية المتعلقة بشكل ومحتوى التقارير المطلوب تقديمها في المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، حيث يشير التقريران إلى أن إجمالي عدد السكان المقيمين في السلطنة وفقاً لأحدث تعداد سكاني قبل عامين يصل إلى مليون وتسعمئة وسبعة عشر ألفاً وثلاثمئة وست وثلاثين نسمة، وأن عدد الأطفال أقل من ثمانية عشر عاماً يصل إلى ثمانمئة وأربعة وثلاثين ألفاً وتسعمئة وتسعة وثمانين - أي اكثر من خمسي السكان المقيمين - وأن نسبة الأطفال الذكور من السكان تقدر بنحو ثلاثة وأربعين في المئة، بينما نسبة الإناث نحو اثنين وأربعين في المئة، معتبراً نسبة النوع بين الأطفال هي في حدودها الطبيعية، ما يبرر التوزيع النسبي المتقارب للجنسين . ويستند مشروع الاستراتيجية الوطنية العمانية للطفولة إلى الجهود المتعلقة بنتائج المقابلات مع مسؤولي وزارات التنمية الاجتماعية والصحة والتربية والتعليم ولجنة الخدمات والتنمية الاجتماعية بمجلس الشورى، باعتبارها المؤثرة في رعاية الطفولة وتنميتهم، وكذلك لمخرجات حلقة العمل التحضيرية التي كانت انعقدت نهاية العام الماضي . مسوغات موضوعية فرضت نفسها، من بينها إعداد الموازنات الصديقة للطفل وتعزيز التعاون والتنسيق بين الجهات المعنية بتلبية احتياجاته، وتكريس نهج حقوقه وتحديد محاورها المتمثلة بالتعليم والصحة والحماية والمشاركة والاتصال والتوعية المجتمعية والثقافة والترويح، وتشكيل لجنتيها التوجيهية والفنية، وبلورة مصادر بياناتها ومعلوماتها المتمثلة بالتقارير السنوية للجهات المعنية ونتائج البحوث والدراسات العلمية واستجابات صناع وأصحاب القرار المؤثرين في نوعية الخدمات المقدمة، وآراء عينات من الأطفال وأولياء أمورهم منتقاة على أساس سنهم ونوعهم الاجتماعي ومكان إقامتهم، ما يؤشر إلى أن الغرض من إعداد مشروع الخطة الاستراتيجية الوطنية العمانية للطفولة يكمن في تحليل بيئة الطفل بالاستناد إلى مواطن قوته وضعفه الداخلي وفرصه وتحدياته الخارجية في مجالات تعليمه وصحته وحمايته ومشاركته وثقافته وترويحه والتوعية بظواهره وقضاياه ومشكلاته المجتمعية، تمهيداً للبناء على موطن قوته الداخلية وفرصه الخارجية، وهو ما يعني الانتقال من الرعاية إلى التمكين . وكانت سلطنة عمان انضمت إلى عدد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة التي من أبرزها اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكولين الاختياريين الملحقين بها، حيث يتعلق الأول بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة، والثاني بيعهم ودعارتهم واستخدامهم في العروض والمواد الإباحية، كما كانت قد قدمت تقريرها الأول إلى لجنة حقوق الطفل ثلاثة عشر عاماً، والثاني قبل ثمانية أعوام، وتقريرها الأول بشأن البروتوكول الخاص باشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة قبل ستة أعوام، وكذلك بشأن البروتوكول الخاص ببيع الأطفال واستخدامهم في العروض والمواد الإباحية، وهي ما تعد تقارير مشتركة "حكومياً وأهلياً" تعده لجنة موسعة من الجانبين، إلى جانب لجان تخصصية تضم خبراء ومسؤولين تنفيذيين في عدد من الوزارات والجمعيات الأهلية، وممثلين عن مجلسي الدولة والشورى . بين التقويمين جمال بن سالم النبهاني، مستشار مساعد أول بوزارة الشؤون القانونية، يتحدث عن حقوق الطفل في التشريعات العمانية، موضحاً أن قانون الأحوال الشخصية يجعل سن الأهلية الكاملة إتمام الثامنة عشرة من العمر بالتقويم الهجري، وما عدا ذلك يعتبر صغيراً ناقص أو عديم الأهلية بحسب الأحوال، وأن الصغير غير المميز هو من لم يتم السابعة، بينما المميز الذي يزيد على ذلك إلا أنه لم يتم الثامنة عشرة، كما أن هذا القانون أورد نصاً خاصاً مفاده الاحتكام للتقويم الهجري في حساب المدد المنصوص عليها، خلافاً لبقية القوانين المعمول فيها في تحديد السن بالتقويم الميلادي . بينما يعرف قانون مساءلة الأحداث "الحدث الطفل" بأنه "كل ذكر أو أنثى لم يكمل الثامنة عشرة من عمره بالتقويم الميلادي"، ويذهب قانون الاتجار في البشر إلى تعريف "الحدث" على أنه "كل ذكر أو أنثى لم يبلغ الثامنة عشرة"، إلا أن مشروع قانون الطفل المنتظر صدوره قريباً يحدد تعريفاً شاملاً للطفل، وهو لايزال في مرحلة الإجراءات التي يتطلبها النظام الأساسي للدولة لاستصدار القوانين، والتي من أهمها عرضه على مجلسي الدولة والشورى قبل إحالته مرة أخرى إلى الحكومة للعمل على إصداره . معاملة متميزة كما يتحدث جمال النبهاني عن المعاملة المتميزة للأطفال في التشريعات الجزائية العمانية، حيث تضمن قانون مساءلة الأحداث نصوصاً خاصة بخلاف ما تضمنته القوانين المتصلة بالدعوى العمومية، حيث يعفيهم من أداء أي رسوم أو مصاريف أمام محكمة الأحداث، كما يحظر بغير إذن من المحكمة نشر اسم الحدث أو صورته أو وقائع المحاكمة أو ملخصها أو الحكم الصادر في شأنها في أي وسيلة من وسائل الإعلام، موجباً "سرية محاكمة الأحداث"، بحيث لا يحضرها إلا فئة بسيطة تتمثل في "والدي الحدث أو وصيه أو المؤتمن عليه والمحامين والشهود والمراقبين الاجتماعيين ومن تأذن له المحكمة"، كما يجيز إعفاء الحدث من حضور المحاكمة وإنابة من يحضر عوضاً عنه، وعدم تسجيل الأحكام الصادرة بحق الأحداث في "صحيفة السوابق"، ولا تسري في شأنهم أحكام التكرار المنصوص عليها في قانون الجزاء العماني، وذلك، الإضافة إلى الحقوق المدنية مثل الشخصية المستقلة والاسم والهوية والجنسية والنسب لوالديه، والحق في التعبير، إلى جانب حقوق اجتماعية من بينها "العيش في كنف أسرة والضمان الاجتماعي والتربية"، وكذلك الحقوق الاقتصادية المتعلقة بالذمة المالية المستقلة والتدريب والتوجيه المهني وحظر الاستغلال، حيث تعاقب أحكام قانون الجزاء العماني كل من استخدم حدثاً أو سلمه للغير بقصد التسول بالسجن مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات، وغرامة لا تقل عن خمسين ريالاً عمانياً ولا تزيد على مئة، مع مضاعفة العقوبة إذا كان مرتكب الجريمة "ولياً لأمر الحدث أو وصياً أو مكلفاً برعايته أو ملاحظته"، إضافة إلى النصوص الجزائية المقررة في قانون العمل في حالة تشغيل الأحداث بالمخالفة للضوابط والأحكام المعمول بها في هذا الصدد . بين الرعاية والتمكين عقيل أحمد الجاسم، مدير عام المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل ووزراء الشؤون الاجتماعية لدول مجلس التعاون الخليجي، يقول إن الاهتمام بالطفولة وقضاياها يشكل أولوية كبرى من أولويات التنمية انطلاقاً من أحكام الشريعة السمحاء وتعاليم الدين الإسلامي ومقاصده وغاياته الكبرى التي تجد ترجمتها في الثقافة العربية وقيمها وممارساتها وهويتها، مشيراً إلى دور المنظمات والقمم العالمية التي يقول إنها تتوافق مع المؤتمرات والمواثيق العربية والخليجية على حماية الطفولة وضمان حقوقها الأساسية، وكذلك على مبدأ "النداء الأول" للطفولة سواء في أوقات السلم أو الحرب وتقلبات السياسة والاقتصاد . خدمات الرعاية الدكتور يحيى بن محمد الهنائي، مدير عام التنمية الأسرية بوزارة التنمية الاجتماعية، يستعرض خدمات وزارته في مجال الطفولة والتطور الذي شهده العصر في الانتقال إلى مفهوم حقوق الإنسان كرؤية مركزية وتحديد مبدأ السلطنة تجاه حقوق الطفل والإنسان الذي تستمد أبعاده من العقيدة الإسلامية السمحاء والثقافة العربية المنفتحة والقيم والتقاليد الوطنية العمانية المجسدة للتماسك الأسري والاجتماعي، موضحاً أن الأطفال يمثلون ما يقرب من 43% من التركيبة السكانية - أكثر من خمسي السكان المقيمين - إلى جانب توزيع نسبهم وفقاً للنوع والسن والمحافظات، مستعرضاً برامج التنمية الاجتماعية التي تركزت في مجالي حقوق الطفل والتدابير والإجراءات الموجهة التي تم تنفيذها في عدد من المجالات التي من بينها الضمان الاجتماعي، والأشخاص ذوو الإعاقة وتأهيل الأحداث الجانحين . الدكتورة جمانة بنت أحمد العبدوانية، رئيسة قسم صحة الطفل بدائرة الأسرة والمجتمع بوزارة الصحة، تقول إن نسبة الأطفال الأقل عن خمس سنوات من العمر تصل إلى 5 .13% من السكان، وإن وزارتها كانت قد بدأت بتنفيذ برامج نوعية قبل تسعة عشر عاماً ضمن إطار الخطة الوطنية لرعاية الطفولة، حيث تبنت سياسات وأهداف تصاغ في الخطط الخمسية المتعاقبة مبنية على أسس وأدلة علمية ودولية ذات أسلوب شمولي، بما يتماشى مع الالتزامات الدولية في هذا المجال، مشيرة إلى أن الخدمات الصحية المقدمة للأطفال تشمل جميع جوانب الرعاية التعزيزية والوقائية والعلاجية والتأهيلية من خلال شبكة مؤسسات الرعاية الصحية الأولية والداعمة للمستشفيات الثانوية والمرجعية، وأن الاهتمام يبدأ منذ مراحل مبكرة تسبق حتى ولادته عن طريق تعزيز صحة الأم أثناء مرحلة الحمل وقبلها، وتوفير خدمات الفحص الطبي قبل الزواج والمغذيات الدقيقة اللازمة قبل الحمل والمباعدة بين الولادات، وأن هذه البرامج تستمر لتشمل العناية في المنزل والمدرسة ومراكز الرعاية الصحية المختلفة بما أدى إلى تحسين المؤشرات الحيوية . الدكتورة غادة بنت منصور الدخيل، خبيرة تنمية بشرية في برنامج الخليج العربي للتنمية، تتحدث عن تجربة البرنامج في مجال تنمية وتطوير الطفولة المبكرة التي تنطلق من المفهوم الشامل للتنمية الهادف إلى إيجاد بيئة تمكين حاضنة من خلال تهيئة مجموعة الظروف والمؤثرات الخارجية والداخلية المناسبة لتوسيع خياراته من بدء تكوينه كجنين حتى وصوله إلى مرحلة النضج ليتمكن من الحصول على حقوقه كافة ويكون قادراً على استثمار القدرات كافة، مستعرضة "المقاربات" التي اعتمدها البرنامج في تناوله لقضايا الطفولة بمراحلها المختلفة ضمن إطار مسؤوليته التنموية والمجتمعية، والتي كانت ولا تزال صاحبة النصيب الأوفر في القطاعات التنموية التي يقوم بتمويل مشروعاتها في ما يتعلق بالتعليم والصحة ومكافحة الفقر .