د. سعود كاتب أثناء تجوالي ببعض مواقع الانترنت مررت بعنوان لم أستطع إلا أن أتوقف عنده بشكل جاد رغم أنه لم يكن ضمن المواضيع التي كنت أبحث عنها. هذا العنوان هو «هل يمكن إلغاء فريضة الحج والعمرة بسبب تفشي الوباء؟».. فبمجرد قراءتي لهذا العنوان شعرت بقشعريرة وخوف وتخيلت كافة السيناريوهات الممكنة لو حدث ذلك، بدءا بالألم النفسي الذي سيشعر به مليارا مسلم حول العالم وبشكل خاص من كان ينوي الحج منهم، وانتهاء بشماتة الشامتين الذين سيجدونها فرصة للهجوم علينا وعلى بلدنا حتى لو كان الأمر خارجاً عن كل الإرادات. أثق جداً بالمجهودات الضخمة التي تتخذها حكومة المملكة كل عام وما تقوم به من احتياطات لضمان سلامة الحجاج وصحتهم، لكني وبالرغم من ذلك لم أجد بداً من طرح أقصى المحاذير وذلك حتى تستمر كافة الجهات المعنية بالحج في تطوير خدماتها عاماً بعد عام وتلافي أي سلبيات حصلت والعمل على عدم تكرارها، ليس فقط تجنباً لأسوأ الاحتمالات ولكن تحقيقاً للهدف الذي تسخّر له حكومة المملكة كل إمكاناتها سنوياً ألا وهو أداء الحجاج لمناسكهم بأقصى درجات الراحة الممكنة ثم عودتهم لديارهم بوافر الصحة والسلامة. وحتى نكون بعيدين كل البعد عن أسوأ المحاذير ألا وهو الاضطرار لمنع الحج لا سمح الله في أي عام فإن هناك ضرورة وحاجة ماسة لوضع معايير وأنظمة وتطبيقها بكل حزم وصرامة. أكبر مثال على ذلك هو التساهل الذي حدث في حج العام الماضي وتسبب في دخول أعداد ضخمة جداً من الحجاج بدون تصريح، مما نتج عنه تجاوز كبير في الطاقة الاستيعابية المحدودة للمشاعر التي لا تخفى عن الجميع. وقد أثبتت دراسة أن التعاطف مع أولئك الحجاج يشجع المزيد منهم على الحج دون تصريح كل عام مما يؤدي إلى مضايقتهم للحجاج النظاميين إضافة إلى المشاكل الأخرى الخطيرة الأمنية والصحية والخدمية والمرورية وغيرها. علماً أن إحدى سمات هذه الفئة من الحجاج المتسربين هي عدم الالتزام بالأنظمة والقوانين وعدم ضمان خضوعهم للتطعيمات والكشوفات الطبية التي تشترط على الحجاج النظاميين. لقد أفتى سماحة المفتي وكبار العلماء بتحريم الحج بدون تصريح لما يترتب عليه من أضرار جسيمة بالمسلمين الذين تكبدوا مشقة الحضور للحج بشكل نظامي.. وهذا التصريح المقصود به التنظيم وتجنب الكوارث، وأي محاولات من البعض لتصويره على أنه منع غير جائز للحج هو كلام في غير محله يردده البعض إما بداعي العاطفة أو لطبيعتهم غير المحبة للالتزام بالنظام أو حتى لعدم فهمهم وإدراكهم للمشاكل التي يترتب عليها فتح الباب على مصراعيه للراغبين في الحج وكأنما المساحة التي سيحضرون إليها هي مساحة مطاطية لا حدود لها. لقد تم طرح الكثير من الأفكار والإجراءات ومنها تكثيف الرقابة على المنافذ وزيادة الحملات الإعلامية التوعوية التي تعطي اهتماماً أكبر بالإقناع الديني والعقلي والعاطفي وذلك للحد من الحج بدون تصريح. كل هذا مهم دون شك لكنه لن يكون كافياً ما لم تصاحبه ضوابط تنظيمية صارمة جداً بحق المخالفين وكل من يتعاون معهم. إن الحج مسؤولية عظيمة ومهمة ضخمة ليست بالهينة، واستمرار السماح بتدفق الحجاج المخالفين دون وجود تنظيم فاعل في الموسم المقبل والمواسم التي تليه سيكون خطأً فادحا تترتب عليه نتائج لا تحمد عقباها.