| د.يعقوب احمد الشراح | كثيراً ما نسمع مقولة التفرقة في العمل والمعاملة، وأن الناس يتم التعامل معها بشيء من اللامساواة في الحقوق المادية والمعنوية بينما يؤدون أعمالهم بكل أمانة وإخلاص في مؤسسات الدولة. بعض المسؤولين لا يحترمون حقوق العاملين في أماكن عملهم، ويميزون بين العاملين بناء على العائلة والعلاقات الاجتماعية والتوصيات والتدخلات التي ابتلي المجتمع بها منذ عقود.. ومع ذلك تظل أكثر الأسئلة عالقة في الذهن ويرددها الناس بين حين وآخر، وهو كيف يتساوى من يعمل ومن لا يعمل أو لا يعرف من العمل إلا راتب آخر الشهر؟. فالذي لا يعمل له نفس حقوق من يعمل، وربما يزيد ذلك في أمور أخرى كالترقية والمفاضلة الاجتماعية والسياسية. وعليك أن تتصور حجم الإحباط واليأس الذي يصاب به المخلص في عمله والمؤدي لكامل واجباته. إن التساوي بين من يعمل ولا يعمل في الأجر رغم تفاوته النسبي في قطاعات العمل الحكومي وقلة حدوثه في بعض القطاعات يشكل أزمة غير مقبولة لما لها من تداعيات سيئة على الفرد والمجتمع. فالتجارب تعكس أن ظاهرة كهذه أصبحت سائدة في قطاع التعليم حيث يتساوى من يعمل من المعلمين بمقاييس العزيمة والأداء والجودة مع من لا يعمل منهم. فالمعلم الكفؤ والناجح والمبدع قد يتساوى مع المعلم الكسول غير المنتج في ظروف عمل واحدة بنفس الأجر أو الكادر الذي أقر أخيراً واستفاد منه الجميع رغم معارضة الوزارة لنظام الكادر المُطبق حالياً... كلنا يعلم أن مهنة التعليم أو التدريس ليست مثل كل المهن، وخصوصاً أنها مهنة تتطلب مواصفات معينة حتى تتلاءم مع طبيعتها ومسؤولياتها والتي تتركز في أسلوب تعامل المعلمين مع الطلاب من أجل صقل مواهبهم وتعزيز دوافعهم نحو التعلم، وتنمية القدرة على التكيف وحل مشكلاتهم في إطار بناء الشخصية المتزنة والمتكاملة. فمن دون أن يتمكن المعلم من القيام بذلك يواجه النظام التعليمي مأزقاً حاداً قد يؤدي إلى انهياره وضياعه... لذلك، مهنة التعليم تتطلب ليس فقط شهادة جامعية أو خبرة وإنما أيضاً «رخصة تعليم»، أي توافر شروط المهنة من إعداد سليم وتأهيل لائق، ومواصفات شخصية ومهنية لاتوجد في الوظائف الأخرى. إن رخصة التعليم تعني الدافعية والرغبة في المهنة والانجذاب لها والاستمتاع بها، وليس لمجرد الأجر والتكسب. وإذا كان الترخيص شرطا حضاريا يصب في المصالح العليا للبلاد، وضرورة نجدها مطبقة في كثير من دول العالم المتقدم، فإن مواءمة الظروف لهذا الترخيص أيضاً ضرورة لابد أن تؤخذ في الاعتبار، خصوصاً وأننا مازلنا نستورد المعلمين من الخارج من دون أن نعلم أو حتى نتمكن من معرفة القدرات المهنية لهؤلاء سوى القبول بما هو مسجل في شهاداتهم ومؤهلاتهم والحكم عليهم من خلال المقابلات التي نضطر أحياناً القبول بتعيينهم لكي نسد النقص في شواغر الهيئة التدريسية للمدارس.. إن الأجر مقابل العمل لايعني فقط متابعة نظام العاملين في سلك العمل والحضور أو الانصراف، وغيرها من الشكليات التي تكون عادة على حساب العناصر الأساسية الضرورية لرقي الأداء والإنجاز. فلا بد من التقويم المستمر لأداء العاملين وتطبيق الأساليب العلمية المحايدة والتي بناء عليها يتم الترقية وتقديم الحوافز المادية، وليس بالكادر الذي سرى تنفيذه على الجميع في سلك التدريس فكان له تأثيرات سلبية ليس فقط في هدر المال العام، وإنما أيضاً في ظهور مؤشرات سلبية جديدة منها الإقبال الكبير على الالتحاق بكلية التربية بسبب ارتفاع الأجر، وتزوير الشهادات من أجل التعيين، والانخفاض العام في دافِعية وأداء بعض المعلمين، وعودة بعض المتقاعدين للتدريس رغم أن هؤلاء هربوا من التدريس بسبب قلة الكفاءة أو كره المهنة... كنا نتمنى أن يكون الأجر مقابل العمل في حدوده الدنيا، ولا يرقّى مادياً وأدبياً إلا من تميز من المعلمين والإداريين في المدرسة وفق نظام علمي يقيّم الأداء والإنجاز في كل سنة دراسية، ولا تؤثر فيه الوساطات والأهواء أو المصالح الذاتية. ففي هذا الاتجاه الكثير من الإيجابيات التي تجعل العاملين يبذلون قصارى جهدهم في تحقيق أهداف التعليم على الوجه الصحيح. إن التقويم العلمي لأداء المعلمين وتشخيص مستوياتهم الحقيقية ينبغي أن يكون نهجاً وهدفاً مستمراً، والاستمرار في تقويم الموجه لأداء المعلم مسألة تقليدية قديمة لم تعد أنظمة التعليم المتقدمة تتبعها في وقتنا هذا، فالأساليب الحديثة في التوجيه والإرشاد والمتابعة ألغت المنهجية القديمة في تقويمنا لأداء المعلمين ولابد لنا أن نعيد النظر في واقع تقويم المعلم ومعالجة مشكلاته. [email protected]