حلب- أ ف ب - في حلب، اعتاد السكان على أن يعيشوا من دون تيار كهربائي: الفقراء منهم يضيئون الشموع ويطبخون على الحطب، بينما يبتاع الأغنياء المولدات الكهربائية بأسعار الذهب. ويقول شيخ يزن «حينما أرى مصباحا مضاء، أهرع لالتقاط صورة الى جانبه! لم نر هذا الأمر منذ أربعة أشهر في الفردوس»، الحي الواقع تحت سيطرة المقاتلين المعارضين في جنوبالمدينة. ومنذ أشهر، تعاني الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة من انقطاع متكرر في التيار الكهربائي، ما أدى الى تزايد البطالة وفقدان الكثيرين وظائفهم. كما انعكس تراجع التغذية الكهربائية انقطاعا في المياه لأيام متواصلة. على ضوء الشموع ويقول أحمد: نغسل الملابس على أيدينا، نضيء الشموع، نطهو باشعال الحطب. في الواقع، نعيش كما في «باب الحارة»، في إشارة الى المسلسل السوري الشهير الذي عرض في الأعوام الماضية، ويجسد حياة السوريين في مطلع القرن العشرين. ويضيف الرجل الأربعيني «لا نستحم سوى مرة كل 15 يوما لأنه في ظل انقطاع الكهرباء، لا يمكننا تشغيل المضخة التي من دونها لا تصل المياه الى الطابق الذي نقيم فيه». ويشرح بأن الثلاجة الكهربائية «لم تعد تبرد منذ فترة طويلة»، وهو ما يعانيه أيضا عدد كبير من متاجر بيع اللحوم والأجبان والأسماك. في المساء، تغرق أحياء بكاملها في ظلمة حالكة، باستثناء بعض النوافذ التي يخرج منها ضوء خافت. وإزاء هذا الواقع، لجأ بعض التجار الى مصابيح كهربائية ذات استهلاك متدن للطاقة لإبقاء محالهم مضاءة مع حلول الليل. تجارة المولدات كما عمد تجار آخرون الى تبديل طبيعة أعمالهم. فشيخ يزن الذي فقد متجره لبيع الأحذية في حرائق طاولت الأسواق الأثرية خلال الأسابيع الأولى من المعارك في المدينة الصيف الماضي، انتقل منذ شهرين الى بيع المولدات. على زاوية الرصيف، حيث وضع نحو 20 مولدا، يحمل يزن دفتر الفواتير ويقول «كل يوم، نبيع عشرات المولدات، حتى بعدما تضاعف سعرها 3 مرات». وينتقل الشيخ يزن يوميا الى أحياء خاضعة لسيطرة النظام لشراء بضاعة جديدة. ويوضح «تقع الأحياء على بعد كيلومتر واحد، لكنني اضطر الى سلوك طرق التفافية بطول 25 كلم للوصول اليها». وبعد إعادة شراء المولدات، يضطر الى عبور الحواجز التي تسيطر عليها القوات النظامية. ويضيف مبتسما: يفهمنا عناصر الحواجز بأن علينا أن نقدم لهم «فنجان قهوة»، في إشارة الى الرشى التي يدفعونها لغض النظر عما ينقلونه من بضائع. لكنه مستعد لدفع هذا الثمن، لأن تجارة المولدات الكهربائية باتت مزدهرة في حلب. تنتشر على الأرصفة أمام محال تجارية عدة في الأحياء الخاضعة لسيطرة المقاتلين المعارضين، ويطغى ضجيجها على كل ما عداها من أصوات. في متجره الصغير للحياكة، يعدل محمد على ماكينة خياطة لانجاز طلبيات. ويقول «لا نشغل المولد سوى ساعة واحدة في اليوم». ويضيف ان المولد «يستهلك ليترا من الوقود كل ساعتين، وكل ليتر يباع بسعر 150 ليرة سورية (نحو 1.5 دولار اميركي)، لذا لا يمكننا اضاعة الوقت لدى تشغيل المولد». وينظر محمد بما يشبه الازدراء الى المولد الصغير البرتقالي اللون. ويقول «المولد صنع في الصين وهو ذو نوعية سيئة، لكنه الادنى سعرا الذي تمكن رب عملي من العثور عليه. ابتاعه في مقابل 13 الف ليرة». وقدر وزير الكهرباء السوري عماد خميس في فبراير ان الخسائر الاقتصادية الناجمة عن انقطاع التيار الكهربائي في سوريا منذ بدء النزاع قبل عامين، وصلت الى 2.2 مليار دولار اميركي.