بالرغم من التطور الذي يعيشه المجتمع إلا أن مخاوف الاهالي على اطفالهم تتصاعد نتيجة الانفتاح المستمر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت وسيلة تعمل على تناقل العديد من الاطفال للثقافات والمعلومات بين أصدقائهم من خلال المواقع المختلفة، مما يسبب خللا في لغة الحوار بين الاهل والأبناء، فبات كل منهم ذا رأي وفكر مختلف، كما أن وعي الأبناء قد اختلف عن الماضي، وأصبحت ثقافتهم في كثير من الأحيان تفوق ذويهم، إلا أنهم ما زالوا بحكم حداثة السن يفتقدون الخبرة والإدراك والرأي السديد. «المدينة» التقت بعض أولياء الامور الذين أبدوا مخاوفهم من انعدام الحلول في تقريب وجهات النظر ما بينهم وبين أطفالهم مستقبلًا، وكذلك من فقد السيطرة أو التوجيه نظرا لافتقاد لغة حوار مشتركة. البداية كانت مع عبدالله ناصر والذي قال: كأي أب أعشق أبنائي وأخشى عليهم كثيرا، ونحن الآن في عصر مرعب حيث كل العالم متداخل في بعضه البعض، فأخاف عليهم من صحبة السوء والاستخدام السيئ للتكنولوجيا، وأحاول أن أمنعهم من المبالغة في كل شيء وأن يكونوا تحت ناظري. وتضيف على حديثه أم حمد البوهميل فتقول: رزقني الله بأربعة بنات أصغرهن 14 عامًا وأكبرهن 25 عامًا، وأخشى عليهن من مجتمع نسمع فيه الآن العجب العجاب، وكأي فتيات يردن الخروج والتسوق وزيارة الأقارب ومعارفهن، لكني لا أسمح لهن بالخروج كثيرًا رغم المناسبات الكثيرة التي تأتيهن كحفلات النجاح والزيارات والتنزهات، فإما أن أكون معهن لأطمئن أو لا أسمح لهن بالخروج، وهذا الشيء يضايقهن كثيرًا ويعتقدن أنني أحدّ من حريتهن وأجعلهن حبيسات المنزل، ولا يفهمن أن ما أقوم به نتيجة خوفي عليهن وحماية لهن. فيما أضاف أبو فارس بقوله: لدي ولله الحمد ولدان وأجد صعوبة كبيرة جدًا في معاملتي معهما فهما في سن المراهقة وخروجهما كثير ودراستهما مهملة، وأخشى عليهما من أصحاب السوء أن يجروهما للتدخين أو المخدرات وغيرها من المشكلات الكثيرة، فلا أستطيع حبسهما ولا أستطيع مراقبتهما طوال الوقت، وفي المقابل يشتكيان من ضغطي عليهما، والتضييق على حريتهما وبأنني لا أثق بهما، والعديد نصحني بالتقرب أكثر منهما وأن أصاحبهما ولا أكون الوالد الذي ينفر أولاده منه، ولكن لا أجد لذلك معهما سبيلا. اتزان المخاوف وعن هذه المخاوف تقول مستشارة التنمية البشرية والاجتماعية الدكتورة شيخة العودة ان خوف الآباء على أبنائهم سلوك ابوي طبيعي اذا كان متزنا ووسطيا، وينبع ذلك من حب الآباء لأبنائهم والخوف عليهم من مصارع السوء، ونطالب الآباء بالخوف الطبيعي المتزن الذي تكون نتائجه صائبة وإيجابية وتقي الأبناء من الوقوع في أخطاء جسيمة سواء صغارا أو كبارا، والمخاوف التي تكون في الإطار الطبيعي تلك التي يسبقها توجيه وإرشادات وتثقيف حول المخاطر التي قد يتعرضون لها وايضا يصحبها متابعة وحزم وثوابت ومعالجة تربوية ولا أعني بالمتابعة المراقبة المشددة التي تشعر الأبناء بعدم الحرية وعدم الثقة واحساسهم بأنهم مكتوفو الأيدي بل المتابعة الإيجابية وخلق جسور من التواصل الإيجابي بين الآباء وابنائهم، فإن تجاوزت المتابعة حد الاتزان والوسطية تصبح قاتلة وتؤدي إلى نتائج عكسية. الثورة الرقمية وعن المخاوف المحتمل تعرض الأبناء لها تقول الدكتورة شيخة: هناك مخاوف تثير قلق الآباء على ابنائهم سواء صغار أو كبار، مثل اليتم والحوادث والاختطاف، التحرش الجنسي، المراهقة ومشاكلها المعروفة، الثورة الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمحادثات المباشرة، وتعرفهم على شخصيات من بعد يعتري هذا التعارف الغموض في مصداقية الفكر والمعتقد وحقيقة تلك الشخصيات. وكذلك المخدرات واصحاب السوء والتقليعات الغريبة والأفكار المنحرفة عقديا أو المنبوذة اجتماعيا وعدم التقيد بالثوابت والمبادئ واستبدالها بموروثات لا تناسب عقائدنا ولا ديننا ولا أمتنا برمتها، والدعوة للحرية المطلقة والتفسخ من المبادئ والقيم وكذلك الأمور الحياتية مثل الرسوب وعدم النجاح التحصيلي والتسرب الدراسي وما يتبع ذلك من البطالة وعدم وجود عمل مناسب، وكذلك الأمور الاجتماعية الأخرى مثل ارتفاع نسب الطلاق وتزايد نسب العنوسة للفتيات وعزوبية الشباب وانفصال الأسر وتشتت القرابة الأسرية والاستقلالية المعيشية تأثرا بالمدنية الحديثة التى طالت البيت الواحد وظهور امور لا تمت لديننا بصلة كالفتيات المسترجلات والإيمو وغيرها الكثير. وتشير الدكتورة العودة إلى أن بعض الأبناء ممن يقع في إحدى هذه المشكلات يراها حرية مطلقة، نتيجة الثقافة الخاطئة والغزو الغربي حيث يعتقدون أنه لا يحق للآباء قمع حرياتهم والتدخل في شؤونهم وهذه أكبر مشكلة يواجهها الآباء في اقناع أبنائهم هو معنى الحرية والديمقراطية التي يفهمونها ويطبقونها بشكل خاطئ ومن أصعب المواقف التي تواجه الآباء من ابنائهم ايضا هو التفسخ الأخلاقي وقلب المفاهيم الصحيحة بالمفاهيم الخاطئة واعتبارها حلولا صحيحة مثلا يعتبرون الكذب والنفاق والتحايل سلوكا صحيحا مع تغيير المصطلح من كذب إلى (تسليك) وغيرها من المفاهيم المقلوبة لديهم. الوقاية والعلاج وعن طرق التعامل مع المشكلة تقول الدكتورة العودة انه على الآباء أن يرتفعوا بمستوى ثقافتهم في الأمور المستجدة في الحياة حتى يقتنع ويتقبل الأبناء توجيهات آبائهم فيجب أن يتعلموا كل ما يعرفه أبناؤهم من تقنيات وثورة رقمية ومشاركتهم اهتماماتهم ومصاحبتهم برفق والقرب منهم فهنا يعرف الآباء المسارات الفكرية والتوجهات السلوكية لأبنائهم وهذا سهل الآن مع وجود مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك وتويتر ويوتيوب وغيرها، وكذلك ضرورة طلب الاستشارة من المهتمين بهذه الأمور والحاذقين منهم، وأوصي دائما الآباء بإعطاء الاهتمام لجميع أبنائهم بالعدل والتساوي والدعاء المستمر «فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين». الإهمال الأسري ومن جانبه أوضح المدرب المعتمد في مجالات الأسرة ومدير مركز التنمية الأسرية بالأحساء الدكتور خالد الحليبي أن هذا الزمن تكثر فيه دواعي المخاوف التربوية، وتزداد نسبة الإهمال التربوي حتى تصل إلى أكثر من 60٪، مما يتيح الفرص الكافية لتأثيرها السلبي على جيل اليوم، والتربية الإيجابية هي الوسيلة المثلى للوقاية من الانحرافات كلها بإذن الله تعالى، تبدأ هذه التربية بالوالدين لأنهما القدوة وعليهما أن يعلما أن كل التوجيهات ستذهب أدراج الرياح إذا شاهد الأولاد منهما أي موقف غير مسؤول، والأمن النفسي المنزلي الذي ينطلق من حسن التعامل بين الزوجين، ويفيض على أولادهما بكلمة حانية، ونظرة راضية، وتربية هادئة، وحين تمد الجسور فإن التربية تجد سبيلها بسهولة إلى قلوب المتربين فإن المحب لمن يحب مطيع، ولابد من تصفية الأجواء المنزلية من فضائيات الفساد، ومجلات الفتنة، وتملأ بعبق القرآن والأذكار، وتعويد النشء على الصلاة، فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولا شيء يمثل الخطر على الأولاد مثل الصحبة السيئة وضعف الرقابة الوالدية، فإنهما يفتحان أبواب الانحرافات الفكرية والانحرافات السلوكية على مصاريعها، وينبغي أن تطارد بوادر الانحراف منذ انبثاقها، حتى لا تتأصل، ولنستعين بالمستشارين الموثوقين من خلال المؤسسات المعروفة.