GMT 0:00 2013 الجمعة 3 مايو GMT 1:39 2013 الجمعة 3 مايو :آخر تحديث مواضيع ذات صلة نقولا زيدان لم يأت السيد ميخائيل بوغدانوف نائب وزير خارجية روسيا بأي جديد في زيارته الحالية إلى بعض بلدان الشرق الأوسط منذ أيام، حول تصوّر الكرملين لحل الأزمة السورية. هذا ما بمقدور المرء أن يخلص إلى استنتاجه من خلال التصريحات التي أدلى بها في ختام لقاءاته المتعددة بكبار المسؤولين اللبنانيين وبعض زعماء الأحزاب والقوى السياسية والشخصيات. فالسيد بوغدانوف الذي يجيد العربية بطلاقة نادرة والذي سبق له في الماضي أن عمل موظفاً بارزاً في سفارة روسيا في بيروت والذي يلم إلماماً واسعاً بمشكلات العالم العربي وفي جملته لبنان وهو الموقع الأكثر قرباً ومعرفة واطلاعاً بل قدرة على الالمام بتفاصيل وثنايا الساحة السورية حتى اقلها شأناً وأهمية، يقوم بجولته هذه في مرحلة تعتبرها موسكو فرصة متاحة وساعة مناسبة حرصاً منها على انقاذ نظام الأسد المتداعي. ذلك أنّ النتائج الضحلة والهزيلة التي أفضت إليها اجتماعات وزراء خارجية حلف "الناتو" بالنسبة لموضوع تسليح المعارضة السورية حيث ظهر للعلن تباين واضح بين فرنسا من جهة والمانيا من جهة اخرى وتردد وتأرجح وزير خارجية بريطانيا "هيغ" قد شجع روسيا على إعادة تعويم مشروعها السابق لانقاذ الاسد. فقرار "الناتو" بالتحفظ على دعم المعارضة السورية بالسلاح المتطور والتريث في هذا الشأن كانت وراءه الولاياتالمتحدة التي ما زالت تروج لمخاوفه من صعود نجم تنظيم "النصرة" ومزاعمها المبالغ فيها حول سيطرته على الجيش السوري الحر. وقد جاء مؤتمر أصدقاء الشعب السوري الأخير في اسطنبول وقراراته الضعيفة ليكرس هذا التردد الاوروبي المريب. وفي هذا الصدد علينا أن نقرأ تصريح جون كيري وزير خارجية أميركا في ختام المؤتمر حيث استعاد مقولة الاكتفاء الاميركي بتسليح المعارضة المسلحة السورية بأسلحة أميركية "غير قاتلة" كما قال. هذا ما دفع رئيس هيئة التنسيق العامة للثورة السورية معاذ الخطيب في ردّة فعل غاضبة ازاء خيبة الأمل التي اصيب بها إلى الاستقالة بوجه المجتمع الدولي بصرف النظر عن كون اسطنبول ومؤتمرها لم تكن لا الهيئة المؤهلة ولا المعنية بمناقشة وتداول موقف انفعالي حاد كهذا. لا بل جاءت حادثة انفجار "بوسطن" وعودة المخاوف الأميركية من التعرض لضربات جديدة على يد الإرهاب الدولي وغلاة الأصوليين الإسلاميين لتعزيز التحفظ الأميركي وتردد واشنطن في تسليح جدّي ومتطور وفعال للمعارضة السورية المسلحة، وكأنّ الأميركان كانوا بأمس الحاجة لذريعة مقبولة أمام الرأي العام الدولي كهذه. فالجناة كانوا اثنين من الشيشان الشبان ممن بالكاد قد استوطنوا اميركا بالامس القريب. والهاجس الروسي حيال الشيشان ما زال ماثلاً وجدياً حتى اللحظة الراهنة، فثمة قاسم مشترك يجمع بين واشنطنوموسكو حيال الإسلام الأصولي وضرباته النوعية الموجعة، كما ان لندن ومدريد وباريس عواصم دول هي بدورها تخالجها هذه المخاوف والهواجس، كما ان حادثة اعتداء بلغاريا الأخير وبصمات حزب الله اللبناني حول تورطه فيها شكلت مادة دسمة لتعزيز المخوف الدولية. كل هذه العناصر عند جمعنا اياها في سلة واحدة (a whole package) وهذا ما فعلته موسكو قد أوجد مناخاً مناسباً وتربة خصبة لموسكو وطهران بل لحزب الله نفسه عندنا لاعادة تعويم بيان مؤتمر جنيف في 30 حزيران 2012. إلا أن هذا البيان آنذاك كان مبهماً وغامضاً حول اعتماد خطة دولية لحل الأزمة السورية. فالكلام آنذاك عن حكومة انتقالية ظل عاماً مبهماً وضبابياً وما ورد في بيان جنيف على "مرحلة ما بعد الأسد" كان له تفسيران متعارضان في وقت لاحق فهيلاري كلينتون وزيرة خارجية أميركا السابقة تحدثت عن استقالة سريعة لبشار الأسد بينما تحدث لافروف عن امكانية ما لاقناع الاسد بالاستقالة. كما ان الحكومة الانتقالية التي يستعيد السيد بوغدانوف الحديث عنها، هي نفسها مثار للجدال، لأن السؤال الملح حول هذا المقترح هو التالي، هل بالامكان تشكيل حكومة انتقالية في سوريا والأسد ما زال بعد في السلطة ويملك جميع الصلاحيات الرئاسية؟ وفي حال قبوله بالتخلي عن صلاحياته، فهل قبوله يعني تخليه عن جميع صلاحياته أم عن حيز، أو اجزاء منها؟ وبالتحديد أية صلاحيات بالذات تراه مستعداً للتخلي عنها؟ لقد جاء الرد الأسدي المتعنت المتصلب آنذاك حاسماً، إذ رفض المقترح وراح يتحدث عن مؤتمر حوار وطني سوري لحل الأزمة تشارك فيه كل مكونات المعارضة. أي انه بكل بساطة يسعى لتضييع أية مقترحات جدّية للحل وإغراقها في متاهة النقاشات وكأني به يقتبس ببراعة مفضوحة أسلوب حزب الله الايراني النهج والنفس المعروف المشابه لحد التماثل للعبة الشطرنج في إضاعة الوقت في جدال عقيم حول سلاحه بهدف تكريس استمرار هذا السلاح. أليس هذا الأسلوب هو نفسه المعتمد ايرانياً في النقاشات العقيمة داخل أروقة وكالة الطاقة النووية منذ سنوات وسنوات؟ ان الشبهات المقرونة بحالات حية مادية ملموسة لافراد سوريين يعانون من ظواهر محسوسة علمياً وطبياً من استخدام النظام الأسدي بحقهم للأسلحة الكيماوية (مادة السارين وغاز الخردل..) ليست مستبعدة بتاتاً عن جرائم النظام الأسدي الغارق حتى شعر رأسه في الدماء. إلا ان تورط النظام التدريجي الانتقائي فيها والنقاش حوله والتحقيق الجدي فيه وما يتطلب ذلك من تشكيل لجنة خبراء دوليين تشترط روسيا الاشتراك فيها هو مرة اخرى كسب أسدي لمزيد من الوقت لاطالة عمر النظام المستحيل بقاؤه واستمراره. هذا في الوقت الذي لم يقل بوغدانوف كلمة واحدة عن تورط حزب الله وطهران نفسها مباشرة في الحرب الضارية الدائرة في سوريا الآن. كنا نود كلبنانيين نتخبط في عجز مهين عن تشكيل حكومة حيادية تشرف على انتخابات ملزمة يسعى حزب الله وحلفاؤه كي لا تحصل، لو قدّم لنا السيد بوغدانوف نصيحة طيبة واحدة تساعدنا على الخروج من مأزق واحد وحيد جذوره في دمشق وطهران: يجب حل مشكلة سلاح حزب الله.