الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    أول ظهور للبرلماني ''أحمد سيف حاشد'' عقب نجاته من جلطة قاتلة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    صحيفة تكشف حقيقة التغييرات في خارطة الطريق اليمنية.. وتتحدث عن صفقة مباشرة مع ''إسرائيل''    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    البحسني يكشف لأول مرة عن قائد عملية تحرير ساحل حضرموت من الإرهاب    العميد باعوم: قوات دفاع شبوة تواصل مهامها العسكرية في الجبهات حماية للمحافظة    وكالة دولية: الزنداني رفض إدانة كل عمل إجرامي قام به تنظيم القاعدة    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    في اليوم 202 لحرب الإبادة على غزة.. 34305 شهيدا 77293 جريحا واستشهاد 141 صحفيا    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    إلا الزنداني!!    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    الشيخ الزنداني رفيق الثوار وإمام الدعاة (بورتريه)    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجمهور يكسر حاجز الصمت أحياناً
نشر في الجنوب ميديا يوم 21 - 11 - 2012

عندما يصفق الجمهور وتتعالى أصوات المؤثرات الصوتية والموسيقا في برنامج ما، نحسب أن البرنامج هو من النوع الثقيل شكلاً ومضموناً، وأن الجمهور لم يأت ليملأ المقاعد ولا ليستمع فقط، بل ليضيف ويقول ويحاور ويشارك في طرح إعلامي شفاف .
لكننا نكتشف في أغلب الأحيان، أن الجالسين على المقاعد هم "الحاضر - الغائب" الذي لا بد من وجوده كنوع من استكمال ديكور البرامج، بينما تأتي تعليقات المشاهدين عبر مواقع التواصل الإلكترونية لتؤكد أن الجمهور اختلف اليوم عما كان عليه بالأمس، وأنه يحب المشاركة وإبداء الرأي . فلماذا مازالت بعض البرامج تصر على حضوره الصامت؟ وما رأي الجمهور نفسه بهذه المشاركات؟ وكيف يقيم أهل الإعلام الجمهور الصامت والبرامج التلفزيونية؟ أسلة نطرحها في هذا الملف .
* * *
البعض يؤكد أن طبيعتها تفرض نوعية معينة من المشاركة
البرامج تفرز جمهورها
لإلقاء الضوء على نوعية من الجمهور الذي تستضيفه البرامج، توجهنا بمجموعة من الأسئلة إلى القائمين على مثل هذه البرامج، وكان أولها: هل بات فعلاً الجمهور زينة تكمل ديكور الاستديو، أم أن هناك معايير وشروط تقيد مشاركته الفعلية وتفاعله مع القضية أو الموضوع المطروح؟ وهل يحق لمسؤولي الإنتاج أو القائمين على هذه البرامج حصر مهمة الجمهور في خانة "الحاضر - الغائب" بلا دور ولا مشاركة تنعش مضمون البرنامج وتضيف له تجارب حياتية من الواقع؟ ولماذا لا يتم الاستفادة من وجوده بشكل مباشر وفاعل؟
فاتن الحمودي، معدة برامج في شركة "كاريزما للإنتاج الفني"، تقول إن هناك جمهوراً إيجابياً وآخر سلبياً وبحسب نوع البرنامج وطريقة إعداده تتحدد هويته، وعن الفعال والإيجابي، تجيب: يأتي هذا النوع إلى البرنامج ليس للتصفيق ولا للاستماع، بل ليشارك في تفاصيل الحلقة بشكل فعال ومؤثر مثل برنامج "سيرة وانفتحت" الذي كان يقدمه المقدم اللبناني زافين ويختار في كل حلقة قضية مهمة يناقشها مع الجمهور الذي يشارك ويشرح قصصاً واقعية حدثت معه ضمن سياق الموضوع، وبالتالي لا يقف المقدم أمام آراء جامدة، بل على العكس يتفاعل الجميع بمن فيهم الضيوف والجمهور والمقدم في ساعة ونصف الساعة من الوقت، والنتيجة بلا شك ستكون إيجابية، والجمهور يغني البرنامج بطريقة حضارية ومفيدة . في المقابل هناك جمهور نستطيع وصفه بالحاضر - الغائب الذي يصفق فقط ويشغل فراغ المقاعد، وليس هذا فحسب، فهذه الفئة مكلفة مادياً وحضورها جامد أمام الكاميرا ولا تقدم أو تؤخر سوى في إطار شكليات التقديم السطحي والمتشابه إلا ما ندر .
تشير كالين الخوري، منتجة ومنفذة بقناة "أبوظبي"، إلى الاستفادة المادية والمعنوية لجمهور الاستديو الذي حتى وإن لم يشارك أثناء الحلقة فهو المستفيد، وتعبّر بقولها: على حسب نوع البرنامج وإعداده تحدد مساحة المشاركة، فالجمهور في البرنامج الاجتماعي يكون دوره فاعلاً أكثر من دوره في البرنامج الترفيهي الذي يحضره للتسلية، وعندما لا يقتضي موضوع الحلقة مشاركته لا بأس في التصفيق والتفاعل الحماسي مع حديث الضيوف ومقدمي البرنامج، فإذا لم يكن هناك موضوع يستدعي مشاركته لا ضير من المتابعة، ومن جهة أخرى يتحكم الوقت بالبرنامج ففي برنامج "من الخاطر" الذي يعرض على قناة "أبوظبي" يتوزع مقدموه الأربعة وفق فقرات معينة يتحدثون من خلالها في مواضيع منوعة ولا يوجد كفاية من الوقت ليشارك الجمهور ويتناقش في 40 دقيقة، وبما أن جمهور البرنامج من فئة الشباب فحتى وإن لم يشاركوا مشاركة مباشرة فهم بكل الأحوال يستفيدون من وجودهم لأسباب عدة: أولاً لأن وجودهم ليس مجانياً بل تصرف لهم مبالغ مادية حتى وإن كانت قليلة تقريباً 600 درهم للشخص الواحد لكنها جيدة لطالب جامعي، إضافة إلى الاستفادة من متابعة موضوعات البرنامج التي تحمس الجمهور أكثر، ولا شعورياً يكتسب منها معلومات مفيدة تنمي مهاراته، ويكسر حاجز الخوف من الكاميرا ويتفاعل مع أجواء التصوير بصورة تنفع ولا تضر .
رسالة البرامج تفرض شكل الجمهور ودوره كما يقول فجر قاسم علي، مدير برامج القنوات الأولى في الشارقة، فنوع البرنامج وطبيعته هو الذي يحدد مهمة الجمهور داخل الاستديو، فيؤدي دوراً مباشراً في طرح الأسئلة والمشاركة بموضوع الحلقة مثل برنامج "الأسرة في الميزان" الذي يشكل فيه الجمهور جزءاً مهماً وضرورة مكملة لحيثيات نجاح الحلقات، أو يقتصر دوره فقط على التصفيق وإضفاء روح الحماس على الأجواء، وهذا لا يعني أنه غير مفيد وبارد ويشكل أحد ديكورات الاستديو، فالجمهور ينقسم إلى فئة متفرجة وفئة أخرى فاعلة، ومن الإجحاف النظر لأي من الحالتين بطريقة سلبية، فمثلاً جمهور كرة القدم يتابع اللعبة بشغف وترقب وهو جالس على المقاعد ولا يسمح له باللعب مع الفريق، وكذلك جمهور العروض المسرحية هم متفرجون فقط حضروا ليستمتعوا بأداء الممثلين وتفاصيل المسرحية ومن غير المنطقي أن يشارك الجمهور في التمثيل مع بقية الممثلين، وهذا تماماً ينطبق على البرامج التلفزيونية التي تتعامل مع الجمهور حسب قواعد وشروط معينة يفرضها نوع البرنامج ورسالته . وبالنسبة إلى قناة "الشارقة" فإنها في كل دورة برامجية جديدة تتنوع في سياسة برامجها مبتعدة عن انتهاج أسلوب حشو الجمهور للمظهر فقط ومن دون دور يذكر، لأن الجمهور الحالي أصبح واعياً ومنفتحاً، لذلك يجب ألا يكون كلامنا فضفاضاً ولا نحمل الموضوع أكثر من طاقته .
ويتابع فجر علي: تصفيق الجمهور حاجة ملحة خاصة في حال تحدث الضيف بجملة معينة أو فكرة تستحق التصفيق، وهذه التفاصيل لا يعيها جمهور البرنامج بدون توجيه من القائمين على البرنامج، فهناك إشارات خاصة تنبه الجمهور للتصفيق في وقت معين والتوقف أو التكرار حسب رؤية البرنامج، لأن الجمهور لا يملك خبرة كافية في التعامل مع الكاميرا لعدم احترافه وشعوره بالرهبة في بعض الأوقات، فهو ليس مقدم البرنامج الذي يدير الحلقة بسلاسة وتمكن .
توافق ميساء عقل، مديرة برامج في قناة "رأس الخيمة الفضائية"، على أن نوعية الموضوعات التي يتطرق لها البرنامج هي التي تحدد نوعية الجمهور وفاعليته، وتقول: مجرد وجود الجمهور داخل الاستديو يترك انطباعاً حيوياً عن البرنامج ومضمونه، وهنا لا بد أن نلفت لنقطة مهمة وهي طبيعة الأفكار المطروحة للمشاهد ونوعها إن كانت اجتماعية أو سياسية أو ترفيهية، فبرامج المسابقات يشترك الجمهور في فقراتها، أما في البرامج الفنية أو الترفيهية فيكون موجوداً ليتسلى ويصفق فقط، وبالنسبة إلى قناة "رأس الخيمة الفضائية"، فستشهد في الدورة البرامجية الجديدة قفزة نوعية في برامجها وطريقة تقديمها، وسيكون الجمهور متواجداً وسيتم تسليط الضوء على جميع فئات المجتمع سواء كضيوف في البرامج أو كجمهور مشارك .
التصفيق ضروري خاصة في البرامج الفنية والغنائية كما يرى مراد النتشة، مدير الإنتاج في قناة "إنفنيتي"، ويقول: في البرامج الغنائية يجب أن يتواجد الجمهور كضرورة ملحة تكمل شكل وطابع الفقرات التي تحتاج لتصفيق تارة وحماس تارة أخرى، وحتى في أشهر البرامج العالمية استخدم الجمهور كشكل مكمل لجمالية الصورة من زاوية إخراجية مثل برنامج "أوبرا"، الذي على الرغم من شهرته ونجاحه إلا أنه يستعين بالأشخاص كديكور من دون تفاعل يذكر سوى اقتراب الكاميرا من الجمهور ونقل حماسه وتعبيرات الوجوه بشكل مباشر، وبالنسبة لقناة "إنفنيتي" لا توجد برامج تعتمد على الجمهور أو يشارك بها مشاركة مباشرة لأن أغلبها مسجلة يتم شراؤها، ولا توجد برامج من إنتاج القناة .
"ميزانيتي الإنتاجية بسيطة وتكاد تكون صفرية"، بهذه الجملة بدأ فيصل جواد، مدير عام تلفزيون "الفجيرة"، حديثه الصريح عن واقع القناة وخلوها من البرامج الضخمة التي تحتاج إلى الجمهور وتفاعله الجوهري، ويذكر في ما يلي أهم الأسباب التي تقف خلف هذا الفراغ الإنتاجي قائلاً: غياب الدعم الحقيقي للحركة الإنتاجية يجعلنا نعمل وفق إمكانات محدودة وفريق عمل محدود، ومهما اختلفت أفكار البرامج وتلونت مضامينها يبقى الفيصل الأول لعملية الإنتاج الإبداعية التي لا تتحقق بمعزل عن تحقيق بنود عدة أهمها إشراك الجمهور في معادلة التقديم البرامجي، فهو اللاعب الأساسي وليس عنصراً سلبياً مستسلماً، فيجب ألا نهمل وجود القوى البشرية الفاعلة في عملية الإنتاج البرامجي ويجب ألا يتعامل معه كأيقونات جامدة غير متحولة وغير منتجة، فلا بد من إعادة النظر وتفعيل دور البرامج وأن نتوقف عن مغازلة البرامج الغربية في شكلها وأدائها في الإخراج والتقديم . فلماذا يغيب دور الجمهور ويصبح أداة صوتية تطلق الإنذارات حسب إشارات المعد، ولماذا يتعامل معه بعشوائية واعتباره كأي قطعة من الإكسسوارات والديكور؟!
ويشدد فيصل جواد على أهمية استيعاب معنى الإيقاع وأهميته التي تتحكم بحيوية البرنامج وعدمه، فلا بد من وجود آلية محددة تضبط إيقاع البرنامج شكلاً ومضموناً، ويضيف: لانزال نعتمد في أسلوب الإعداد والإنتاج التلفزيوني على الشكليات بعيداً عن الجوهر، ونبحث عن الزخرفة والبهرجة، في مسيرة إعلامية ناقصة غير مؤثرة، تميل مع الموجة الغربية بعيداً عن هوية المكان والبيئة . فالجمهور والمقدم هما ثنائي متصل والقاسم المشترك بينهما ثقافة الآخر، وهذه العلاقة يتناساها معدو ومنتجو البرامج .
"أنا ضد البرنامج المرسوم"، هكذا يقول علي سنجل، مقدم برنامج "فيتامين"، الذي يقدم وفق أسس واضحة تعتمد على الجمهور أولاً وأخيراً، ويضيف: نوع البرنامج هو الذي يفرض شكل الجمهور ومساحة التأثير فيه، فالبرامج المنسوخة للعربية والمقلدة تستعين بتفاصيل النسخ الغربية خاصة في برامج ال"توك شو" والمسابقات، ويؤدي الجمهور دوره كشكل تكميلي للنسخة الأصلية، أما بالنسبة لي فلا يهمني كثيراً عندما أقدم برنامج "فيتامين" التركيز على مشاركة الجمهور وجلب حالات واقعية من المجتمع تشكل جزءاً من الجمهور، إضافة إلى أنني أفاجئ الحضور بالأسئلة، وعلى هذا النحو أحرص على أن يكون من شرائح مختلفة ومثقفة ليس بالدرجة العالية، لكن ضروري جداً أن يضع الجمهور في باله قبل أن يأتي الاستديو أنه معرض للأسئلة المباشرة أمام الكاميرا، ولهذا تجتمع المنتجة لمدة ساعة كاملة مع الجمهور تتحدث عن فكرة البرنامج وموضوعه ومن هم ضيوف الحلقة ليكون الجميع على أهبة الاستعداد .
ويتحدث سنجل عن المواقف المحرجة التي يتعرض لها فريق العمل نتيجة عدم التزام الجمهور بالحضور، إذ يقوم بعض الأشخاص بالاتصال بالبرنامج ويتفق فريق العمل معهم على الحضور والمشاركة، لكن هناك من لا يلتزم ولا يحضر، لذلك كان لا بد من التعامل مع متعهد يقوم بالتنسيق مع جمهور معين ويجلبهم للبرنامج مقابل أجر مادي يلزمه بالحضور، ومع كل حلقة من البرنامج تضاف مشاركات جديدة فاعلة في موضوع الحلقة، وهذا ما يجعلني أرفض سياسة البرنامج المرسوم، لأن المتلقي سيشعر لا محالة بالملل والرتابة على هذا النحو، لهذا لا أترك المجال للتكرار، حتى إنني شخصياً أشارك مع الجمهور كحالة أتحدث فيها عن موقف ألم بي وأصابني مثل الحلقة التي تحدثت فيها عن "إصابات الملاعب" وشرحت الموقف الذي عرضني للإصابة أثناء اللعب، وكذلك شاركت زوجتي في حلقة بعنوان "الموت المفاجئ" حيث روت صدمتها عندما توفي والدها وأخوها فجأة، لذلك أرحب بأي مشاركة للجمهور والأبواب مفتوحة لمن يرغب .
"مشاركة الجمهور غير مفعلة في البرنامج الذي أقدمه"، هكذا يعبّر عبدالله الغامدي، مقدم برنامج "من الخاطر" الذي يعرض على قناة "أبوظبي"، وعن العراقيل يقول: أشارك في تقديم "من الخاطر" مع زملائي وملمحه اجتماعي شبابي، وأنا كمذيع أفضل مخاطبة الشرائح المختلفة للجمهور المتواجدة داخل الاستديو بشكل مباشر، لجس نبض ردود الفعل ووجهات النظر تجاه المواضيع والقضايا المطروحة بشكل حيوي أكثر، ولكن للأسف مشاركة الجمهور مفعلة بنسبة 40% فقط وهذا بسبب عوامل عدة تعرقل مشاركتهم أولها ضيق وقت البرنامج، وهذا لا يعني تهميش وجود الجمهور، لكن حدود الوقت غير كافية، ومع ذلك أحاول خلق أجواء تفاعلية حتى وإن كانت بسيطة حيث ألتفت للجمهور وأطلب منهم التصفيق وهذا لا يعني أبداً أنه تحول إلى ديكور إنما أجدها ضرورة مكملة لمجريات سير الحلقة .
وعن نوع الجمهور يوضح الغامدي نفور البعض من الكاميرا وعدم ثقة البعض بثقافتهم العامة ويضيف قائلاً: هناك جمهور غير واثق بنفسه يلتزم الصمت وسماع الموضوع وينظر للمذيع كأنه شخص مختلف ومن كوكب آخر، وألاحظ بصفة عامة أن هناك خوفاً وتحفظاً وعدم رغبة في التعامل مع الكاميرا بشكل مباشر، وهذا يضايقني كثيراً ويجعلني أتسأل لماذا لا تزال هناك أفكار مغلوطة تجاه العمل الإعلامي والتعاطي مع الإعلاميين؟
ويلفت الغامدي إلى تأثير نوع الجمهور في محتوى الحلقة ونجاحها، وبالرغم من أنه يقدم فقرات وموضوعات معينة لكنه يضطر، كما يقول، إلى التدخل في اختيار نوعية الجمهور، التي يفضل أن تكون من فئة الشباب الإماراتي ويضيف: في بعض الأوقات لا تهتم الشركة المسؤولة عن استقدام الجمهور بنوعية الأشخاص ويكونون غير مناسبين أو كباراً في السن، وهذا ما جعلني أطلب منهم التركيز على الشباب فقط طلاب وجامعيين لأنهم معنيون بالمواضيع التي يناقشها البرنامج .
تقبل الناس للكاميرا مرتبط بانفتاح الأفراد وثقافتهم، كما تشير أمنية عبدالعزيز، مقدمة برامج في قناة "الفجيرة"، التي تستغرب نفور الأغلبية في مدينة الفجيرة من التفاعل وتقبل فكرة حضور البرامج التلفزيونية أو تصوير مقابلات فردية، وتضيف قائلة: الحال في دبي غيره في الفجيرة، فلماذا إلى الآن يرفض الناس الظهور في البرامج ودائماً عندما أقابل بعضهم يرددون أنهم يخجلون من الكاميرا أو بسبب العادات والتقاليد، لكنهم يقبلون المشاركة في الإذاعة فقط! وعلى هذا فالجمهور هو العنصر المحرك لأي برنامج والمؤثر فيه بثقافته ومهاراته ووعيه بالدرجة الأولى .
يعمل محمد الشامي، مدير إدارة الإنتاج الفني في شركة "المحترفين للتسويق الفني والرياضي"، وهو مسؤول عن تلبية طلبات القنوات والبرامج في استحضار الجمهور حسب طلب كل برنامج وحاجته، ويقول: وفق حاجة البرنامج يتم التنسيق وتحديد مواصفات معينة للجمهور الذي سيشارك في البرنامج، وتقريباً نختار نحو 40 شخصاً للمشاركة أو الحضور فقط، وفي كلتا الحالتين هناك شروط معينة في اختيار الأشخاص، فيجب في الدرجة الأولى أن يكون لديهم خلفية ثقافية ومظهر أنيق، فالشكل عامل مهم جداً في اكتمال صورة البرنامج أمام المشاهد، وتختلف الأعمار بحسب البرنامج، ففي برنامج "خطوة" نجلب أشخاصاً بين 25 إلى 35 عاماً، وفي برنامج "فيتامين" من 25 إلى 50 عاماً، ولا أجد أن دور الجمهور منحصر بالتصفيق فقط، بل على العكس هناك استفادة واكتساب معلومات جديدة من المواضيع التي يثيرها البرنامج، حتى وإن لم تكن المشاركة بالحديث، يكفي الحضور وسماع موضوع الحلقة .
اعتادت هبة محمد أحمد، ربة منزل، طوال أربع سنوات على الالتزام مع بعض البرامج التلفزيونية "كجمهور مدمن"، حيث تجد المتعة والفائدة معاً، لكنها تشير إلى سطحية دور الجمهور، وتقول: لا أفوت فرصة التواجد في البرامج لدرجة الإدمان فمن ناحية شعرت بالفائدة والاطلاع على قضايا حساسة ومهمة، خاصة أنني أم لطفل صغير وأواجه صعوبات في التربية، حيث أشارك بالحضور في أكثر من برنامج اجتماعي وصحي وثقافي، ومجرد الانضمام لفريق العمل والحضور والضيوف أشعر بأجواء ودية مرحة، ولا يخلو الأمر من التفاعل تارة والمشاركة تارة أخرى، لكنها لا تتجاوز المشاركة السطحية لأن البرنامج يستضيف ضيوفاً واختصاصيين وخبراء مثل برنامج "خطوة" و"فيتامين"، ولضيق الوقت لا يمكن أن تتوسع دائرة المشاركة للجمهور، وعليه أكتفي بتسجيل المعلومات وتلقيها والعمل بها لأنها قيمة .
130 درهماً الأجر الذي تتقاضاه نجوى سعيد عبدالصمد، ربة منزل، عند حضورها برنامج مع باقي الجمهور، وتشارك ثلاث مرات في الشهر الواحد، ويبقى هدفها الأساسي كما تقول "الاستفادة من مضمون الحلقة والمواضيع التي يطرحها المقدم حتى بدون مشاركة"، إذ إنها أم لطفل عمره خمس سنوات ويعاني حالات خجل وانعزال، وعن هذا تقول: في كل مرة أحضر برنامج "الأسرة في الميزان" أو "خطوة" أضع في بالي كيف سأستفيد من ذوي الخبرة والاختصاص المتواجدين، فبالرغم من أنها تسلط الضوء على الضيف أكثر من الجمهور فإنها توصل رسائل للناس وأنا أولهم، فالموضوعات الاجتماعية تناقش بعمق ومن جميع الزوايا إن كانت رصد العلاقات الأسرية ومشاكلها أو العلاقة بين الأزواج أو كيفية التعامل مع الأطفال وبما أن طفلي خجول وأجد صعوبة في التعامل مع طبعه لم أتردد في توجيه السؤال لمقدم الحلقة والضيوف حول مشكلة طفلي وبالفعل مع الأيام استطعت حلها، ومشاركة الجمهور لا تكون أثناء الحلقة في الأغلب إنما في الفواصل أو بعد انتهاء البرنامج .
"الإعلام الحقيقي تقاس فاعليته بمدى نظرته للجمهور" كما يوضح الدكتور خالد الخاجة، عميد كلية المعلومات والإعلام والعلوم الإنسانية بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، حيث يؤكد أن الجمهور هو الحلقة الأهم في عملية الإعلام أو الاتصال ويقول: معنى كلمة "عملية" هي التفاعل بين الجمهور وبين ما يقدم إليه من مضمون سواء كان ثقافياً أو سياسياً أو اقتصادياً، وهذا هو الفرق بين الإعلام والنشر، وفي بداية الدراسات الإعلامية كان هناك اعتقاد غير صحيح بأن الجمهور سلبي يتلقى المواد الإعلامية من دون تفاعل ولا يقاوم أو يختار لكن أثبتت الأبحاث التالية أنه غير ذلك، ويقاس نجاح أي مضمون إعلامي أو قناة تلفزيونية بنسب المشاركة أو المشاهدة الجماهيرية والتفاعل الجماهيري معه ومهما كانت قيمته، كما أن قيمة المضمون الإعلامي تأتي من المناقشة الحقيقية لقضايا الجمهور دون الاكتفاء بالسباحة في المناطق الآمنة، وهنا يأتي دور الإعلام والتفعيل المجتمعي لهذا الدور .
ويكمل الدكتور الخاجة كلامه: إذا لم يضع الإعلام الجمهور في الحسبان واكتفى بمشاركته الشكلية من دون المضمون، أي يكون تناوله للموضوعات تناولاً بروتوكولياً، فهذه المدرسة الإعلامية تكون قد حكمت على نفسها بالزوال وأصبحت أقرب إلى المتحف منها إلى الحياة، ما يجعل الجمهور يذهب بعيداً إلى مضامين في قنوات أخرى تحترم عقله وفكره وهذا أمر يسير في ظل التنافس المحموم، فالإعلام الحقيقي تقاس فاعليته بمدى نظرته للجمهور، فإذا احترم عقله وافترض الرشد في قدراته فإنه يضع المنظومة القيمية والثقافية لهذا الجمهور في الاعتبار ولا يتخطاها حتى يحافظ عليه .
* * *
ظاهرة البرامج المباشرة والحوار المتبادل إلى زوال
المسرح لم يعد خشبة للتلفزيون
لأن الجمهور معيار تفاعلي لا غنى عنه في أي برنامج، ومرآة حقيقية لواقع الناس وحياتهم، ارتبط وجوده في البرامج التي كانت تقدم على المسرح بحيويته وتفاعله الكبير، فهل ما زال هذا النوع من الجمهور موجوداً أم أن ذائقته الفكرية تشوهت وسط تعددية وسائل الإعلام وكثرة برامج الترفيه والتهريج؟ وماذا عن البرامج التي يتم تصويرها على المسرح والتي تعتبر الجمهور جزءاً لا يتجزأ منها أين هي في واقع مكتظ بالتنافس البرامجي والإنتاج الإعلامي المنوع؟
رغبات الناس وميولهم هي التي تحدد التوجه الإعلامي كما تقول مزنة السركال، منتجة برامج في تلفزيون دبي، ففي السابق كانت الإمكانات محدودة تقنياً وفنياً وكان الجمهور يضطر للحضور إلى المسرح ومتابعة برنامج ما والمشاركة فيه أيضاً، والسبب ليس في أن نوع الجمهور اختلف وتغيرت اهتماماته، لكن تطور التقنيات ووسائل الإعلام والاتصال من أهم العوامل التي جذبت الجمهور للمشاركة في برامج الاستوديوهات .
وتبين السركال اختلاف هيكلة البرامج المسرحية عن التلفزيونية من ناحية تقنية تشمل تقاطيع الكاميرا وجودة الصوت وشكلية الصورة، إضافة إلى عزوف تام من المقدمين عن تقديم برامج على المسرح وكذلك عزوف جمهورها، والسبب الجوهري من وجهة نظرها يكمن في اختلاف اهتمامات الناس وتطور أشكال الإنتاج التلفزيوني بشكل يتماشى مع الانفتاح الحاصل في الوقت الراهن الذي وصل لمرحلة ثورة معلوماتية أفرزت نتاجها في شتى ميادين الحياة، والإعلام أولها .
يشير مرتضى سمير مصطفى، مخرج ومنتج برامج في "سما دبي"، إلى نماذج لم تعد موجودة إذ يقول: برامج المسابقات كانت تستحوذ اهتمام الجمهور الذي كان يشتاق لتجارب جديدة مثل برنامج "سين جيم" لمقدمه شريف العلمي الذي كان يبث من قناة "دبي" في التسعينات ونجح نجاحاً باهراً في عرض تجربة برامجية من على المسرح مليئة بالاستفادة والحماس والمتعة، في أجواء ترفيهية ترضي كافة الأذواق، لكن إذا نظرنا إلى التجارب التي يقدمها المسرح الآن نسأل ما هي وأين هي الفكرة الجاذبة؟ سواء على صعيد برامج المسابقات أو البرامج الحوارية، ما ينقصنا هو الأفكار وأساليب مبتكرة تعيد الجمهور لخانة المشاركة والتفاعل الذي كان سائداً في الماضي، فاليوم أصبحت الخيارات كثيرة جداً والبرامج العالمية طغت على الأفكار المحلية وجعلتها شبه معدومة، فإلى متى سيبقى القائمون على الإنتاج البرامجي والإعلامي رهن التقليد الأعمى؟ وإلى متى ستبقى الماديات والهدف الربحي هو المحرك الأول والأساس للرسالة الإعلامية المعاصرة؟
يعدد عمر الأمين، مدير إدارة البرامج في إذاعة وتلفزيون راديو الرابعة بقناة "عجمان الفضائية"، مواصفات مقدم البرامج المسرحية الذي لم يعد موجوداً ويوضح: أسلوب المقدم وثقافته وجاذبية الطرح والإقناع والحوار كلها عناصر لم تعد موجودة حالياً وهذا ما جعل البرامج التي تقدم على المسرح تختفي كلياً، فالهدف من أي قضية أو موضوع يطرحه المسرح أو التلفزيون لا بد أن يكون موجهاً للجمهور، لكن في الوقت الراهن يفتقد المسرح للفكرة الجاذبة التي تتماشى مع التغيرات في حركة الحياة والناس وتغير مفاهيمهم شكلاً ومضموناً، مما يمكن المسرح من إيصال رسالته الإعلامية بأبهى صورة ومن أجل تحقيق المتعة والفكر والحوار الثقافي في أطر جمالية تستوعب كافة الشرائح والفئات العمرية .
ويشير الأمين إلى حال الجمهور الذي أصبح يبحث عن الراحة والمتعة المنزلية ويضيف: نحن في قناة عجمان لا نعتمد على الجمهور القريب أي المتواجد داخل الاستديو لأن لا فائدة من وجوده من دون مشاركة، ومن غير اللائق استخدامه كأداة شكلية فقط، لذلك يقتصر تفاعله ووجوده مع ما يطرح من برامج عبر تفعيل الاتصالات الهاتفية والرسائل النصية والتواصل الإلكتروني، فنحن في القناة نعتمد على الجمهور البعيد وهذا أفضل بكثير من جمهور قريب لا يحرك ساكناً إلا في الإنصات والتصفيق غير المبرر، وأعتقد أن تواجد الجمهور ومشاركته في برامج قدمها المسرح هي أهم وأفضل من أي برنامج تقدمه الشاشة، ففي كلتا الحالتين الجمهور واحد لكن التفاعل والحيوية يختلفان، فالبرامج المسرحية الحوارية مثلاً بوسعها إذا اجتمعت الفكرة والتنفيذ والتقديم الصحيح أن تكسب وتجذب مزيداً من الجمهور وتخلق أجواء حية ومثيرة تستفز الجمهور وتكون على اتصال مباشر معه .
تعبر رزيقة طارش، فنانة مسرحية، عن أسباب تراجع وجود برامج مسرحية قوية وتقول: عوامل عدة أدت إلى اختفاء هذه البرامج منها انتشار الاستوديوهات الإذاعية والتلفزيونية، التي طغت على دور المسرح تماماً وسرقت منه الأضواء وأدت إلى اندثار برامج المسرح، ومن ناحية أخرى شكل التطور والانفتاح الفضائي الذي بات منصة تعبير جذبت الجمهور لمزيد من التفاعل والمشاركة سواء من خلال مشاهدة ما يبث عبر الشاشة الصغيرة أو التواصل بالهاتف أو الإنترنت والتعبير عن آرائه ووجهات النظر وتقييم الأفكار والمواضيع المطروحة عوضاً عن الذهاب للمسرح ومتابعة برنامج ما .
وتسترجع طارش تجاربها التقديمية في التسعينات وتقول: سنة 1995 قدمت برنامجاً تراثياً على المسرح المفتوح وسهرات اجتماعية في رمضان، حيث أتذكر حماس الجمهور وتفاعلهم بكل ما كنت أقدمه والأجمل أجواء البرنامج، حيث كان يغلب عليه الطابع العفوي البسيط، أمام كم كبير من الجمهور الذي كنت أناقشه ويناقشني ويتم تبادل وجهات النظر بشكل صريح ومباشر من عدة شرائح مختلفة من الأشخاص كبار وصغار وهذا لم يعد موجوداً الآن، ومن المستحيل أن يعاد إحياؤها بعد أن اختفت كل هذه السنين، لكن ربما لو تم اختيار فكرة برنامج قوية تقدم من قبل مقدم برامج لديه أسلوب جاذب ومؤثر ولكن للأسف لم يعد هناك مقدم برامج خاص لهذه المهمة التي تتطلب سعة صدر كبيرة وبال طويل تمكنه من ضبط زمام البرنامج بكافة تفاصيله، والأهم قدرته على التأثير والإقناع وقبول الجمهور له، لكنني واثقة بأن الشباب الإماراتي يمتلك جميع المؤهلات ليبدع أكثر في هذا المجال الذي ينتظرهم، وأفضل انطلاقة تحيي هذه البرامج لا بد أن تركز على رمزيات التراث وماضي الأجداد العريق .
هناك فشل في اجتذاب مزيد من الجمهور لبرامج المسرح كما تشير الدكتورة بدرية الجنيبي، أستاذ مشارك بقسم الاتصال الجماهيري بجامعة الإمارات، والسبب في التقليد الأعمى للتجارب الغربية التلفزيونية، مما زاد الجمهور نفوراً .
وتحدد الجنيبي الأسباب التي أثرت في تراجع إنتاج مثل هذه البرامج بقولها: اختلف دور المسرح وأصبح مقتصراً على مبدأ الترفيه، فكثير من الناس يعتقدون أن المسرح لم يعد نافعاً إلا لبرامج الترفيه والمسابقات والمسرحيات المسلية، فجمهور اليوم لم يعد متفرغاً ولا متقبلاً لأي برنامج حواري يقدم على المسرح، ليس بسبب تطور الشكل الإنتاجي فحسب إنما لانشغال الناس في الحياة وكثرة الضغوط . ومن ناحية أخرى فإن برامج من هذا النوع جمهورها ليس عادياً إنما أغلبيتهم من المثقفين فهم بعيدون عن قواعد التقديم التقليدية والمكرر ويطمحون لمشاركات جادة تستجيب لمطالبهم في التغيير والحوار البناء، والبحث عن الجديد والمبتكر، وفي المقابل لا بد قبل البدء بإعداد أي برنامج مسرحي أن يوضع في الحسبان نوعية الجمهور والبحث عنهم ودعوتهم للمشاركة والحضور، فكلما زادت مساحة الفكرة المطروحة ازداد حضور واهتمام الجمهور الذي يبحث عن برامج حقيقية تهتم بقضاياه وتمس همومه، ولكن للأسف لم تعد العملية الإنتاجية سوى عملية تجارية قائمة على الاستفادة المادية البحتة وهذا ما جعل الجمهور يبتعد عن هذه البرامج التي لم تعد موجودة بالأصل .
يشعر إبراهيم محمد، موظف في شركة تجارية، بالحنين إلى هذا النوع من البرامج ويقول: كانت لهذه البرامج نكهة خاصة فلم تكن في السابق وسائل الإعلام متطورة مثل الوقت الحالي وكان للمسرح وقع خاص وجاذبية لم تعد موجودة الآن، وهذا ما جعل البرامج القديمة التي كان يقدمها المسرح لم تعد موجودة، وإن وجدت فلها شكل واحد ومحدد إما في المسابقات الغنائية أو ما شابهها من السطحية، وانعدام الأفكار الجادة وأيضاً انعدام دور الجمهور الذي اختلف نوعه وشكله الحالي ولم يعد مهتماً سوى بالقشور والضآلة الفكرية، وليس غريباً أن نجد الناس يبحثون عن جديد النكتة والقصص المضحكة لأننا نعيش زمن الخواء الفكري والاجتماعي، والجميع منشغلون بأنفسهم ومصالحهم، وللأسف البرامج الحوارية التي كانت سابقاً تتحدث عن السياسة والقضايا الحياتية لم تعد موجودة وابتعد الجمهور عنها مسافات ومسافات، لماذا لا يقدم القائمون على المسرح برامج حوارية يشارك بها الناس مشاركة حقيقية ويعرضون فيها نبض الواقع من هموم ومشكلات وتطلعات تهم الجميع وتعود بالفائدة على النسيج المجتمعي، من خلال تقديم تجارب حية من منصة جاذبة وهي المسرح الذي يتسع لشتى الآراء والمواقف المختلفة .
أما هديل عماوي، ربة منزل، فتتمنى أن يعاد النظر في برامج هادفة تنقذ أطفالها من التلوث الفضائي الذي تعرضه القنوات وتقول: لم تعد البرامج الهادفة والتي تستقطب اهتمام الجمهور موجودة، واقتصر المسرح على تجارب وأعمال تخلو من الإفادة والمتعة معاً، ومما يشعرني بضيق أكثر عندما أرى أبنائي منجذبين لبرامج ومسلسلات لا تتفق مع عاداتنا وتقاليدنا العربية والإسلامية، وفي الوقت نفسه لا أستطيع أن أجبر أحد أبنائي من مقاطعة هذه البرامج أو حرمانه من مشاهدة التلفاز خاصة وقت الإجازة، وما أتمناه حقاً تفعيل دور المسرح وتوجيه رسائل مفيدة لأبنائنا من خلال برامج ثقافية، ترفيهية، اجتماعية وتحرك طاقات الشباب والأطفال وتستثمرها بطريقة إيجابية سليمة تصنع فكراً وتوازناً خلاقاً وليس ما نراه اليوم، فابنتي ذات الخمس سنوات أصبحت تفهم ما معنى المسلسلات التركية وأبطالها وتقص علي آخر أخبارها وأحاديث الأبطال! فلماذا يترك الحبل سائباً متراخياً من دون تخطيط أو توجيه إعلامي هادف وبناء، وإلى متى يروج للمواد الإعلامية التافهة والبسيطة التي لا أستطيع أنا كجزء من الناس والجمهور المشاركة فيها؟ في كثير من الأحيان تواجهني تساؤلات عدة لقضايا وأمور أحتاج فيها لأشخاص متخصصين يجيبون عنها ويوضحون الصورة والمعلومة بالكامل لكن هل من مجيب؟
* * *
دفعت الناس للمشاركة بحرية ومن كل أنحاء العالم
مواقع التواصل متنفس جديد للمشاهدين
"اتفق مع الأخ الذي قال إن المذيع يفتقر للباقة واللياقة وحسن التصرف مع الضيوف"، "البرنامج موجه للعرب بس أغلب الضيوف يلي تستضيفوهم كلامهم إنجليزي أكثر من العربي ياريت لو تنتبهوا أكثر وتأخذوا الموضوع على محمل الجد"، هذه بعض التعليقات التي تعبر عن آراء مختلفة لجمهور يتواصل مع البرامج عبر مواقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" أو "تويتر" وغيرها، فالأمر لم يعد مقتصراً على مدح شكل مذيعة أو مجاملة الشخصيات المشهورة وما إلى ذلك، إن هناك شرائح تتابع وتحلل وتفند تفاصيل ما تشاهده فهل ارتقى هذا الجمهور لدرجة من الوعي والثقافة التي تغير من سياسة برنامج ما أو فكرة موضوع، وما تأثيره في منهجية البرنامج؟ وهل سيطغى دوره على جمهور الاستديو؟ وما تأثيره في شكل وملامح الإعلام المعاصر؟
"تعليقاتهم فاقت التوقعات" هكذا تصف لجين عمران، مقدمة برنامج "صباح الخير يا عرب" على "إم بي سي"، تعليقات المشاهدين وتقول: الكل أصبح يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي بوتيرة كبيرة وأصبح "الفيس بوك" و"توتير" ضروريات، بحيث شكلت هذه المواقع فضاء يومياً قائماً بذاته اختلطت فيه الآراء التي تعكس أنماطاً عدة في التفكير والثقافة، وهذا ما نلمسه من خلال تفاعل الجمهور مع موضوعات الحلقات في برنامج "صباح الخير يا عرب" الذي يعد حلقة وصل مهمة وضرورية لجس نبض رضا الناس وتفاعلهم، ومدى تباين الآراء ووجهات النظر بين الناقد الحقيقي والمتهكم، وهذا الأخير موجود لمجرد لفت النظر والتعليق الساخر الذي يخرج عن سياق الأدب والاحترام ليتسلى أو للفت انتباه الآخرين .
وتضيف عمران: نحرص على قراءة جزء من التعليقات في وقت عرض الحلقة وبعدها وكل الشكر للأشخاص الذين شكلوا جزءاً مهماً من تكوين البرنامج من خلال تواصلهم الدائم وحرصهم العميق على تقديم الاقتراحات والأفكار والموضوعات الطبية والاجتماعية لدرجة أن البعض يتدخل في إعداد الحلقة وهذا بلا شك يجعلنا نطور من أنفسنا ونتبادل الملاحظات والآراء مع الجمهور المهتم .
"بوصلة الجمهور غير ثابتة ولا تقف عند رأي معين" كما تذكر أميرة الفضل، مقدمة برنامج "أميرة" على قناة "الآن"، وتقول: يطرح البرنامج الذي أقدمه قضايا عدة منها الجريء والحساس، وللأسف هناك أشخاص لا يفرقون بين النقد البناء والتجريح، فمثلاً شخص من الجمهور علق بإيجابية على موضوع معين في الحلقة يعود هو نفسه ويعلق بأسلوب جارح ومناقض، والأسوأ من ذلك توجيه الانتقادات اللاذعة لي أنا شخصياً كأميرة الإنسانة وليس الإعلامية أو المقدمة وهذا ما يحزنني كثيراً، لأن هناك من يبني افتراضات خاطئة من خبر سمعه أو تحليل عابر من الصحافة، ويوجه كلاماً جارحاً مثل أحدهم كتب تعليقاً على "الفيس بوك" إلى الآن تحلمين بأشخاص يتابعون برنامجك وغيرها من التعليقات الساخرة عن مظهري أو ملابسي أو تفاصيل بعيدة عن جوهر البرنامج ورسالته، لذا في نهاية المطاف أقدم أفضل ما لدي في البرنامج وأقدر من يعلق ويتواصل حتى لو أساء أو جرحني بكلام غير لائق، فهناك في المقابل فئة من الجمهور يتفاعلون بجدية ويتابعون تفاصيل الحلقات حتى إن البعض يتعاطف مع بعض الحالات الاجتماعية التي تعاني من مشكلة ما وتقترح علينا عرضها في البرنامج وهؤلاء يشكلون تقريباً 50% .
وترجع أميرة أسباب عشوائية التعليقات إلى طفرة الانفتاح الفضائي التي فتحت شهية الجميع في الإفتاء والتحليل، فالكل كما تقول أصبح خبيراً بالسياسة والاقتصاد والطب وفي أي مجال آخر يكون حاضراً وجاهزاً لخوض النقاش، وهذا الاندفاع في المشاركة سلاح ذو حدين وله إيجابياته وسلبياته، وتضيف: فرض هذا الجمهور علي التقرب من التكنولوجيا أكثر بالرغم من أنني مدمنة على القراءة وقريبة من الكتاب الذي يشغل مكانة خاصة في نفسي إلا أن التواصل مع الجمهور يتطلب مني مواكبة الإنتاج الإعلامي بكل أنواعه ومتابعة البرامج والأخبار والمسلسلات والأحداث، فالجمهور ذكي جداً وواع لكل ما يحدث من حوله .
من خلال صفحة "الفيس بوك" تتواصل المذيعة نادية عمر، مذيعة في راديو الرابعة بقناة عجمان، مع متتبعي الموضوعات المطروحة عبر الأثير تجد نفسها أمام بحر واسع من الاختلافات والتنوع الثقافي وتقول عن أسلوبها في متابعة التعليقات: هناك تعليقات لا ترتقي لمستوى النقاش العام سواء بمفرداتها أو أفكارها ونركز على النقاشات الهادفة والجدية والمتوازنة، التي تضيف لموضوع النقاش المطروح، ونحن لا نركز على التصفيق أو التعليق الالكتروني أو المديح ونبتعد عن قراءة كل الرسائل التي تحمل مجاملات وهدفنا الأول هو الاستفادة من آراء ووعي الجمهور وتحديداً عبر صفحتنا على الفيس بوك التي تضم الكثير من النشاطات والصور والأفلام وغيرها، إضافة إلى وضع مشاركة خاصة بكل برنامج من قبل الزملاء المذيعين ويتم التواصل المباشر من خلالها مع المستمعين والتعليق الفوري على كل ما يقال على الهواء من أخبار وموضوعات وتساؤلات .
"مخملي وفئوي وقاصر هو جمهور "الإنترنت"، كما يبين خالد عبد الغفار، مقدم برامج، أنه جمهور لا يعبر عن رأي الشريحة الحقيقية للشعب ولا عن نقد بناء إنما هي رفاهية الوقت والبال التي تجد طريقها إليهم، ويكمل قوله: لا أنصاف حلول لدينا إما أن ننقد كثيراً وإما أن نصمت كثيراً وفي الحالتين لا يمكن التعويل على الآراء والتعليقات التي يتبناها جمهور هذه المواقع، ليس كل التعليقات ولا احتدام التفاعل حول فكرة برنامج ما وأسلوب عرضه وتفاصيل أخرى هي معايير نستطيع أن نعتمد عليها ونقول إن البرنامج قد حقق أهدافه المرجوة .
إلهام عطية مخرجة برامج بقناة عجمان الفضائية تقول: أعتقد أن الهدف الرئيسي من البرنامج هو الجمهور ودائماً يعتمد في محاوره الأساسية ومحتواه على متطلبات الجمهور ومعاصرة الظروف التي يعيش فيها ويتعايش معها، وتختلف المشاركة داخل الاستديو عن وجودهم عن طريق وسائل التواصل المختلفة، مثل الاتصالات الهاتفية والرسائل القصيرة والمواقع الإلكترونية وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك"، وبرأيي هذه الوسيلة هي الأقرب من الناس وتستقطب عدداً كبيراً منهم وتتيح الفرصة لفئة أكبر من المشاهدين للاستفاده، فكثير من الناس يخجل من التواصل داخل الاستديو والأكثر يرغب في التواصل غير المرئي .
علاء جهاد أبو خير، مسؤول التحرير في قسم "الأون لاين" بقناة "الآن" يعبر عن رأيه قائلاً: "أنا أعتبر أن الجمهور وخصوصاً عبر الإنترنت ناقد حقيقي لأنه يقول رأيه بصراحة خصوصاً لعدم وجود ضوابط فإنك تسمع وترى رده بشكل صريح، ومجرد تفاعله يعني أنه مهتم بالبرنامج أو المادة الإعلامية المقدمة، ونحن في تلفزيون الآن نولي اهتماماً كبيراً بالتواصل الالكتروني، لأننا نرى من خلاله مستقبل الإعلام وقد استطعنا تحقيق قاعدة جماهيرية واسعة من المتابعين، إذ نعتبر من أقوى وأوسع الحسابات متابعة ضمن تصنيف عربي على صعيد الإعلام، وهذا لم يتم إلا من خلال التواصل مع الاقتراحات وتقبل النقد بفرعيه .
ويشير أبو خير إلى تأثير صفحات التواصل في ترسيخ مفهوم الجمهور الالكتروني الحيوي والمتابع لكافة التفاصيل، ويقول: خصصت صفحات اجتماعية لكل برامجنا خاصة بالأخبار والسياسة والموضة والفن وغيرها والتي بدورها تعرض على شاشة البرامج لتحقيق نسبة من التفاعل سواء كانت الميول سياسية إخبارية كما نرى في برنامج "ستوديو الآن" أو برنامج "أخبار اليوم" أو متوجها نحو الموضة والفن كبرنامج "شيك ناو" و"غنية وخبرية" أو "إكسبريس نفسك" والذي يعتمد وبنسبة كبيرة على تفاعل جمهورنا الإلكتروني سواء من خلال "فيس بوك" أو "تويتر" أو "يويتوب" . وهذه السياسة خلقت جمهوراً أكبر إذ يزيد عدد متابعينا على 50 ألف متابع على "تويتر"، وحققنا نسبة تفوق ال170 مليون مشاهدة لفيديوهاتنا على "يوتيوب" .
سهلت المواقع الإلكترونية تواصل المشاهدين الذين شكلوا قاعدة جماهيرية كبيرة من المتابعة والتفاعل كما تقول دانا أبو لبن، مقدمة فقرة التواصل الاجتماعي في برنامج "يوم كوم" بقناة "دبي"، التي تقارن بين الوضع قبل وبعد التطور التكنولوجي قائلة: هدف البرنامج هو التواصل مع الجمهور الحكم الأول والأخير، ويتجلى هذا التواصل من خلال الفقرة التي أقدمها والتي تسلط الضوء على تعليقات الناس وآرائهم واقتراحاتهم حول الموضوعات المطروحة، ففي السابق كانت البرامج تقدم الموضوعات للجمهور الذي يستقبل فقط، أما الآن فقد أصبح بإمكانه النقد والحوار وطرح وجهات النظر من كل مكان بالعالم في فضاء واسع، وعلى قدر المزيج التفاعلي الذي نحصل عليه من تعليقات الجمهور يكبر التحدي أمام فريق العمل خاصة الذي بدأ منذ نحو شهر ونسعى لتغطية شاملة ومناقشة قضايا منوعة من نبض الشارع، ومع أننا نتناول جوانب حياتية عدة إلا أن الطابع الاقتصادي يلون البرنامج .
وتضيف: أتاحت مواقع التواصل الاجتماعي فرصاً حقيقية للجمهور في التعبير عن رأيهم في 5 ثوانٍ على الأقل، الأمر الذي فعّل دائرة الحوار والنقاش ووسعها لتصل إلى شرائح مختلفة من الجمهور فخلقت لدى الناس إحساساً بأنهم أصبحوا جزءاً مهماً من البرنامج، ولا يخشى التعبير والنقد بكل شفافية وحرية .
فيصل بن حريز، مذيع أخبار في قناة "سكاي نيوز عربية"، يجد أن بعض الناس لا يزالون يخجلون من النقد المباشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكن بلا شك تؤثر تعليقات الجمهور تأثيراً كبيراً في ملامح البرامج وحتى على صعيد نشرة الأخبار، فيتابعون وينتقدون ويكتبون آراءهم بصراحة وحرية، ويضيف: قد يحدث أننا نحن كمقدمين لا ننتبه لأمر ما فيلفتنا إليه الجمهور، ومن دون الانتقادات أو التعليقات لا يمكننا تقييم مسار عملنا فمثلاً علق البعض في بداية انطلاق النشرات الإخبارية على حجم شريط الأخبار الذي يظهر أسفل الشاشة حيث كتبوا أن حجم الكلمات صغير وغير واضح وعلى الفور تم تعديل الشريط ليتناسب مع مطالب الجمهور، وهنا أود أن ألفت الانتباه إلى أن سياسة القناة وخطتها واستراتيجية عملها هي التي تكسب مزيداً من المشاهدة والمتابعة الجماهيرية من خلال التدقيق في كلام الناس وتعليقاتهم وانتقاداتهم، فلا يخفى على أي أحد دور الانترنت والتكنولوجيا في تطوير شكل الإعلام ومضمونه التي من غير الممكن أن تكسب مزيداً من النجاح من دون الوقوف عند رغبة الناس وجس نبض أفكارهم واختلافاتهم وتوجهاتهم الحياتية .
من جانبها تتابع لمياء راضي، رئيسة قسم الموقع الإلكتروني في قناة "سكاي نيوز عربية"، تعليقات الجمهور على أهم الأحداث في المنطقة العربية وأخبار العالم، وعن هذا تقول: يشهد الموقع الإلكتروني للقناة وصفحات التواصل الاجتماعي تفاعلاً كبيراً في الآراء والتعليقات التي تحتوي على أنواع من النقد المفيد والفارغ، وبأية حال فرض هذا الجمهور نفسه على القناة بقوة كناقد ومحلل ومفكر يقدم الاقتراحات ويشارك برأيه سلبياً أو إيجابياً، وهذا يولد لدينا مسؤولية كبيرة في تدقيق الخبر قبل نشره وتوسيع دائرة النقاش والتركيز على هوية البرامج التي تقدمها القناة وبما أنها إخبارية بامتياز فلا بد من انتقاء الموضوعات المطروحة بتوازٍ مع الأحداث الساخنة في العالم وعليه فإن هذا الجمهور أثبت فاعليته وإيجابيته التي ستأخذ الإعلام الإلكتروني إلى مزيد من الانفتاح والتطور .
يوضح الدكتور خالد جاويش، الأستاذ المشارك بقسم العلاقات العامة في جامعة الشارقة، انفتاح الجمهور الالكتروني في ظل الوسائل الجديدة ويفصل قوله: أصبح أمام الجمهور فرصة حقيقية للتعبير عن آرائه والمشاركة سواء بالتعليق أو النقد أو تقديم المقترحات، واستجابة لهذه التطورات التي أتاحتها التقنيات الحديثة، قام العديد من البرامج بإضفاء الحيوية والتفاعل سواء من خلال إتاحة الفرصة للجمهور بالتواصل عبر الهواتف أو قراءة تعليقاته ومداخلاته عن طريق "الفيس بوك" أو "تويتر"، وقد أضاف ذلك عنصر جذب جماهيري زاد نسبة المشاهدة، وفي تقديري أن الجمهور لم يتغير من حيث الذكاء لكنه تغير من حيث الرغبة في المشاركة وإبداء الرأي وتحويل هذه الرغبة إلى واقع ملموس، وهو ما أتيح كما ذكرت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي سمحت حتى لمن كان يخجل أن يشارك من خلال كتاباته التي لا تحتاج إلى الظهور على الهواء بالصوت والصورة، كما أن الأجواء العامة قد ساعدت في زيادة مشاركات الجمهور . ويتابع د . جاويش: يقوم الكثير من مقدمي البرامج الآن في عدد من القنوات بإطلاع الجمهور على الموضوعات التي ستتم مناقشتها أو الضيوف الذين سيتم إجراء اللقاءات معهم مسبقاً، ويطلبون من المشاهدين أن يشاركوا في الإعداد من خلال تقديم الأفكار والأسئلة التي يمكن طرحها على الضيوف، وهو ما أسهم بشكل كبير في جعل هذه البرامج تعبر بصدق عما يريده الناس . وأحسب أن هذه الظاهرة تحقق نقلة نوعية للبرامج التلفزيونية والإذاعية عموماً لأنها تحقق رغبات الجمهور في تحديد ما يود معرفته ومناقشته، وأيضاً من حيث التفاعل مع البرامج وارتفاع نسبة مشاهدتها، ليتحول الإعلام المرئي من كونه اتصالاً في اتجاه واحد إلى أن يكون اتصالاً في اتجاهين، وهذا الأمر يعد إيجابياً لكنه يحتاج إلى مقدمي برامج من طراز خاص يستطيعون التكيف بذكاء ولباقة مع ما قد يفاجئهم من تعليقات أو أسئلة خصوصاً إذا كانت على الهواء، وفي ذلك ميزة كبيرة وهي أن الجمهور يشعر بحيوية البرنامج وتلقائيته، ولكن الأمر يجب أن يظل في حدود خطة البرنامج والخط الذي رسمه لنفسه من البداية وإلا تحول الأمر إلى نوع من العشوائية .
ويضيف د . جاويش: لا يمكن القول إن هذا النوع من التفاعل يغني تماماً عن الجمهور الموجود في الأستوديو، لأن هذه الجماهير تلعب دوراً آخر يجسد التفاعل مع الضيوف والمذيع شرط ألا يتم توجيههم للاستجابة الجماعية المخططة، بل يجب أن يتركوا على طبيعتهم في إطار ما لا يخل بنظام البرنامج، كما أن المبالغة في قراءة تعليقات الجمهور عبر "الفيس بوك" أو "تويتر" قد تحول البرنامج إلى ما يشبه "برامج ما يطلبه المستمعون" التي كانت تذاع على محطات الراديو في العقود الأخيرة من القرن الماضي، وهو ما قد يفقد التلفزيون ميزته الأساسية في استخدام الصورة والحركة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.