د.احمد علي عبد اللاه كثير ما نعرفه عن طروادة هوميروس وكذلك عن عمورية أبي تمام ، وكثير ما حصلت إسقاطات تلك الأحداث التاريخية الصارخة المدوَّنة في ملاحم تناقلتها الشعوب بمذاقات مختلفة ، إسقاطات هنا وهناك كمقارنات في أطر من المجاز المطاطي . حديث السبيَّة له ذوق تاريخي يختلف من عصر إلى عصرٍ وكل تاريخ السبي مرتبط بحروب وانتصارات ، من زمن هيلين إبنة معبود الإغريق المزعوم وملكة اسبرطة اكبر مدن الاغريق الذي اختطفها أمير طروادة وتسبب في حرب ملحمية عظيمة ، مروراً بصيحة عمورية وقتال المعتصم للروم لإنقاذ المرأة العربية السبيّة ، وحتى التاريخ الحديث وما رآه درويش من : دول توزَّع كالهدايا ، ومن : السبايا في حروب السبي تغتصب السبايا ، وحتى اليوم ... نرى أوضاع السبي تأخذ اشكالاً حضارية مختلفة يزفها الإعلام من على منصات هي اقرب للمزادات العلنية لبيع القطع التاريخية الثمينة . سبايا اليوم لم تعد نساء الشعوب المهزومة بحروب السيوف والنصال ، ولم تعد أميرات من الروم او الفرس تساق إلى قصور أمراء المؤمنين ، او سبايا تباع في الأسواق لينتهي بها المآل إلى غرفة خدَمٍ مفتوحة الأبواب ليلاً لآكلي اللحوم البيضاء .. لا ، بل أنها سبايا كبيرة الحجم ، سبايا من نوع الدول التي لها نشيد وعلم وشعب وإقليم حيث نراها مسوَّقةً بين الامم ... ولاول مرة نفهم ما قصده العظيم الراحل محمود درويش بان السبايا في حروب السبي تغتصب السبايا ، بل وتوزعها على الدول الكبيرة لتقرر مستقبلها . كل العرب سبايا هذا العصر بدولهم ورؤسائهم وملوكهم وشعوبهم وبترولهم وصحرائهم ومذاهبهم وهوائهم وكل شيء . العرب في زمن السبايا يحاول كل منهم ان يغتصب أخيه ليقتنيه كتحفة في ذاكرته المريضة وهيبته المتعفنة او ليبيعه في السوق العالمية ، لتتشاور وزارات الخارجية للدول العظمي حول كيفية تقاسم شرفه ومصيره . لم تعد الحكاية صيحة عمورية او شهوة المحارب لسبيَّةٍ بيضاء تجَنْدلَ أهلها بصارم بتَّار ، بل أنها تجاوزت لتصبح أمة العرب أمَّةَ السبايا في العصور الحديثة بامتياز . قرون من الزمن والعالم يجري تجاربه على العرب ، تتغير الوسائل في كل حقبة زمنية بينما الأهداف تتصلب على قاعدتها الرئيسة وهي : بان يكون العرب غنيمة تاريخية لأنه ليس بامكانهم ان يكونوا اكثر من ذلك ، والعرب يعددون ويعددون صولاتهم وجولاتهم وانتصاراتهم التاريخية المزعومة ، ويتفنن الزعماء وعلماء الدين كل من مكانه ومكانته بإلقاء الخطب الميكرفونية ( أقذر ما توصل اليه العلم هو صناعة الميكرفون الذي اصبح معشوق حد الهوس عند خطباء العروبة والإسلام) . دول توزَّع كالهدايا ، والسبايا في حروب السبي تغتصب السبايا ، ومن اجل ان تتقبل أمم هذا الكوكب فكرة بان العرب لا يستطيعون ان يتكاملوا حضارياً مع العالم ، وبأنَّ دينهم دينٌ مصمَّمٌ ضد الحياة ، فان العرب يقدمون لهم سيَّدَ الأدلَّةِ من خلال آلاف المفجِّرين انفسهم وهم يمزقون أجسادهم وأجساد من حولهم في الأسواق والمطاعم والشوارع ومقرات الشرطة والأماكن العامة ، ومن خلال الوحشية المفرطة بقطع الرؤوس وبقر البطون وشق الصدور وأكل القلوب البشرية بشكل علني ، وهذا الأخير لم تُصدر بحقه فتوى بعد . وهكذا يقتنع العالم بان العرب العاربة والمستعربة أوالمتأمركة أو المتأسلمة جميعهم على منصة المزاد كدولٍ وليس كأفراد . ولهذا نقول أيها العرب انتم أمةٌ تم سبْيَها منذ تاريخ بعيد ونحن بحاجة إلى مليون شخص مثل هوميروس ليكتبوا ملاحم السقوط التاريخي العظيم لأمة العرب مادياً واخلاقياً ودينياً وفكرياً ، ولن نحتاج لابي تمام لأن عمورية بأكملها ذهبت من الذاكرة ... فابحثوا عن أمةٍ جديدة ودمتم .