لم يكن أحد يتوقع السرعة التي أقدم فيها رئيس الحكومة الفلسطينية في الضفة المحتلة رامي الحمد الله، على تقديم استقالته من المنصب الرفيع الذي ورثه عن سلام فياض. نابلس (فارس) فبعد ثمانية عشر يوماً من توليه مقاليد عمله، أعلن الحمد الله نبأ تقديمه الاستقالة، دون أن يشرح أسبابها، تاركاً المجال قبيل ذلك لما سيتمخض من نتائج عن اجتماعاته برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في حل الإشكاليات التي واجهها منذ اليوم الأول. وأكد القيادي في حركة فتح تيسير نصر الله، أن المسألة قد تم تسويتها بُعيد لقاء أبو مازن مع الحمد الله مساء السبت، متوقعاً أن يتراجع الأخير عن استقالته. وأرجع نصر الله في لقاءٍ مع مراسل وكالة أنباء فارس، سبب الاستقالة إلى تجاوز نائبي رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية محمد مصطفى، وللشؤون السياسية زياد أبو عمرو لصلاحياتهما. وأوضح قائلاً: "لا يجوز أن أكون في مؤسسة ويكون لي ارتباط مع شخصية أو مؤسسة أخرى حتى لو كانت مؤسسة الرئاسة"، مبيِّناً أن الأصل في نائبي رئيس الحكومة تبعيتهما لرئيس الوزراء، الذي يتلقى بدوره التوجيهات والتعليمات من الرئيس مباشرةً. ولفت نصر الله إلى أن هنالك شبه إجماع داخل حركة فتح على بقاء الحمد الله رئيساً للحكومة، كون مغادرته المنصب سيشكل إحباطاً شديداً في الشارع الفلسطيني الذي رحب به ترحيباً بالغاً لاعتباراتٍ عدة لعل أبرزها كونه أكاديمي ناجح ترك بصمات كبيرة وأحدث نهضة في جامعة النجاح الوطنية التي كان يترأسها. بدوره، قال المحلل السياسي هاني حبيب: "سواء اقتنع الحمد الله بضرورة سحب استقالته، أم لم يفعل، فبالنسبة للمتابعين، هذه الاستقالة فتحت الباب أوسع من أي وقت مضى على هشاشة النظام السياسي الفلسطيني". وأضاف: "هذه الاستقالة أدت إلى انكشاف حقيقي في مؤسسة الحكم، وهي مناسبة نادرة لمعالجة الأمر، فرصة أمام الحكم نفسه، لإعادة تقييم والبدء في التقويم، سواءً في المجال الحكومي أم في مجال منظمة التحرير الفلسطينية ولجنتها التنفيذية تحديداً، التي هي كما هي الحكومة، في وضع بالغ الصعوبة، ولا تكاد تعمل، وهي معطلة عمداً". ويعلق حبيب على خلافات الحمد الله مع نائبيه قائلاً: "ليس هناك في القانون الأساسي الفلسطيني ما يسمى بنائب لرئيس الحكومة، وإن تعيين نائبين له مجرد بدعة جديدة، تسمح للرئيس بإحكام سيطرته السياسية والاقتصادية تحديداً على مسار الحكومة، مع أن الثابت، أن الرئيس بإمكانه القيام بذلك، باعتبار أن الحكومة هي حكومة الرئيس في نهاية الأمر". ويتابع:" كان بإمكانه (الرئيس) القيام بهذه السيطرة من خلال تكليف رئيس حكومة ثقة وعندئذ، ليس هناك من حاجة إلى السيطرة على أعمال الحكومة من خلال اختراق رئاسي، يشكل خروجاً على القانون الأساسي الفلسطيني". وأوضح حبيب أن الاختراق الرئاسي لم يبدأ مع هذه الحكومة، فقد كانت هناك اختراقات واضحة لحكومات فياض المتعاقبة، مبيناً أنه كانت هناك وزارات وهمية كوزارة الخارجية التي كان يقوم بدورها، ولا يزال د. نبيل شعث، وعند استقالة وزير المالية السابق نبيل قسيس، قبلها فياض ورفضها الرئيس، وهناك أمثلة لا حصر لها. من جانبيه، علّق مستشار رئيس الحكومة الفلسطينية في غزة يوسف رزقة على استقالة الحمد الله قائلاً: "الدكتور المستقيل لم يجد شيئاً مغرياً للبقاء في المنصب، وهو يرى الحبال تلتف حول عنقه ويديه، والأخطر أنها تلتف حول فكره وحريته، لذا قرر أن يستعيد فكره وحريته، وأن يركل الوزراء بقدميه بلا أسف". وأضاف: "ربما أدرك الحمد الله أنه كان مخطئاً بقبول التكليف"، متساءلاً: لست أدري لماذا تقبل الحمد لله التكليف وفيه هذه المثالب وتلك المحدودية الضيقة؟. وأعرب عن اعتقاده بأن يتراجع الدكتور الحمد الله عن الاستقالة استجابةً للضغوط. وختم رزقة حديثه: "قد يتراجع وقد لا يتراجع، وهذا القرار له، والشأن شأنه، ولكن ما يعنينا نحن كمراقبين وكشركاء في الحق العام هو أن الاستقالة تكشفت عن ورم، لا عن حالة عافية، ولا أحسب العافية يمكن أن تعود للنظام السياسي الفلسطيني في ظل سلطة الفرد، وتفرد رئيس السلطة بالقرار، ومن ثم فقد وصلت رسائل الاستقالة حتى إذا تراجع الدكتور الحمد الله عنها". /2336/