أنور سلطان ورد في وثيقة العهد والاتفاق، تحت البند ثانيا الخاص بأسس بناء الدولة الحديثة وهيئاتها، النص التالي: "إن المهمة الرئيسية تكمن في بناء الدولة وإصلاح ما علق بها من تشوهات خلال الفترة المنصرمة حيث أثبتت تجربة السنوات الماضية منذ إعلان قيام الجهورية اليمنية في 22 مايو 1990م إن طريقة إدارة شؤون الحكم شكلت عائقا أمام إندماج النظامين السابقين وبناء دولة الوحدة" ا ه. إن هذه الفقرة تدل صراحة على عدم قيام دولة الوحدة وفشلها. وجاءت وثيقة العهد والاتفاق لمعالجة هذا الفشل. وتنصل صنعاء من إتفاقيات الوحدة ودمج مؤسسات الدولتين لبناء دولة الوحدة هو سبب هذا الفشل، وتهربها من وثيقة العهد والاتفاق التي وقعت عليها (وهذا التوقيع اعتراف بعدم قيام دولة الوحدة) دليل قاطع على مسؤليتها عن إفشال الوحدة وعرقلة أي خطوة لبناء دولة الوحدة. وجاءت حرب 1994م ضد الجنوب لتنهي الوحدة الفاشلة أساسا. لقد تمسكت صنعاء بدولتها لتكريس نفسها على حساب جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الجنوب العربي). وهذه هي الاستراتيجية التي دخلت بها الوحده الشكلية (أرادتها أن تكون شكلية، حيث إتخذت من إعلان الوحده غطاء للمؤامرة على الجنوب العربي) فلا تريد وحده بل تريد ضم الجنوب العربي اليها باعتباره جزءا من أملاكها الخاصة (نفس عقلية الامام). والضم من وجهة نظر صنعاء لا يعني الا احتلال من وجهة نظر الشعب الجنوبي والقانون الدولي الذي يقف مع حق الشعوب في تقرير مصيرها. إن المعالجات التي تطرحها صنعاء لاثار احتلالها ليست الا معالجات لتكريس الاحتلال. فهي تطرح الآن حلا -ضمن معالجات كما تزعم- يجعل من جيشها بديلا عن جيش (ج ي د ش) حتى تكون دولتها بديلا عن دولة الجنوب العربي (ج ي د ش). وما تقدمه من حل ليس الا هضم الجنوب نهائيا بعد محاولة ابتلاعه. إن تصفية مؤسسات الدولة الجنوبية وتسريح موظفيها ليس إلا نتيجة للاحتلال. وجوهر المشكلة ليس في التسريح والمسرحين، بل في الغاء مؤسسة دولة لصالح مؤسسة دولة اخرى. أي الغاء دولة لصالح دولة، والغاء سيادة لصالح سيادة. إنه الغاء شعب ومصالحه ومستقبله من أجل مستقبل ومصالح شعب آخر. لا يمكن معالجة قضايا المبعدين والمسرحين عبر إلحاقهم وضمهم إلى مؤسسات الجمهورية العربية اليمنية لاحتوائهم واحتواء قضيتهم الوطنية، ذلك أن التسريح ليس هو القضية، وليس المقدمة بل النتيجة. لا يمكن أن يكون احتواء افراد معالجة للقضية الجنوبية، بل تكريسا للضم والالحاق، أي تكريسا للاحتلال. لايمكن حصر القضية في النتيجة ونسيان المقدمة التي اسقطت الوحدة الطوعية. إن المعالجة الحقيقية والجوهرية هي تسريح الاحتلال وجلائه من أرض الجنوب العربي. إن حل القضية الجنوبية يكمن في إرجاع مؤسسات الدولة الجنوبية التي سرح موظفوها، وليس شرطا ان يعود ذات الاشخاص المسرحين، فكثير منهم قد وصل الى سن التقاعد. وفرق بين إرجاع المؤسسة وإرجاع الاشخاص. فالاشخاص زائلون والمؤسسات باقية. وإرجاع المؤسسة يعني إرجاع الدولة وإخراج الاحتلال ومؤسساته الغازية. إن الجيش عنوان السيادة، وضم المسرحين العسكريين من الجيش الجنوبي الى مؤسسة الجيش التابعة للجمهورية العربية اليمنية هو تكريس الاحتلال لسيادته على الجنوب العربي وشعبه. إن القضية الجنوبية ليست قضية اشخاص مسرحين، بل قضية وطن ودولة الغيت لصالح وطن ودولة أخرى. ونوجه كلمة للجنوبيين الذين احتواهم الاحتلال والحقهم بمؤسساته -وهو الحاق افقدهم إرادتهم الحرة- ونقول لهم: إن أقل مطلب سياسي يمكنكم التمسك به لمعالجة الظلم "السياسي" الذي وقع على الجنوب المتمثل في الغاء الجنوب من المعادلة السياسية للوحدة وفق تعريفكم للقضية الجنوبية، نقول لهم: إن أقل مطلب يمكنهم التمسك به هو إعادة بناء الجيش بالمناصفة. فلا مناصفة في السلطة دون مناصفة في الجيش. وأيضا المطالبة بتسريح قوات الأمن والإستخبارات (المؤسسات الخاصة بصنعاء) من الجنوب، تمهيدا لالغائها. وكذلك تسريح الموظفين "الشماليين" من الجنوب في الادارة المدنية والامنية وفي القطاع العام وفي الشركات النفطية. وذلك حتى تتسق المطالب التي تطرحونها مع تعريفكم للقضية الجنوبية وزعمكم بقاء الوحدة، إلا اذا كانت الوحدة لديكم تعني الضم والالحاق. وعجزكم عن تحقيق هذا المطلب، وخوفكم من طرحه، لا يدل إلا على أنكم مجرد أوراق توت تدافع عن مصالحها الشخصية، وهذا هو الشرط لرضا الاحتلال عنكم واحتوائكم في مؤسساته السيادية وسلطاته العليا. وهذه الحقيقة تعكس طبيعة الاحتلال العسكري الذي يرزح تحته الجنوب العربي. وختاما نذكر بالحقيقية التالية وهي أنه لا يمكن أن تكون هناك وحده وأحد الأطراف لا يعترف بحق الطرف الآخر في تقرير مصيره. وقد كان إعلان الوحده في 22 مايو 1990م قائما على هذا المبدأ، ولولاه لما كان ذلك الإعلان شرعيا. وكان يجب أن يتجسد هذا الحق في "دولة وحدة" تعكس إرادة الطرفين، وهذا لم يحدث. وقد حول الغزو وإحتلال الارض، بعد إفشال قيام دولة الوحدة، حول الوحدة الطوعية المعلن عنها القائمة على حق تقرير المصير الى إحتلال انتهك حق تقرير المصير. ولا معالجة للقضية الجنوبية إلا بحق تقرير المصير المتمثل في إنهاء الإحتلال. إن سيادة الشعب على ارضه وامتلاك ارادته الحرة هي التجسيد الحقيقي لحق تقرير المصير. والغزو واحتلال الارض هو اكبر انتهاك لهذا الحق الذي يعتبر أساس كل حقوق الإنسان. والغزو والاحتلال لا يحل بالاحتواء بل بالجلاء.