منذر علي * لوحة التكوين الأول مواضيع ذات صلة بغداد: لم يكن هناك من عائق امام منذر علي للتناوب على النحت والتصوير، فهذا الفنان، المولود في بغداد 1948، كان معترفا بمهارته من طرف المحترفين والهواة، ذلك ان التمهل في العمل هو صفة قد تكون ثابتة فيه، ثم اضاف اشتغاله في تدريس التربية الفنية الى تلك الصفة طابعا من الترفع على التسويق الرخيص للشهرة، ولهذا فان عروضه المشتركة مع فنانين اخرين هي المناسبة التي اتاحت للمشاهدين رؤية اعماله، وكانت تلك العروض بحكم كونها مشتركة، قد قللت فرصة في ان تكون منحوتاته وتصاويره قد اشبعت فضول المعنيين، فالمنافسة في عرض مشترك، مهما كان متجانسا واخويا، تجعل النظر فائضا الى خارج الاعمال او الى ارغام الاعمال على ان تتلقى مشاهدة ثانوية او فضفاضة ومنحرفة، ولهذا السبب الذي يبدو غير فعال للمرة الاولى في عرض مشترك، الا انه مع تكراره وعدم انفراد الفنان بعرضه الخاص، سيتفاقم الى عِلّة مستفحلة، ولهذا السبب،وربما لغيره ايضا، لم يكن الاهتمام الذي نالته اعماله يناسب جدارته التي لم يختلف حولها المهتمون بالفنون التشكيلية العراقية . بعد ان تجاوز عمره الستين، واحيل الى التقاعد، داهمته الذاكرة البغدادية، وهو ليس الا بغداديا في محيط شعبي اصيل، وهنا اختار ان يقيم معرضه الشخصي الاول للكولاج ( ضم المعرض عشرين لوحة ) بعنوان :" بغداد في ذاكرتي "، وقد استعمل في ملصقاته نتفا من الورق الملون مع الكليريك، وغطاها بزجاج غير عاكس ( مات )، مما يعطي انطباعا عن مناظر مغرورقة بالحسرات . اخذت معظم الاعمال المستطيلة وضعاً عموديا، وكان الورق يتشكل على نحو متصاعد وسط ضباب الكليريك المتميّع والغامض، وكأنه استدعاء لذاكرة واهنة، او ذكريات متعززة ومحتمية بحرية النسيان . ومع ان منذر علي كان قد عرض سابقا اعمالا انطباعية بدون تركيز لوني، الا انه هنا عالج ذلك بالوان الاوراق الفاقعة، التي تعطي منظرا متلونا، يتراوح بين التجريدية والتكعيبية وفي منظور فضائي ليتحدد الفارق بين الواقع والذاكرة التي تضئ ردهة اللاشعور اضاءة ناقصة، ولا بد منها . هنا ينبغي التنويه بان الفنان طالما تم التعريف به على انه نحات خشبي،وهذا هو الواقع، اذ كان قد مارس النحت على قطع الخشب الصغيرة التي يلتقطها من بقايا شغل النجارين ويصنع منها رؤوسا ملساء، مع الوجوه ذات المحاجر والتجاويف التي تتوغل في الجماجم، وكانت مهارته، وعلاقته الحميمة بالكتلة مثار انتباه وتعجُّب منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، قبل ان يجرب الرسم والتلصيق.