"همس في اذنها" رواية من اصدارات دار الجندي للقاص جمعة السمان ،،، تطل عليك برونق انيق وصورة الغلاف من تصميم الكاتبة الرسامة رشا السرميطي ،،، حيث ابدعت في تجسيد فكرة المجموعة القصصية ،،، حيث يد حانية تقدم وردة أمام وجه ملائكي هي اكبر بكثير من تلك اليد التي تمتد بقوة وجبروت لا يليق بجمال الطلة وحلتها الغاية في السحر المطلق ،،، هي كذلك القصص في داخل المجموعة ،،، تحاكي قول المصطفى عليه السلام :"الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها" ،،، فأتت صورة الغلاق قالب مناسب جدا لما احتوته المجموعة من جواهر تجربة ابداعية لها رونق حضور باذخ. "همس في اذنها" المجموعة الثانية بعد "تصبحون على حب" صدرت عن ذات الدار قبل عام تقريبا ،،، تجوال لا يقف عند تجربة انسانية بعينها حتى ترى نفسك أمام تجربة ثانية وثالثة ... الى ان تتراكم في مخيلتك حكمة الوالد الطيب - كما أسميته - ،،، سبعة وتسعون قصة قصيرة تجذبك كلماتها المنتقاة بعناية ،،، صورها الشاعرية المغرقة في الرومانسية ،،، تتخللها موسيقى من وقت لآخر ،،، كأنك بين مد البحر وجزره ،،، أو بين خمائل الطبيعة النقية تحاكي مكنوناتها بكل روية لتخرج في النهاية بحكمة تنشدها . يتنقل بك القاص بعناية وحرص من خبر الحياة ،،، وعاركها بكل صنوف أوجاعها ،،، ونهل ما طاب له من مباهجها ،،، ينقلك رويداً رويدا بين قصص التراث الشعبي تارة ، وقصص الخيال المحكي على السنة الطيور والعصافير تارة أخرى ،،، ليأخذك في رحلة البحر وحورياته،،، وما جاد به خياله حولها ،،، الشاطي وما يثيره في مخيلة القاص من حكايات البحارة ، ورواد البحر وعشاقه ،،، تنوع وتفرد في آن ،،، تنوع في المشاهد ،،، وتفرد في كل مرة بحكمة مختلفة ،،، كأن القاص يريد ان يوصل رسالة للجيل الشاب وخصوصاً المرأة ،،، عماد هذا المجتمع ،،، وأساس بنائه القويم ،،، وصايا العارف بالحياة واسرارها ،، خبر الوطن ،،، عاداته ،،، تقاليده ،،، مفاهيمه عن الحياة ،،،ولا يريد لجيل اليوم ان ينحرف عن بوصلة المجتمع أو كأنه يريد أن يجرد الواقع بقسوته أمام عشاق الحياة ومباهجها،،، كأني به يوجه رسالة لجيل بأكمله عبر همسات تصبح مع مرور الوقت ناقوس يدق في ذاكرة الوطن بأسره لتدرك معنى الحياة في قالب أدبي مشوق جذاب. يكتب للبحر ،،، للطبيعة ،،، للبستان ،،، للغيمات وللنجمات ،،، تجده يكتب للشجرة بقدسية الوطن في وجدانه ،،، ففي "وصية جد" ... كتب "فانهالت البلطات على الشجرة تقطعها حطبا يطعمونها للنار ... وكانت كلما انطلقت شرارة من الموقد يسمعون أنات وآهات .... الى ان ضاق صدر كبيرهم فانسحب يداري دمعه ... تنهد وقال : تدفأت الأجساد .. وبرد الضمير .. جمده الجحود ومات" ص(64) حنين للوطن وعشق للجد وما تبقى من أثره. وللمرأة نصيب الأسد في صوره الشاعرية ،،، عندما يقول مقدمة لقصة "محطة الباص" في خطواتها كبرياء الأميرات .. والثقة الزائدة بالنفس ثقة ملكات .. يقلدها الطاووس .. ويذوب في شموخها الغرور.. طاع لها الجمال.. فالعين عين غزال .. والشعر مغزول من خيوط الشروق .. يلمع على حبات الندى في ربيع نيسان ... والقوام يبحان الله عود خيزران" ص(65) ،،، تأسرك الصورة بشاعريتها حد التماهي بها ،،، فلا تصحو الا وقد لمست الواقع بحكمة من يصحح المسار فترتطم مخيلتك بواقع يتجرد مرة واحدة امامك لتنجلي الصورة ،،، اسلوب شيق في ايصال المغزى . وفي صورة اخرى من قصة بعنوان "شجرة المرجان " "كانت الحبيبة تتبختر على الشاطيء ..ومياه البحر تعكس صورتها .. حسناء .. حورية البحر .. طلت على الشاطيء تستنشق عبير الهواء .. ولكن البحر لا يحب كل فخور مختال.. فهو الذي علم التواضع .. وكرم العطاء .. حمل على سطح مائة .. القارب والسفينة والمركب .. وأعطى الصياد السمك .. والغواص اللولي والمرجان وكل جائع من خيراته طعاما" ص(108) . وفي نهاية القصة بعد ان تنتهي العاصفة القوية ،،، التي كادت تؤدي بالمركب الى نهاية ماساوية للقصة ،،،تنقلب الصورة رأسا على عقب فيقول : "نزلت الحسناء من المركب تمشي الهوينا .. فقد علمها البحر التواضع .. وحسن العطاء . واخذت منها العاصفة البخترة والاختيال والكبرياء" . تتقمص الفتاة في قصصه كل مرة صفة من الطبيعة فتارة تجدها وردة " هكذا قال البستاني ودمه ينزف من اصبع علقت به اشواكي .. والغفران يقف خاشعاً.. يسبح مبهوراً بشذى عطري ... والطيف هدية الشمس جمال الواني ..." ص(120) فالغفران يقف خاشعا كانه عبد مبهور بشذى عطر،،، وتارة اخرى عصفورة تستمع للحن حسون ،، "... الى أن أسكرها الطرب ذات ليلة وذهبت لتعيش معه ... وعادت لتركض الايام والعصفور الحسون يسمعها كل ليلة نفس اللحن .. ونفس الاغنية ... فطلبت منه ان يغير ويبدل في اللحن والصوت .." الطرب يسكر ،،، صورة في غاية الروعة ،،، ص(238) ،،، ومرة يمزج الصورتين معا فيقول " وردة في بستان عشقها عصفور ،،، كانت توحي له باللحن الجميل ،،، فتشرق الشمس له .. مليئة بالشوق والحنين ص(250) تحار وانت تتابع صور في غاية الجمال ،،، كأن رسالة القلم هنا رسم الاحساس وانطاق الطير !!! وللوطن في قلم القاص حضورجميل ففي قصة "حامل حجر" يجسد تحدي من نوع اخر وتمرد على محتل لا يرحم طفولة في جسد شاب في مقتبل العمر لم تزل ،،، فيقول : " بعد ان انتهت محكومية الطفل .. خرج من السجن .. ولكنه كان كلما سمع عن عملية اقتحام جنود الاحتلال لحية .. كان يتشوق للمواجهة ... بعد ان اصبح العقل المدبر لاستدراج الجنود ... ونصب الكمائن " ص(257) قصة توثيقية لحالة تتكرر في وطن يسلبه الاحتلال كل معالم الجمال حتى الطفولة لم تسلم من جور وظلم . وفي نظرة على القلم وجنونه وما يبثه من شجن يوحي للقاريء بالكثير،،، يقول على لسان زوجة شاعر ضاقت ذرعا بصور خيال زوجها فيقول:"صرخات مجنونة تهزّ البيت .. أمسكت بالقلم تقصفه وتلقي به الى سلة القمامة .. هذا القلم عدوي.. هذا القلم عدوي ... وهذا الدفتر كلماته ليست خرساء .. ان صوتها بكلام الحب والغشق يخرق أذني ... ساعة لحبيبة شقراء ... واخرى سمراء .. وثالثة بيضاء ... والشعر شلال حرير ... والعيون عربية فيها سواد الليل ..." خصام يودي بسكون بيت الشاعر وجمال ورونق حياته ،،، قصة رائعة لقلم صادق ما تلبث الزوجة في النهاية ان تدرك سوء تقديرها وتعود ثانية حياة الوئام بعد طول خصام،،، كأن القاص هنا يلتمس عذراً للشاعر مهما غرر به قلمه وابعده عن حياته الواقعية،،، من قصة بعنوان "عشقت جنونها" ص(266). تنتهي من المجموعة لتعود ثانية تتفقد بعضا من جمال حضورها فتقف عند قصة كأنها ملخص مفيد بعنوان "الحب لا يموت " فيقول فيها : "وقف في العراء منتعشاً قلبه .. يأخذ نفساً عميقاً ويعلو بالفرحة صوته .. واخيرا تخلصت من الحب.. احضني يا نسيم الحرية .. أشتاق أن تعيرني جناحيك أطير ..." ...الى ان يعكس النظرة كاملة فيقول : "ليتك صبرت حتى تتأكد فأنت دون شهيق عبير الحب تضمر رئتيك وتموت" ص(265) تناقض يحكم الحب ،،، كانه يهمس في اذنك "لا بد أن تعيشه بكل تناقضاته تلك" ،،، تجسيد لفكرة راودت القاص في معظم قصص المجموعة ،،،راقت لي فأحببت ان تكون شاهداً على جمال الفكرة وشموليتها.