يصدق هذا الوصف على ما قد يحدث داخل الوزارة أو الجهة الحكومية الواحدة، عندما تتبنى الشيء ونقيضه تماماً في آن معاً، وعلى الدرجة نفسها من الجديّة والأهمية! وتتوج تناقضات بتدوينها بفخر في تقارير منجزاتها الذهبية السنوية! بالأمس القريب نظمت الرئاسة العامة لرعاية الشباب ما اتُّفق على تسميته ب"ملتقى الشباب" على منتزه عام بكورنيش مدينة جيزان الجنوبي، وسبقته ببضعة أيام آلة دعائية وإعلانية ضخمة، ملأت ميادين وشوارع المنطقة بلوحات مثيرة للانتباه بفضل ما حملته من مشاهد لعروض سيارات معدّلة أُضيفت لها تقنيات هيدروليكية الترقيص ومهارات التشليع والسير على عجلتين لمسافات مختلفة! بينما كانت الأهداف المدونة على أجندة الملتقى توعية الشباب وتثقيفهم وفتح قنوات للتعارف وتنمية المعارف والمهارات، إضافة للوقوف على بعض من الجوانب السياحية والتراثية بالمنطقة! وللحقيقة، فإن أحداً لا يستطيع إنكار ما حققته عروض السيارات التي طغت على ما سواها من جاذبية وجماهيرية، ضاقت بها المساحات، وأغلقت لها الطرقات بفضل براعة شبان حضروا "خصيصاً" لعرض مهاراتهم بتقديم عروض خطرة بقيادتهم الجريئة لمركبات تم تطويرها وتعديل وظائفها خصيصاً، بصورة تعد مخالفة صريحة فاضحة لشروط ومواصفات المركبات المستوردة والسائد استخدامها في السعودية! ولكنها حققت مقصد ومرام منظمي الفعاليات بما نالته من تصفيق ألهب أكف الشباب والمراهقين، وصفير مزّق الحناجر؛ ليعودوا إلى أسرهم فرحين مندهشين بما شاهدوه، وقد منوا أنفسهم بأقرب الفرص لتطبيقه! رعاية الشباب برعايتها مثل هذه الفعاليات وتسخيرها إمكاناتها وطاقاتها كافة لتروج ثقافة الاستعراضات المجنونة! تحرض الشباب دونما قصد على الجرأة بعمل إضافات خطرة على مركباتهم الخاصة، قد تودي بأرواحهم، وتنعكس سلباً على أمن وسلامة البشر على الطرقات! كما تشجع على التهور والمغامرة التي تستنزف محاولات وقفها الكثير من جهود وأوقات الأجهزة الأمنية! قد يقول قائل: إن الملتقى وفر فرصاً للشباب للالتقاء بعلماء ومشايخ، منهم الشيخ الدكتور سعيد بن مسفر في محاضرة قيمة مفيدة، تتمحور حول قضايا الشباب وشؤونهم وشجونهم! وهنا أجيبه: ما من شك في قيمة محاضرة الشيخ سعيد وما يمثله من قامة سامقة للداعية المؤثر والخطيب المحبب عند الكثير من مختلف شرائح مجتمعنا، غير أن ما جعل تلك الفعالية الطيبة ثانوية هو التركيز الإعلامي والدعائي على عجائب وغرائب السيارات، وهو ما يستهوي السواد الأعظم من الشبان والمراهقين، خاصة من لم يروا مثلها من قبل، وهم بالفعل من ضاقت بهم ساحات العرض والشوارع من حولها حدّ الاختناق! وليست قاعات الفكر والثقافة وحيث منبر لم يشر إلى موقعه ولو بسهم على لوحة إرشادية! ما كان لينبغي لمؤسسة ترعى الشباب الذي يمثل أكثر من 60 % من الشعب، باعتبارهم اللبنة الأساسية في بناء وطنهم وتنميته، أن تضع على قائمة برامجها فعاليات عبثية وغير محمودة النتائج! وكان الأحرى بها وضع خطط متقنة على أسس علمية لاستيعاب الطاقات والمواهب الشابة الراغبة في مثل تلك الأنشطة الخطرة داخل حلبات مجهزة بمستلزمات السلامة كافة وأعلى درجات الأمان كما هو الحال في أقطار العالم المتقدم وفي دول مجاورة شقيقة أيضاً! وحتى لا ينعكس تناقض الأهداف مع البرامج الفعلية بحالة ازدواج في مفاهيم جيل الشباب الذي يعول عليه الكثير من منجزات مستقبل هذا الوطن العزيز الغالي.