يحكى أن هناك رئيساًفي اليمن يدعى عبد ربه منصور هادي أتى بعد ثورة شبابية، انتهت بمبادرة خليجية جعلتمنه رئسياً مؤقتاً. ويُحكى أيضاً، أن هادي، المنحدر من جنوباليمن، تأخر كثيراًحتى يقتنع أنه لم يعد مجرد نائب رئيس صوري اختاره الرئيس السابق، علي عبد الله صالح،لضعفه، وأنه أصبح في أهم منصب في البلاد ويتوجب عليه حل مشاكل اليمن أو بعضها علىالأقل. في سلوك الرئيس المؤقت،والساعي إلى التمديد لفترة رئاسية إضافية برعاية خليجية – دولية، الكثير مما يوحيأنه يقوم بالعكس من ذلك. الحوارالوطني، انطلق في شهر آذار/مارس من العام الماضي وكان يفترض أن يستمر لستة أشهرفقط، يتولى خلال هذه المدة أعضاؤه وضع الحلول لعدد من القضايا العالقة، وفيمقدمتها تحديد شكل الدولة والقضية الجنوبية في ظل المطالبات بقك الارتباط بينالشمال والجنوب، لكن ها هو الحوار قد انهى الشهر العاشر ويقترب من نهايته مكللاًبفشل ذريع. جميعالقضايا التي كان يفترض أن توضع لها الحلول عبر الحوار ازدادت تعقيداً خلال الأشهرالماضية. يمل البعض من ما يعتبره "نغمة" أن التهيئة الصحيحة للحوار كانتكفيلة بإنجاحه، لكن كل يوم يمر على هذا الحوار تتأكد صحة هذا الأمر، إذ أن فرصنجاح الحوار، تكاد تكون معدومة، وخصوصاً في ما يتعلق بالقضية الجنوبية. محاولةتزوير الواقع وإضفاء الأجواء الإيجابية هي أشبه بمحاولة بث الحياة في جسد ميت. أمامن يتحمل مسؤولية فشل الحوار، فأمر لا يحتاج إلى الكثير من البحث. الاجابة عن هذاالسؤال تقود حكماً إلى هادي، كطرف رئيسي، وإن كانت لائحة المتواطئين معه في تحقيقذلك تطول لتشمل المجتمع الدولي، وتحديداً عبر مبعوثه جمال بن عمر، ومختلف المكوناتالحزبية ومراكز القوى التي شاركت في الحوار وارتضت بجميع الاخطاء التي ارتكبتباسمه. قديتساءل البعض ما الذي يدفع هادي لتأزيم الأوضاع وما الذي يمنعه من إرساء حل عادلللقضية الجنوبية ويهدر الآمال التي علقت عليه حتى من أبناء الجنوب أنفسهم. معانتخابه في شباط/فبراير 2012 كان يمكن ملاحظة انقسام في الشارع الجنوبي. كان هناكمن يرى أن هادي ليس سوى امتداد لحكم صالح ونظرته إلى الجنوب وخصوصاً أنه كان منأبرز الشخصيات الجنوبية المشاركة في حرب إعادة فرض الوحدة بالقوة في عام 1994وبالتالي هو بمثابة خصم لنائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض الذي أعلن فيحينه الانسحاب من الوحدة ويعد حالياً أبرز الشخصيات في الحراك الجنوبي . فيالمقابل، كان هناك من يتأمل فيه خيراً وأنه مهما بلغت الأمور من سوء سيكون أكثرفهماً للجنوب ومحاولة علاج قضيته من "السياسيين الشماليين". لكنهادي للأسف أثبت العكس تماماً. اقتصرت كل جهوده ما قبل الحوار على قرارات أشبه بفقاعاتكانت تتبخر، اذ وقع هادي في غرام تشكيل اللجان تلو اللجان والتي لا يسمع عنها أحدإلا لحظة تشكيلها لتغيب لاحقاً وتختفي معها أي معالجة حقيقة لمطالب الجنوبيينالعادلة وتحديداً الشق الحقوقي منها. أمامع انطلاقة الحوار، صحيح أن هادي نجح في استمالة القيادي الجنوبي علي محمد أحمدللمشاركة في الحوار مع مجموعة أخرى من الجنوبيين المحسوبين إسمياً على الحراكالجنوبي، لكنه كان يدرك جيداً أن هذه الشخصيات لا تمثل الحراك المطالب بفكالارتباط. رغمكل ذلك عندما بدأت ملامح الخلافات مع محمد علي أحمد لجأ هادي من جديد إلى الأمواللشراء شخصيات من فريق أحمد والحفاظ على تمثيل صوري للحراك الجنوبي. وإنكان يمكن تقبل ذلك في إطار المناكفات السياسية بين الشخصيات الجنوبية، فإن ما لايمكن فهمه صمت هادي إزاء التصعيد الأمني غير المسبوق في الجنوب وتحديداً في الضالع. خلالأقل من شهر ارتكب اللواء 33 مدرع بقيادة عبد الله ضبعان مجزرتين راح ضحيتهما مدنيون. يبدوهادي كمن يتفرج بتلذذ على نهر الدماء الذي يسيل في الضالع، وإلا كيف يمكن تفسيرعدم محاسبة ضبعان حتى اللحظة، والأهم لماذا نقل الأخير مع لوائه المعروف بأنهالمسؤول الأول عن الانتهاكات الأمنية التي ارتكبت في تعز إبان الثورة الشبابية إلىالضالع. التفسيرالوحيد للأمر من وجهة نظر البعض أن هادي يدير الأمور في الجنوب بمنطق الثأر أوالتأديب للخصوم، ولذلك لم يكن مصادفة عودة الحديث عن أن هادي يتعامل مع الضالع فيمنطق انتقام الطغمة من الزمرة، في إشارة إلى المعسكريين اللذين انقسم بينهماالاشتراكيون عندما استفلحت الخلافات بينهم في الجنوب قبل الوحدة، إذ كان هادي يحسبعلى الطغمة بينما البيض على الزمرة. هذهالتصرفات إذا ما استمرت على هذا المنوال، ستجعل من هادي يستحق لقب الرئيسالانتقامي وليس الانتقالي، فيما يبقى التساؤل الأهم كيف يمكن لرئيس يدير البلادبهذه العقلية وهذه الممارسات أن يكون جزءاً من الحل وأن يقود اليمن خلال السنواتالمقبلة للعبور نحو مستقل أفضل في ظل التوجه للتمديد له؟ نقلا عن صحيفة المدن اللبنانية عدن اوبزيرفر