ابحث في اسم الكاتب تاريخ النشر: 25/02/2014 إلى حدود بعيدة يبدو ما جرى ويجري في كييف شكلاً من أشكال إرتدادات الحرب الباردة بين روسيا والغرب . تفكك الاتحاد السوفييتي لم ينهِ هاته الحرب، كما بدا في الظاهر، وإنما ألبسها لبوساً جديداً فرضه الظرف الجديد الذي كفت فيه روسيا عن أن تكون اشتراكية، ولكن ليس بوسع روسيا أن تكف عن كونها حقيقة جيوسياسية مختلفة عن بقية أوروبا . روسيا كانت هكذا في عهد القياصرة الذين أقاموا إمبراطورية ممتدة تربعت على أراض شاسعة في أوروبا وفي وسط آسيا وما وراء القوقاز، وروسيا ظلت كذلك في عهد البلاشفة، بل إن ستالين أدخل جمهوريات البلطيق الثلاث في عداد الاتحاد السوفييتي، في اتفاقية يالطا الشهيرة بين المنتصرين في الحرب العالمية الثانية . وروسيا بقيت على هذا في عهد رجلها القوي الجديد فلاديمير بوتين، سليل المؤسسة السوفييتية والمشبع بروحها وتقاليدها، وإن أنكر . من التسطيح اختزال "حريق كييف" في خانة مواجهة بين سلطة حاكمة وبين معارضة تحمل شعارات عادلة، وبلغت الحماسة ببعض محللينا للقول إن ما جرى في أوكرانيا هو محاكاة للربيع العربي، من حيث الاحتشاد في الساحات لأيام أو أساببع، ناسين أن كييف، لا غيرها، شهدت مثل هذه الحشود قبل سنوات من اندلاع "ربيعنا" العربي المشكوك في أمره حتى اللحظة، وأن الرايات والقمصان البرتقالية التي أصبحت فيما بعد موضة في المسيرات والاحتجاجات إنما هي، في الأصل، اختراع أوكراني . الاستدارك هنا واجب، فالكثير مما تطالب به المعارضة الأوكرانية عادل ومشروع، فمن يطيق استشراء الفساد ويرفض محاربته؟ ومن يرفض المزيد من الحريات السياسية وتوسيع الفضاء الديمقراطي؟ ولكن يتعين ألا ننسى أن الأوكرانيين جربوا حكم المعارضة التي احتشدت في الميادين وحرقت المباني الحكومية، فلم تكن أكثر "نظافة" من الحكومة التي أطاحت برئيسها فيما وصفه الروس ب"الانقلاب"، فلا الفساد في عهدهم نقص، ولا الحريات زادت . لكي نفهم أبعاد حريق كييف أكثر، علينا التوقف ملياً أمام الحماسة الغربية منقطعة النظير في دعم المعارضة . ففي كييف تجري معاقبة روسيا على دورها المتزايد على الصعيد الدولي، حيث تسجل اختراقات مهمة على حساب النفوذ الغربي في الشرق الأوسط وفي غيره أيضاً . لسان حال الغرب يقول للروس: الضربة أتتكم من حيث لا تحتسبون، في الخاصرة الأوكرانية الموجعة، في البقعة الأهم من الحزام السلافي المحيط، ثقافةً وتاريخاً وسياسة ومصالح اقتصادية . د . حسن مدن [email protected] الخليج الامارتية