خارج المستطيل الأخضر لملعب «النور» سيدير رقعة الشطرنج في أهم مباراة هذا الموسم اثنان من أهم العقول في عالم التدريب، أحدهما يحظى بالخبرة الطويلة، والثاني يملك القدرة على الحسم في النهائيات. عامل الخبرة ينصب دون شك لمصلحة الإيطالي الهادئ كارلو أنشيلوتي مدرب ريال مدريد الإسباني، فقد سبق له التتويج بدوري أبطال أوروبا مرتين مع ميلان في 2003 و2007، وخسر نهائي آخر بطريقة درامية في 2005 أمام ليفربول الإنجليزي. وفضلاً عن ذلك، حمل كارلو الكأس ذات الأذنين مرتين أخريين كلاعب لنفس الفريق الإيطالي في 1989 و1990، لذا يتطلع للخماسية ليل اليوم في لشبونة. على الجانب الآخر يملك الأرجنتيني دييغو سيميوني، مدرب الجار اللدود أتلتيكو مدريد، عنفوان الشباب والحماس المفرط مع إجبار لاعبيه على الالتزام الدقيق بالواجبات المنوطة لكل منهم، كما أنه يجيد استغلال التفاصيل التي تحسم المباريات النهائية. ولم يخسر سيميوني أي نهائي من مباراة واحدة "من دون طريقة الذهاب والإياب"خلال حقبته الأوروبية كمدرب لأتلتيكو. الفوز والمتعة وتعهد كارلو أنشيلوتي بمزيج من كرة القدم الجذابة والألقاب حين عين مدرباً لريال مدريد وهو أمر استعصى على المدربين في أغنى أندية العالم من حيث الإيرادات. ورغم أنه لم يحقق ذلك بشكل مستمر في ريال فإن المدرب الإيطالي يقف على بعد خطوة واحدة من قيادة النادي العملاق لتعزيز رقمه القياسي بالفوز باللقب الأوروبي للمرة العاشرة وهو شيء فشل النادي في تحقيقه منذ آخر انتصاراته في 2002. وفاز ريال هذا الموسم بكأس الملك. ولولعه بقيادة ريال للفوز باللقب الأوروبي للمرة العاشرة استقطب فلورنتينو بيريز رئيس النادي المدرب الإيطالي أنشيلوتي من باريس سان جيرمان ليخلف جوزيه مورينيو الذي أنهى الموسم الماضي بلا أي لقب كبير. وأنشيلوتي الذي تصفه وسائل الإعلام الأسبانية بالهدوء الشديد شخصية مختلفة تماماً عن مورينيو الذي دخل في خلافات مع لاعبين بارزين وانقسم الجمهور بسببه وتوترت علاقته مع الصحافيين. ويتعامل أنشيلوتي مع أسخف الأسئلة في المؤتمرات الصحافية بطريقة ساحرة وبدا مقبلاً على المقابلات أكثر من مورينيو الذي كان نادراً ما يتحدث خارج الالتزامات الصحافية المفروضة. آثار مورينيو وربما يكون أحد أهم إنجازات أنشيلوتي الطريقة التي وحد بها التشكيلة التي مزقها التشتت تحت قيادة مورينيو. وعلى وجه الخصوص تألق كريستيانو رونالدو مع أنشيلوتي وهو الذي كان أحد أهم اللاعبين الذين اختلف معهم مورينيو. ويملك رونالدو قائد منتخب البرتغال الفرصة لإضافة المزيد إلى حصيلته البالغة 16 هدفاً في المسابقة القارية هذا الموسم حين يقود ريال ضد أتلتيكو. وقال رونالدو بعد انتصار ريال الساحق على بايرن ميونيخ حامل اللقب 4- 0 في ألمانيا في إياب الدور قبل النهائي الشهر الماضي «يستحق أنشيلوتي الإشادة. لقد غير كل شيء. لقد غير عقلية اللاعبين». وأنشيلوتي الآن عمره 54 عاماً وكان لاعب وسط امتاز بالقوة في أندية منها روماوميلانو وهو واحد من ستة فازوا بلقب كأس أوروبا كلاعبين ومدربين. وفاز أنشيلوتي بكأس أوروبا مرتين متتاليتين مع ميلانو في 1989 و1990 قبل أن يبدأ مشواره التدريبي مع ريجيانا. وبعدما تولى تدريب ميلانو في 2001 قاد أنشيلوتي الفريق الإيطالي للفوز بدوري الأبطال في 2003 و2007 ووصل به أيضاً للنهائي في 2005 . كما انتقل إلى تشيلسي حيث فاز بثنائية الدوري الإنجليزي الممتاز وكأس انجلترا في موسم 2009-2010. وأقيل أنشيلوتي من تدريب تشيلسي بعد موسمين فانتقل إلى باريس سان جيرمان حيث قاده للفوز بالدوري الفرنسي للمرة الأولى في 19 عاماً في موسم 2012-2013 قبل أن يوقع عقداً لتدريب ريال لثلاث سنوات. والآن أمامه فرصة ليصبح ثاني شخص فقط بعد بوب بيزلي مدرب ليفربول السابق يفوز بدوري الأبطال ثلاث مرات كمدرب. ويعد مدافع ميلانو وإيطاليا السابق باولو مالديني واحداً من أشخاص عديدين أكدوا قدرة أنشيلوتي الفريدة على توحيد اللاعبين. وقال مالديني العام الماضي حين اختير أنشيلوتي لتدريب ريال «بالطبع من بين جميع المدربين الذين عملت معهم كان الوحيد الذي قاد التشكيلة بكل هدوء». وأضاف «السر في نجاحنا كان تصرفاته الطبيعية. لم يكن من أولئك الذين يعملون بشكل منفرد وهذا يظهر ذكاءً كبيراً. لهذا السبب سيفوز بالألقاب أينما ذهب.. مع ميلانو أو تشيلسي أو ريال مدريد». شخصية جادة وأصبح أتلتيكو مدريد يعكس سمات مدربه دييغو سيميوني كفريق فائق التنظيم دؤوب لا يكل وشديد الالتزام ولا يتوقف عن الكفاح. ولا يكف سيميوني عن الحركة والصياح خارج الخطوط مرتدياً على الدوام حلة رسمية سوداء تمنحه إطلالة أشبه برجال العصابات بينما يكافح لمزاحمة ريال مدريد وبرشلونة على عرش كرة القدم في أسبانيا. ورفض المقاتل الأرجنتيني القبول في العلن بأن أتلتيكو بموارد أقل بكثير من منافسيه سيكون قادراً على الوقوف في وجههما طيلة الموسم لكنه بالجهد وبطريقة المقاتلين أصبح جاهزاً للتحدي. وبفارق كبير بدا أتلتيكو الفريق الوحيد صاحب المستوى الثابت بين الفرق الثلاثة المنافسة على اللقب في دوري الدرجة الأولى الأسباني وبنى طريقة لعبه على تشكيل دفاع صلب والضغط على المنافس بطول الملعب. وكان الهدف الذي أحرزه دييغو غودين بضربة رأس في برشلونة ومنح أتلتيكو التعادل وتوجه بطلاً للدوري الأسباني مثالاً آخر على الألعاب الثابتة التي يجيدها الفريق، وأكد الأهمية التي يوليها سيميوني للاستراتيجية. واعتاد سيميوني النظر لما هو أبعد أثناء المباريات حيث يخمن ما سيقوم به المنافس ويستعد للقيام بتغيير سواء في اللاعبين أو في طريقة اللعب. بداية النجاح وتضم تشكيلة أتلتيكو عدداً كبيراً من اللاعبين الذين لم يجربوا النجاح قبل وصول سيميوني الذي نقل إليهم عقلية الانتصار وفلسفة التعامل مع كل مباراة على حدة. وعين سيميوني في نهاية 2011 والفريق يكافح في الدوري وظهرت بصماته على الفور ليتقدم أتلتيكو في جدول الترتيب ويصل للمركز الخامس قبل أن يهزم اتليتيك بيلباو ويفوز بكأس الأندية الأوروبية. وعبر سيميوني عن نفسه حين قاد أتلتيكو للتفوق على تشيلسي في كأس السوبر الأوروبية ليعلن جاهزيته للمنافسة مع الكبار في القارة. وفي علامة أخرى على ما سيأتي فاز أتلتيكو بكأس ملك أسبانيا بالتفوق 2-1 على ريال في النهائي. وقال سيميوني أخيراً في مقابلة مع الإذاعة الأسبانية «نظهر أنه بالعمل يمكنك المنافسة. هناك الكثير من المشجعين في مدريد وبرشلونة الذين قدموا لي التهنئة على ما نحققه وهذا يشعرني بالفخر». وأظهر سيميوني الروح القتالية نفسها التي ظهرت منه كلاعب مع أتلتيكو حين قاده للفوز بثنائية الدوري وكأس الملك في 1996. وأصبح المدرب الأرجنتيني محبوب الجماهير بفضل طريقته التي تطورت في بلده حيث صعد في صفوف فريق الشباب ثم الفريق الأول في فيليز سارسفيلد. البيان الاماراتية