إبراهيم الملا (الشارقة)- يحمل مهرجان الفنون الإسلامية في دورته الخامسة عشرة، والمقام حاليا في الشارقة، العديد من التنويعات والإسهامات التشكيلية التي تقتبس من ثراء وروحية الفن الإسلامي ما يعينها على خلق إبدالات وابتكارات معاصرة لهذا المعطى البصري القادم من تراث راكز ومتجذّر، والمتوائم في ذات الوقت مع الأنماط البنائية الحديثة بمحتواها المفاهيمي، أو التركيبي الموزع على ضفتي التعيين شكلا والتأويل ضمنا. وتعكس المشاركة في هذا المهرجان الذي يضم خمسة وأربعين معرضا محليا ودوليا تمثل ثماني عشرة دولة، الزخم العرفاني للتاريخ وجاذبية الذاكرة الجمعية والبحث الذاتي ومكونات الإبداع المعاصر وسط بوتقة مشتركة من المعارف الوجدانية المتقاطعة، والأخرى المتوازية التي تفصح في النهاية عن التواتر والتنوع والتطور والاستمرارية الباذخة للفن الإسلامي في أصقاع الدنيا المختلفة. وحول الأهمية الثقافية لهذا المهرجان التخصصي في مبناه والشامل في معناه، يشير هشام المظلوم مديرة إدارة الفنون بدائرة الثقافة والإعلام والمنسق العام للمهرجان في لقاء مع "الاتحاد" إلى أن مهرجان الشارقة للفنون الإسلامية في دورته الحالية يتجه لتحقيق التوازن بين فنون راسخة أكدت جدارتها من خلال الطرح الأصيل المستند في جانبه الأكبر على أسس وجماليات ضابطة، وفنون أخرى تبدو في هيئة معاصرة كونها تطرح جملة من المفاهيم الآنية اعتماداً على قدراتها في استلهام معطيات الفنون الإسلامية، مضيفا أن هذه الفنون المتفّردة في محتواها وطبيعتها باتت تشتغل على إعادة تأسيس هواها التشكيلي وتكوينها الفني عبر تقنيات ووسائط تمتاز بالابتكارية والروح العصرية، التي تتسيدها التكنولوجيا الرقمية، فأتاحت لكثير من الفنانين مساحات شاسعة لتقديم أعمال بصرية ناجزة وقادرة على إثارة الدهشة، وشحذ المخيلة الراهنة والمتوالدة أيضا من استرجاعات ونداءات الماضي. وأوضح المظلوم أن نشاطات وبرامج المهرجان لم تقتصر فقط على مدينة الشارقة التي تعتبر قلب ومرتكز الفعاليات الفنية الكبرى، ولكنها امتدت أيضا للمناطق التابعة لها، مثل خورفكان وكلباء ودبا في المنطقة الشرقية، ومدينة الذيد في المنطقة الوسطى لخلق حالة من التنويع الجغرافي، والاستفادة المشتركة بين كافة القطاعات والشرائح المجتمعية، مما تقدمه هذه النتاجات الباهرة التي أفرزتها الفنون الإسلامية عربياً وإقليمياً ودولياً. ويشتمل المهرجان على أربعة معارض أساسية لقيت متابعة خاصة وصدى إيجابيا من مرتادي المهرجان، وهذه المعارض هي معرض : "أربع كلمات من الشرق" للفنان رشاد أكبروف من أذربيجان، والذي قدم أعمالاً تركيبية مدهشة قام بتوليفها من مواد مستهلكة، ووضعها أمام مصدر ضوء لتظهر بظلها على الحائط كلوحة جديدة منطبعة بتكوينات مهيبة وثرية ومفارقة كليا للعناصر والأبعاد الأصلية، حيث تمنح اللوحة الجديدة المنطبعة بظلالها على الحائط بعداً روحياً فاتناً وتشكيلات بنائية تقدم الموهوم على المعلوم، وتمتدح الفضاء المتخيل والمتأجج على حساب ما هو واقعي وخامد. المعرض الثاني الذي يمكن الإشارة إليه كأحد التجارب المتقدمة في المزج بين الشكل الظاهري والمحتوى الضمني هو معرض :"أسود و أحمر" للفنان البانجلاديشي المولود في بريطانيا روح العالم تعلقدار الذي تعامل في معرضه مع مختلف الوسائط والفنون البصرية الحديثة، مثل الفيديو والتصوير الفوتوغرافي، والتصميم والطوبوغرافيا والتقنيات الرقمية لينقل الخط العربي والتشكيل الحروفي إلى مستويات بصرية باهرة ومبتكرة تضيف للشكل التزييني المؤطر للكلمة والحرف والمفردة العربية، وتدفعه إلى حقول جمالية غاية في الأناقة الاعتبارية، والاحتشاد اللوني، والمغامرة الجمالية، المتصلة كلها في النهاية بخصوصية الكتابة العربية وما يعتمل فيها من جنوح نحو المطلق وأعماق المعنى الإيماني والعرفاني. أما معرض" اقتباس" للفنان الإيراني باباك كاظمي، فيقوم على استثمار فن التصوير الفوتوغرافي والمنمنمات والتجليات البصرية للسجاد اليدوي الإيراني، من أجل ابتداع نمط من الكولاج الفائض بمدلولاته الحسية والانطباعية المتعلقة بمدينة الأهواز التي ينحدر منها الفنان ويستلهم منها ذاكرة الطفولة المنقسمة بين البراءة والعنف، والدعة والرعب، والهدوء والصخب ، وهي تناقضات توالدت وتشتتت في مخيلة الفنان أثناء الحرب الإيرانية العراقية والتي كانت مدينته مسرحا لمشهديتها العبثية والمؤلمة والمروعة القابعة في ذاكرته البعيدة. وفي المعرض الرابع الذي احتضنه مهرجان الشارقة للفنون الإسلامية والذي حمل عنوان "المدينة في خاتم" للفنان التركي سيفان بيكاكي تتجلى حرفية هذا الفنان في استلهام ميراث الفن الإسلامي، خصوصا من جانبه المعماري المميز كي يعيد صياغته في نماذج مصغرة من الخواتم المشغولة بالذهب والفضة والأحجار الكريمة المشعة ببهاء المظهر والجوهر، كي تتصدر وتفوح من أعماله الصغيرة هذه روائح الأسواق القديمة وجلال المآذن وطقوس المتصوفة وقدسية المساجد وجاذبية الحجر الأسود والفيوضات والانخطافات التي تعيد المشاهد إلى حضرة التجلي والتماهي في الفن، و تجعل الفن ذاته مزارا دائما للعين والقلب والبصيرة النافذة. وكان مهرجان الشارقة للفنون الإسلامية الذي تنظمه إدارة الفنون بدانة الثقافة والإعلام بالشارقة، افتتحه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة بمتحف الشارقة للفنون في الثاني عشر من ديسمبر الجاري، ويستمر حتى الثاني عشر من يناير المقبل، بمشاركة واسعة من الفنانين المحليين والعرب والأجانب الذين جاؤوا بحصيلة وافرة من الخبرة التزيينية التي تغرف من خيال خصب ومتمكن وعارف بأسرار وخبايا الفن الإسلامي العريق، واحتوى هذا الحدث الفني الكبير على 1700 عمل بصري وحروفي وتركيبي، توزعت تخصصاته ومدارسه وأساليبه بين اللوحة، والفيديو، والمجسمات، والأعمال التركيبية، وكذلك أعمال تنتمي للفنون التطبيقية، مثل الجرافيك، والخزف، والحلي، والسجاد.