وجه الكاتب السياسي اليمن الدكتور محمد جميح رسالة إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي، داعياً إياه إلى لقاء الرئيس السابق علي عبدالله صالح والإتفاق معه والتعرف على مايريد. وخاطب جميح الرئيس هادي في رسالته التي نشرتها صحيفة «القدس العربي» قائلا : «دعني أخي الرئيس أعود إلى يوم 21 فبراير 2012 الذي خرج فيه ثمانية ملايين يمني يحدوهم الأمل في عهد جديد لانتخابك، والذي لم يكن يوماً سعيداً لك وحدك ولكن للملايين الثمانية من اليمنيين الذين صوتوا وصوت معهم لك. لم نصوت أخي الرئيس لهادي الشخص، قدر ما صوتنا لهادي الأمل والحلم والرجاء في التغيير والمستقبل الأفضل. صوتنا لهادي الأمن والسكينة والخروج من المآزق المتراكمة، صوتنا لهادي اليمن الجميل الذي ظل إلى اليوم حلماً يستعصي على التحقق، صوتنا لك ونحن نلحظ دعماً شعبياً وإقليمياً ودولياً، لا أظن أن رئيساً يمنياً قبلك حظي به». وأضاف : «اليوم وبعد أكثر من سنتين على رئاستك، مجرد السؤال عما بقي من هذا الزخم والحلم والأمل الذي كان في قلوب الناس، مجرد السؤال أصبح مقلقاً لي بحكم مخالطتي لفئات مختلفة من اليمنيين في الداخل والخارج»، مستدركاً : «كيف سمحنا أخي الرئيس للزخم الكبير أن يتسرب بدون أن نستغله؟ كيف حولنا عوامل القوة في أيدينا إلى عوامل ضعف؟ كيف بددنا الأمل الذي امتلأت به قلوب الناس يوم 21 فبراير 2012، لتحل محله حسرة، وخوف على مستقبل البلاد برمتها». وتابع قائلاً : «بالأمس – أخي الرئيس – استشهد واحد من أنبل القادة العسكريين، وأشجعهم، هو العميد حميد القشيبي، وهو يخوض معركته ضد جحافل الظلام القادمة من السراديب المظلمة التي يختبئ فيها من يبعث بأبناء اليمن إلى مصارعهم، بدون أن تواتيه الشجاعة للخروج من هذه السراديب، وخوض المعارك مع أنصاره». واستطرد : «كيف بالله عليك – أخي الرئيس – يترك حميد القشيبي يقاتل وحده شهوراً طويلة، بدون أن تهب لنجدته ولو قوة محدودة من مئات الألوية التي يملكها الجيش اليمني؟ كيف نظرنا إليه وهو يتحدى الموج وحده، وقد منعه شرفه العسكري أن يطلب المساعدة من أحد؟ كيف نترك خيرة الرجال لنتمسك بساسة ومستشارين، لو صدقوا معك، أو أحسنوا النصح لك لما وصلنا اليوم إلى ما وصلنا إليه»؟ وقالت رسالة جميح : «لا أخفيك أخي الرئيس أن استشهاد العميد حميد القشيبي جعلني أوقن أن هذه البلاد تقتل المخلصين من أبنائها، في المؤسسات العسكرية والأمنية والسياسية من الذين ذهبوا وتركوا دماءهم على رقابنا جميعاً نحن الذين خذلناهم، وتركناهم يخوضون معارك الشرف منفردين أمام طوفان التتار الجدد. إن استشهاد العميد القشيبي على قدر ما يمثل منتهى البطولة والثبات في ميادين الشرف، فإنه كذلك انعكاس لخنوع وضعف وتآمر من خذلوه في مؤسستي الجيش والأمن. وقبل القشيبي استشهد سالم قطن على يد «القاعدة» ومئات الرجال الرائعين ليبقى أصحاب الكروش المنتفخة في هاتين المؤسستين». ومضى قائلاً : «خسائرنا لا تنحصر – أخي الرئيس – في رحيل قيادات عسكرية مهمة، فالدمار يطال حتى نفوسنا وأرواحنا التي تشوهت بفعل مجرى الحياة اليومية المضرجة بالدم والبكاء على الراحلين، في بلاد تأكل أبناءها الرائعين، ويأكلها أسوأ أبنائها على الإطلاق». وزاد : «ربما يقول لك البعض إن الصراعات التي تدور هنا وهناك جيدة لإضعاف المتصارعين تمهيداً للقضاء على مراكز القوى، وهذا رأي غير سديد على الأقل من وجهة نظري لأن الصراعات لا تضعف المتصارعين قدر ما تقويهم وتمرنهم أكثر على جولات قادمة، عدا عن أنها تخلق أجواء مشحونة تؤدي إلى صراعات مستقبلية وثارات لا تنتهي»، مستفيضاً : «ربما قال لك أحد بحسن نية أو سوئها – لا فرق – إن الدولة ينبغي أن تكون محايدة، وهذه مقولة لم أسمع بها إلا في بلاد العجائب اليمن، إذ كيف تكون الدولة محايدة إزاء القيام بمواجبها في فرض هيبتها أمام كل الأطراف، وحضورها على كامل ترابها الوطني». وقال جميح مخاطباً الرئيس: «يتحدث الكثير في اليمن وخارجه عن أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح هو سبب هذه المشاكل، والمنطق يقول إن لصالح يداً في ذلك، غير أنها ليست اليد الوحيدة، فالفريق الحاكم مسؤول بدرجة أولى بدون أن تخلو مسؤوليته بمجرد إلقاء اللوم على صالح ونظامه السابق. لكن السؤال هنا – أخي الرئيس – هو: مادام أن صالح بهذه القوة التي يستطيع بها خلط الأوراق، فما العيب في لقاء مباشر معه ليتم التعرف على ما يريد، والوصول معه إلى اتفاق؟ علماً بأن صالح يمكن – إذا تم التفاهم معه – أن يساعد في تهدئة ملفات كثيرة، وإعادة الثعابين إلى جحورها. وفي السياسة لا توجد محظورات إلا عند أولئك الذين يعيشون في عمق الإيديولوجيا وعلى هامش ساحات المناورة السياسية». وأكد أن الخطوة التي خطاها هادي جهة الحراك الجنوبي مهمة جداً ، داعياً إياه إلى أن يجرب مثلها مع الرئيس السابق، ومع قبائل حزام صنعاء الشمالي الذي لو ضمنه هادي لصد عنه جيش التتار القادمين من مجاهل التاريخ. وأضاف : «أخي الرئيس: الوضع الاقتصادي، ليس أفضل حالاً من الأمني، والفريق الحاكم منقسم على نفسه، أصابه الشلل، أو ضربه نوع من ذهول الذين يساقون إلى مصيرهم ببلاهة منقطعة النظير، بدون ان يتحرك الفريق قبل الطوفان». واستدرك : «ليس مطلوباً من أحد في الفريق الحاكم بكافة مؤسساته أن يبذل فوق جهده. ما نطالبهم به هو بذل ربع الجهد المطلوب، أو أقل، وصدقني أخي الرئيس ان ربع الجهد فقط كفيل باجتراح المعجزة. المشكلة أن حالة الذهول التي يمر بها الفريق الحاكم تجعله لا يبذل جهداً، وإن بذله فهو جهد غير مخطط له، يذهب مع الريح، نظراً لعدم تناغم هذا الفريق، وعدم رؤيته، رغم وضوح الطريق الذي لا أحد يريد أن يسلكه. ونقطة أخرى مهمة أريد أن أذكرها هنا: يخيل لي –أخي الرئيس- أننا بالغنا كثيراً في الاعتماد على الخارج، حتى أصبح بلدنا مرهوناً لنوايا هذا الخارج التي تعرف أنها نوايا مرتبطة – حتى إن كانت خيرة – بمصالح الخارج، ونحن للأسف في علاقتنا معه نمثل في هذه المرحلة الطرف الأضعف الذي تكون معادلة العلاقات دائماً مختلة لغير صالحه». وتابع جميح : «في يدك أخي الرئيس عوامل قوة، وأوراق كثيرة يمكن أن تحركها، وما يزال بعض الأمل موجودا في قلوب الشعب الذي يمكن أن يندفع معك إلى أشواط قصوى كلما اقتربت منه وأحسست بنبضه، وطموحاته ومعاناته، ولامست فيه جمرة الانتماء والولاء لهذه البلدة الطيبة». وختم رسالته قائلاً : «أعرف أن الوضع صعب ومعقد، لكني أعرف أن الناجحين ينظرون إلى الصعوبات على اعتبار أنها فرص لا تحديات، وأن في البلد من الإمكانات ومن الخيرين ما يمكن أن يخرجنا إلى بر الأمان».