في وقت سابق قال حسن أحمد باعوم، زعيم «الحراك الجنوبي» في اليمن، لصحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، أن المشاورات جارية بشأن تنفيذ خطوات تصعيدية من أجل إعلان استقلال الجنوب واستعادة الدولة السابقة، مؤكداً في الآن ذاته، ان الاستقلال.. مسألة وقت فحسب. الثقة التي يتحدث بها «المسؤول» اليمني الجنوبي، لم تأتِ من فراغ، بل إن قراءة كامل المقابلة التي اجرتها الصحيفة معه، تشي بأن الأمور فعلاً قد وصلت (أو كادت) إلى نقطة اللاعودة، وأن الأوضاع الراهنة في اليمن، لم تكن ذات يوم مواتية لأنصار فك الارتباط، كما هي الآن، بعد أن «سقطت» الدولة (أو كادت كما يجب التنويه أيضاً) وبعد أن ثبت أن حالة الفراغ والخواء والتجويف التي اعترتها، لم تكن عابرة أو مؤقتة كما دأب نظام الديكتاتور الفاسد علي عبدالله صالح على تصويره.. بل إن «الانفجارات» المجتمعية التي اندلعت في ميادين العاصمة والمحافظات الأخرى، لم تكن سوى التعبير الأبلغ والأخير، عن فقدان غالبية الشعب اليمني القدرة على الاحتمال، بعد أن افقرتهم السياسات الاقتصادية المُصمّمة في البنك والصندوق الدوليين لبلد فقير، انهكه الفساد والمحسوبية واثخنه النهب والفوضى والارتهان لأوامر العواصم الإقليمية وتلك التي عبر المحيطات، مع سيادة منقوصة ومؤسسات مترهلة وجيش «يبدو» موحداً في الظاهر، لكن فِرَقِه والويته وأسلحته المختلفة وخصوصا الجوية والحرس الجمهوري، محجوزة للعائلة والأصهار والأقرباء وبعض النافذين من زعماء القبائل والعشائر. الأوضاع في الجنوب كانت سائرة باستمرار نحو الأسوأ، وبخاصة بعد الانتصار «الكبير» الذي حققه الديكتاتور (1994) على أبناء الجنوب العُزّل تحت ذريعة المحافظة على «الوحدة»، والتي لم تكن في نظره ونظر حلفائه، وخصوصاً شريكه في الحكم (وقتذاك) الشيخ عبدالله الاحمر، زعيم حزب التجمع اليمني للاصلاح سوى «غنيمة حرب» وليس عودة لشطر عزيز (ومتطوّر) من الوطن اضطر قادته تحت ضغط موازين القوى الدولية للقيام بخطوة ظنوا انها ستأخذ اليمن إلى مربع القوة والجدارة وخصوصاً التأسيس لمرحلة جديدة تعيد اليمن إلى تاريخه وحضارته وتمنحه القدرة على القيام بدوره الإقليمي الذي جرى تعطيله بل وسلبه بسبب تواطؤ وارتهان علي عبدالله صالح لأوامر المانحين والمتصدقين ووضعه تحت ابطهم بالرشوة والتهديد. ماذا عن اليمن الجنوبي «الجديد»؟ رغم الثقة التي يتحدث بها رئيس الحراك الجنوبي ورغم الرسائل المهمة التي انطوت عليها المسيرة الشعبية الكبرى التي دعا اليها الحراك الجنوبي الاسبوع الماضي، وكانت تعبيراً حقيقياً عن تطلعات اليمنيين الجنوبيين, الا ان الامور لا تبدو سهلة كما حاول حسن احمد باعوم تصويرها بتفاؤل ووردية، واعتبارها «مسألة وقت فحسب»، لاسباب عديدة ليس اقلها وجود معارضة «قويّة» لهذا الخيار من دول دولية واقليمية نافذة لن تتخلى عن معارضتها, إلا اذا حصلت على ضمانات بعدم عودة «الجنوب» الى الصورة وصيغة الحكم التي كان عليها قبل ذهابه الى خيار الوحدة.. هذا لا يعني بالطبع أن المعارضة الاقليمية تتخوف من ماركسية «جديدة» في الدولة «الوليدة» او احتمال تحالفها مع ورثة الاتحاد السوفياتي السابق (روسيا) بل في عدم وصول احزاب يسارية ذات خطاب قومي أو اشتراكي جديد ومختلف يغرف من تجربة احزاب اميركا اللاتينية التي استطاعت الوصول الى السلطة بغير العنف وعبر صناديق الاقتراع في انتخابات ديمقراطية وشفافة, ما أربك واشنطن وشلّ قدرتها على استعادة ممارستها الاجرامية السابقة في تدبير الانقلابات وتسليح المافيات ورعاية الفساد والاغتيالات في تلك الدول, حتى تبقى دائرة في فلك شركاتها الكبرى واستثماراتها ووكالاتها الاستخبارية. بالطبع.. سيكون مطلوباً من الدولة الجديدة -إن قامت- أن تقطع مع التيارات الاسلاموية ذات الخطاب السلفي الجهادي والتكفيري، وأن تلتزم قواعد معينة في التعاطي مع الازمات او الحرائق المشتعلة في المنطقة العربية وعلى جنباتها وتخومها.. هل يملك عبدربه منصور هادي حلاً توافقياً؟ لا يبدو ان الرئيس اليمني الذي مُنِح اكثر من فرصة، قادراً على منع الجنوب من الانفصال أو الذهاب الى عصيان مدني واحتلال لمؤسسات الدولة ومعسكرات جيشها (مصحوباً بطرد «الشماليين» من ارض الجنوب) ما يعني ان وعوده الاخيرة بالعمل على حل مشكلات الجنوب بطريقة مختلفة وجدية، لن تزيل شكوك الجنوبيين بأنه يحاول شراء الوقت، ما سيزيد من تأزيم الوضع وأخذه الى مربع آخر, قد يكون كارثياً على الجميع بعد أن غيّر الحوثيون كثيراً في المشهد وفتحوه على احتمالات عديدة, تحالفات وموازين قوى واستدراج لتدخلات اقليمية ودولية (أو تهديد بها). المثير للانتباه ان الجنرال «المهزوم» علي محسن الاحمر الذي «هرب» من اليمن بعد سقوط «فرقته المدرعة»، اقترح في مقابلة صحفية تدخلاً «مصرياً» لحل الازمة اليمنية طارحاً صيغة «10 + 1» كي تبدأ العمل من اجل اخراج اليمن من محنته.. يبدو أن أحداً لن يسمعه فقد استنفد دوره وانتهى.