اليمن السعيد. لكل شيء من اسمه نصيب إلا اليمن لم تنل من اسمها سوى احرفها الستة رغم كونها بلد المجد ومنبع الحضارات قديما. أصبحت الان مرتعا خصبا لأرضٍ تشهد التصارع السياسي ، التطرف، الطائفية ، الحروب والازمات المتكررة، فوسط ركام الحياة المتلطخ بالدماء، وشقاء الأيام، والارض المجدبة، لا زرع ولا ضرع، والجوع ينهش الكبير قبل الصغير. ومع ذلك نجد هناك من يبكر، ويبتكر؛ ليلعب ويبتسم فتوفر لعبة) الأونو، الشطرنج، الكيرم… بمتناول أيدي الاطفال فكأنما حيزت لهم الدنيا بحذافيرها، جاعلة قلوبهم في ربيع دائم ، يبتسمون ليهزموا الفقر.. إنهم الشريحة الاصغر سناً، والأكثر ضحكا ولعبا، والأقل تكدرا وتقديرا لما يحصل ويدور، ممن يحملون البراءة حد الطهر، رغم بخل الزمن عليهم وتجرعهم ويلات الحرب ومرارتها فهم أقل حظا من أبائهم ومن سبقهم أتو في زمنٍ قلَّ فيه استحسان الدنيا والعيش فيها، وكثر فيه التمني للموت. والموت الفعلي زمنا كثر فيه المصطلحات والمسميات الحربية والعسكرية، واصبحت التشبيهات المتداولة بين الاطفال بعضهم البعض من قبيل: بازوكة، قنبلة ، طائرة، صاروخ. وأصبح تراشق الدعوات بينهم: الله يبعث لك قنبلة ، بازوكة، طائرة، صاروخ. اطفالا أصبحت ثقافتهم العسكرية والحربية تفوق أي ثقافة أخرى، فما الذي بقى لهم ليتعلموه؟! وماذا يتوقع آباؤهم منهم وهم يفنون عمرهم في تربيتهم وتحسين نشأتهم ليتكئوا عليهم في زحام الحياة؟ إن لم يعترض حلمهم عارض كقناصة الموت المدججة في أًرجاء البلاد. اطفالا يكبرون وتكبر أحلامهم وطموحاتهم رغم المعاناة المرافقة لهم، لا يكبلهم الخوف واليأس بمقتضيات الواقع، جعلوا من الأمل سببا لهم لتجاوز واقعهم، هم مستقبل البلد كما قال الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو عندما سئل كيف ترى مستقبل فرنسا بعد خمسين عاما؟، فأخذ بيد سائليه إلى أقرب مدرسة وأشار إلى طلابها قائلا: هؤلاء فرنسا بعد خمسين عاما. اطفالٌ حالمين يلتفون حول خاصرة اليمن البلد المتهالك والممزق. فلا تكون مدخلاتهم عسكرية وحربية، ونتوقع منهم الأفضل، فلنحسن الغرسة، ونستبشر الخير، مستشرفين المستقبل؛ لنحصد منهم الجميل، فمهما توارى الحلم في أعينهم وآرقهم الأجل، لازالوا يلمحون في رماد العمر شيئا من أًمل، فليعيدوا لبلادهم حروف أبجديتها الضائعة .