توطئة نحيي أوجاعك التي تنثرها كتابة ونثراً، غير أنها في مقالك الأخير ذهبت بك ابعد مما ينبغي (لا نقصد ما يتعلق بالإيمان ومقتضياته، فتلك لا تعنينا، ليست من اختصاصنا، كونه أمراً بينك وبين ربك) بل نعني أنه كان بمقدورك أن توصل القارئ إلى الهدف الذي تريد، بإسلوبك المتميز، وطرحك الجذاب، الذي تجبر به القارئ على قراءة مطولاتك. كان بمقدورك أن تفعل ذلك دون حشر نبي الأمة في الأمر، كان بمقدورك أن تلفت نظر القارئ إلى معاناة المقاومة في تعز، دون أن تحملها على الظهور في مقالك مستضعفة هزيلة، تلك الصورة عن المقاومة، هي ما دفعتنا أن نكتب إليك بلسان حال المقاومة الأبية في تعز. في هذا المقال سنطلعك على وجه آخر للمقاومة قد لا تدركه، مستخدمين لذلك ما نعرفه عن مهام عملك كجراح. الواقع ما نقوم به في تعز منذ أكثر من عام، هو عملٌ نابعٌ من إيماننا بنبي الأمة ورسالته وهديه ومنهاجه وتعاليمه، ولو لم يكن نابعاً من كل ذلك ما قاومنا. ما نقوم به هو تمزيق لأقنعة المنحرفين التي طالما خدعوا بها أبناء الشعب وبسطائه، هو كشفٌ لحقائق دعواهم التي طالما استخدموها لتبرير انحرافهم ونزواتهم، ما نقوم به هو لإثبات أن ما يقومون به لا صلة له بمحمد عليه الصلاة والسلام ولا ما جاء به، مؤكدين أن تعز لا تقوم إلا بما هي معتادة على القيام به. تعز كعادتها تضع القواعد، وأسس التعاملات في السلم والحرب هي في السلم: تسطر قواعد العلم على كراريس الدراسة، ولوحات المعلمين، ويكفيها فخراً أنها تعلم كل قواعد الحياة. أما في الحرب: فإنها عملياً تقوم على بناء المعادلات الصحيحة للأحرار والراغبين بحياة كريمة، تضع لبنات المجد بطريقتها، تنشر جداول وخرائط العبور نحو المستقبل، نحن اليوم نسطرها في ميادين الإباء والعزة والفداء، لذلك يحاول المنحرفين إيقافنا ولن يستطيعوا. هون عليك أوجاعك ومعاناتك، خبرتك الجراحية تؤهلك إلى إدراك تعبات هذه المهام العصيبة والحساسة، ما يصيبنا اليوم لا يتعدى أكثر من ذلك الإرهاق والإعياء والعناء الذي تشعر به عند قيامك بواجبك، وحين تجد ذلك الجسد الذي كان يتألم بين يديك أوجاعاً وألماً ومعاناة، حين تجده بين يديك مبتسماً، في تلك اللحظة تنتهي معاناتك وكل آلامك ومتاعبك. أنت يوم تقوم بواجبك تجاه ذلك الجسد العليل، لا يكون بمقدورك ضمان صحته الكاملة، لكنك على أية حال تقوم بما يجب عليك القيام به. حين تقوم بذلك تدرك أنه ليس بمقدورك أن تزرع الصحة التامة لمريضك كحشوة من نوع ما في جسده، وبمجرد انتهائك يغدوا في غاية الصحة، تدرك أنه لن يتحقق الشفاء الكامل، إلا بعد فترات طويلة، من النقاهة والعناية والتصبر والحرص على الإبعاد من كل الأضرار والمخاطر، لكنك تقوم بعملك على أية حال. مدركاً بأنك مهما قمت بكل مهامك، فلن يتحقق شفاء مريضك، مالم يكن هو في مقدمة المتعاونين معك، لكنك تقوم بعملك على أية حال. نحن في تعز نقوم بعمليات جراحية(وأنت كجراح تدرك صعوبة هذه المهمة وآلامها على الجسد) فما بالك بعملية بحجم الوطن، وليس تعز فقط. ما نقوم به في تعز، هو تغييرٌ لمعادلات المستبدين والحمقى، ونظريات الإقصائيين ومن يدعون سلطتهم السماوية على الناس، ألم يقل أحد زعماء هذه الأصناف يوماً، أن بمقدوره إحضار تعز عن بكرة أبيها بطقم شرطة نسائية ؟! لو رأيت واقعه اليوم سيقول لك: إنه أرسل عشرة ألوية يقودها أبرز حراسه وأنصاره ومحبيه وأبطاله، فلم يتمكنوا من تحقيق نزواته. بينما لو رأيت واقعنا ستجده يقول لك: أن تلك القوات من قياداته ومحترفيه، انهزمت وتقهقرت أمام بطولات أبناء تعز المبنطلين، بل أمام جلابيب وخمارات نساء تعز الأبيات، الآتي لقن قياداتهم دروساً يسطرها التاريخ، وهم اليوم أكثر خوراً وجبناً. لو رأيت قتلاهم، لوجدت الكثير، من اللصوص وقطاع الطرق، الخمّارين وتاركي الصلاة، ستجد الباحثين عن المال، وأعداء الاستقامة والسلم، الذين قضوا حياتهم السابقة قابعين على طرقات الخيرين، يسلطون عليهم كل سيئة وكل أذاء، ستجد فيهم العديد من البسطاء المخدوعين، والأطفال والمغرر بهم، أما أبناء الذوات، والذوات أنفسهم فإنهم قابعين في الكهوف والبدرومات، أو خارج البلاد. بينما تجد قتلانا ينتمون إلى مختلف التنوعات الإجتماعية والسياسية، ومن كل المستويات، ابتداء من قيادة المقاومة إلى أبسطها -وليس فيها بسيط -. لذلك نقول بثقة وفخر: ما كان في يوم من الأيام ولن يكون، حملنا للسلاح بطراً ولا رياء ولا سمعة، ما كان حملنا للسلاح من أجل المال، ولا الحزبية، ولا المناطقية، لم نحمل السلاح لإقصاء أحد، أو استعباداً لأحد، أو انتقاماً من أحد. لذلك فأهدافنا وغاياتنا مختلفة كلياً عن أهدافهم، أهدافنا يكاد يتجلى فيها قوله تعالى ( ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما(النساء آية104 وقوله (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ")آل عمران : آية:(140) ما كانت في يوم من الأيام ولن تكون، مواجهاتنا معهم مبنية على الامتهان والإذلال، لم تكن مواجهاتنا معهم مبنية على التمثيل والاستعلاء، فنحن من يقوم بدفن قتلاهم، وعلاج جرحاهم، ورعاية أسراهم، وإيواء مشرديهم، وكفالة أيتامهم، ومواساة فقرائهم. بيوت مقاتليهم من أبناء تعز تحت سيطرتنا، عائلاتهم بين أيادينا، أسرهم وأقارب الكثير منهم في متناول أيادينا، لم نأسر منهم أحد، ولم نشرد منهم أحد، ما خوفنا كبيراً، ولا أفزعنا امرأة، ولا حاصرنا مدنياً. نحن في مواجهاتهم منطلقين من مبدأ(ولاتزر وازرة وزر أخرى) فهل بمقدور أحدهم أن يثب واقعة تقول غير ذلك؟! كل محالات التشويه لقيمنا التي قاموا بها ولا يزالون، جميعها باءت بالفشل، فقط لأنها لم تكن مبنية على الحقيقة. في كافة أنواع مواجهاتنا معهم، تتجلى لهم وللعالم سمو قيمنا، ودماثة أخلاقنا، واستقامة سلوكنا، نحاورهم بصدق، مواعيدنا وكل ما يصدر من قبلنا نلتزم بها وننفذها بحزم، وفي الميادين نقاتلهم بعزة، ونواجههم بإباء، ونصمد أمامهم برجولة. وإن جنحوا (هم) للسلم فسنجنح لها الذين قضوا منا ضحايا، رجالاً، أو نساءً، أو أطفالاً، أو مقاتلين، نحن كبشر يحزننا كثيراً ما جرى لهم، لكن عزائنا أنهم قضوا رافضين الخنوع للعبودية والرق والإمتهان، رفضوا أن يعيشوا في ظل نعيم الأسياد عبيداً، لذلك كان موتهم شرفاً ومنة من الله، الم يقل جل وعلى (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء ) أما معاناة المدنيين، فذلك نصيبهم من ثمن الحرية، ألم يقل أمير الشعراء(وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ) إذاً: ما نقوم به في تعز هي عملية تغيير لترهات ونزوات المستبد والسيد، الذين اعتقدوا أنهم سيحولون تعز إلى سوق نخاسة يوفر لهم ما يحتاجون إليه من أرقاء لتحبيب الركب، يقبعون بصمت تحت الأقدام، لم يكونوا يدركون أن النوعية التي تحيط بهم من أبناء تعز، لم تكن سوى مخلفات المحافظة، ما لفظته لرداءته، تلك النوعية لم تكن تمثل أبناء تعز، ولا رجاله وأحراره من مختلف المكونات والتوجهات. نحن في تعز نقوم بعملية تطهير لكل أولائك وأمثالهم، لنستخرجهم من أوجاع الوطن، مؤكدين أننا لسنا الوحيدين ولكننا الأفضل. لذلك نقول لمقامك الكريم، عد إلى مكانك العصي مترفعاً عن مساواة نفسك وكتاباتك بما تقوله تلك المسوخ المشوهة. ضع قلمك بجوار بنادقنا، فذلك ما يخشوه، ولا تستقل ما نقوم به، ولا تظهره بمظهر الضعيف، وقد سطرنا ونسطر من البطولات ما حيرت العدو والصديق، وأربكت الحليف والمتخاذل. كن كما عهدناك عنيداً في الحق، جهوراً ضد الباطل، لتشد من عضد الأحرار الذين يلقنون القتلة في كل يوم وفي كل موقع دروساً قاسية، ويتعاملون معهم بلغة الرجولة التي تحيلهم جيفاً نتنة في الجبال، والسهول، والأودية، والصحاري. فذلك هو الموقف الذي يتمناه أحباءك الصامدين في ميادين الرجولة، رغم الخذلان الذي يلاقونه، ذلك هو الموقف الذي يمكن أن تقدمه لهم. قدم بطولاتهم بقلم الكبرياء، وتثني على أدائهم بعباراتك الأنيقة، وتهون عليهم مصابهم وآلامهم ببلسم دوائك الخبير. فإن بدوت متفائلا صامداً عنيداً، فستزيد من عزيمتهم، وإن بدوت انفعالياً منهزما، فذلك لن يوهن عزيمتهم، الم تدرك أن الأحرار هم الأروع وهم في لظى المعارك، وانك الأكثر انفعلاً وانهياراً ولازلت في لظى لإعلام. فمن الأقوى وصاحب الامتياز؟!. [email protected] المصدر | الخبر