يتابع العرب المحبون لربيعهم وثوراتهم منذ شهور طويلة، تلك الحملة التي تشنها دولة الإمارات ضد الإخوان المسلمين، ويسأل كثيرون عن الثأر الكامن بين قيادتها (لا صلة للشعب بذلك) وبين الجماعة. والحال أن من يتابع الحملة الإماراتية على الإخوان قد يعتقد أنهم هم من احتلوا جزرها الثلاث، وأنهم يتآمرون على اقتصادها، وعلى نظامها السياسي، فيما واقع الحال مختلف تماماً. إن من يحشرون مشكلة الإمارات مع الإخوان في مواقف ضاحي خلفان لا يعرفون في شأن السياسة شيئا، والأسوأ أن يقول بعضهم: إن الرجل يتحدث برأيه الشخصي، بينما يعرف الجميع أنه لا يوجد مدير شرطة في العالم يفتح وهو على رأس عمله معارك سياسية على هواه، فضلا عن أن يحدث ذلك في دولة مثل الإمارات. ثم إن حشر قضية الإمارات مع الإخوان في تلك الثلة من الرجال الإصلاحيين الذين يرزحون الآن في السجون لا يبدو مقنعا بحال، لأن هؤلاء موجودون، ويعرف المعنيون انتماءهم منذ زمن طويل، وهم ليسوا انقلابيين، وكل ما طالبوا به هو بعض الإصلاحات السياسية لا أكثر ولا أقل، مع العلم أن استهداف تيارهم قديم جدا يعود لما قبل عقدين حين أغلقت جمعيتهم (الإصلاح الاجتماعي)، وتعرضوا لعملية اجتثاث رهيبة في مؤسسات الدولة التعليمية والخدمية، ما يعني أنهم لا يشكلون خطراً على النظام السياسي. من الضروري الإشارة هنا إلى قضية المصريين (11 رجلا) الذين جرى اعتقالهم في الإمارات بتهمة تشكيل خلية إخوانية، وهي قصة يعرف الجميع ما تنطوي عليه من مبالغة هدفها المناكفة والتصعيد، بل تبرير التصعيد أيضا، لأن هؤلاء مغتربون يبحثون عن لقمة عيشهم، وهم بعلاقتهم الإخوانية الداخلية كمغتربين لا يسيئون للبلد الذي يعيشون فيه. لو بقيت مشكلة قيادة الإمارات محصورة في استهداف جماعة بعينها، أكان في الداخل أم الخارج، لما استحق الأمر كل هذا التوقف والمعالجة، لكننا اليوم أمام ظاهرة أكبر بدأت تضم إلى الإمارات دولا خليجية، بل وعربية أخرى تعمل ليل نهار ضد ثورة مصر وعموم الربيع العربي. اليوم، تتجاوز الإمارات (ومعها آخرون بدرجة أقل) مشكلتها مع جماعة الإخوان إلى استهداف ثورة مصر بوصفها الأهم في مسيرة الربيع العربي، من دون أن تتجاهل الثورات الأخرى، ما نجح منها، وما لم ينجح، وكل ذلك في سياق من إجهاض فكرة الربيع الذي يحلم الناس بأن يعيد للإنسان العربي قراره في تشكيل حاضره ومستقبله. ما ينبغي أن يقال هنا هو أن استهداف ثورة مصر لم يكن ليتغير لو كان الفائزون في الانتخابات من ألوان فكرية أو سياسية أخرى، بل ربما كان أسوأ لو كانوا من لون يساري أو قومي، لأن فكرة الثورة والربيع والديمقراطية الحقيقية، ومعها عودة مصر سيدة في المنطقة تقود العرب نحو أفق جديد هي بحد ذاتها مرفوضة، وليس سؤال من هو الفائز في انتخاباتها بعد الثورة. لقد كان واضحا أن الإمارات ومعها آخرون يقودون غرفة عمليات ضد مرسي، ووجدوا في مواقف بعض قوى المعارضة فرصة تسهّل المعركة، ليس بهدف تصحيح مسار الثورة، وإنما من أجل إجهاضها برمتها، اللهم إلا إذا كان أحمد شفيق، والذي كان جزءاً من خلية العمل هو عنوان الثورة الحقيقي. واللافت هنا أن بعض رموز قوى الثورة الذين انخرطوا في الحرب ضد مرسي قد وجدوا في حرب الإمارات ضد الإخوان ما يريحهم بعض الشيء، لأنه يساعدهم في المعركة الداخلية، ولا أعتقد أن لديهم أية أوهام حول أهدافها من الحملة التي تتبنى الفلول وليس قوى الثورة الحقيقية، بصرف النظر عن أيديولوجيتها. إن الحرب التي تدار ضد مصر الثورة لم تكن مالية فقط، بل كانت إعلامية وسياسية أيضاً، ومن يعملون في الشأن الإعلامي يعرفون أن هذه الوسيلة الإعلامية أو تلك لا تحدد سياستها حيال ملف مهم كالملف المصري دون إذن من الممول. لا حاجة للحديث عن تناقضات الدولة الإماراتية في سياستها، بخاصة حيال إيران التي تحتل جزرها الثلاث، بينما تمتع فيها بمزايا تجارية ولوجستية يمكن القول: إنها من أهم العناصر التي تمنحها القدرة على التعامل مع الحصار المفروض عليها دوليا، فتلك قصة أخرى. لكن ما يعنينا هو القول: إن ما جرى ويجري لا صلة له البتة بالحرب على الإخوان، وإنما هو موقف حاسم ضد الربيع العربي، وحين تستهدف محطته المصرية، فهو استهداف للربيع بكل تحولاته خشية أن يتمدد ليطال الدول ذات النمط الوراثي، مع أن أحداً في تلك الدول لم يتحدث عن ربيع مشابه لدول الثورات، وإنما مجرد إصلاحات تلبي تطلعات الشعوب في الحرية والتعددية. ندرك أن زواج السلطة والثروة في عدد من الدول ما زال يورث قادتها نزقاً سياسياً مرضياً حيال المعارضة، مهما بلغت نعومتها، لكن تجاوز بعض الدول لحدودها في التعاطي مع دول أخرى، لاسيَّما الكبيرة لا يمكن أن يمر مرور الكرام، ولا يعلم بعض قادة الإمارات أن استهداف مصر بهذا الشكل لا يمكن إلا أن يستفز غالبية الشعب المصري، وإن فرح به بعض خصوم الإسلاميين. لقد آن أن يقف هؤلاء وقفة عاقلة مع أنفسهم ويكفوا عن استفزاز مصر وثورتها، كما آن لهم أن يكفوا عن هذا الموقف العدائي من الربيع العربي، ومن عموم مطالب الشعوب في الحرية والتعددية، لاسيَّما أن بعض الإصلاحات السياسية المعقولة من قبلهم ستجعلهم جزءاً من هذا الربيع، وليس ضده كما هو حالهم الآن.