في معرض مهاجمة الحراكات الشعبية المطالبة بالإصلاح، ثمة من يوظف حالات الفوضى والعنف في بعض بلاد «الربيع العربي» متخذا منها ذريعة لمهاجمة الحراكيين والإصلاحيين، وكأن دعاة الإصلاح هم الذين قادوا البلاد إلى ما هي عليه من أعمال العنف والشغب والخروج عن القانون! إنهم يلومون الثورات ورجالاتها الذين ما قاموا إلا من أجل الإصلاح والتغيير، ويغضون الطرف عن المدبرين للأحداث والمثيرين لها. بعض الفضائيات المحلية أدمنت استخدام تلك الذرائع، ولا يمل موظفوها من تكراره والعزف الدائم عليه، وغالبا ما يكون النموذج السوري بدمويته ومأساويته حاضرا، في المحصلة النهائية فإن الرسالة التي تصل للمتلقي هي التنفير من المطالبة بالإصلاح، وكف الأيدي عن كل الفعاليات والنشاطات الإصلاحية؛ لأنها ستوصلنا في نهاية المطاف إلى ما هو قائم وسائد في النموذج السوري بدمويته الطاغية. في السياق ذاته، يبرز أرباب خطاب ديني يتخذون من مفردة «الفتنة» ذريعة لمهاجمة الحراكيين والإصلاحيين، واصفين مطالبهم ونشاطاتهم وفعالياتهم، بأنها تثير الفتنة والفوضى، وتقوض أركان الأمن والاستقرار، وتفتح الباب لأعمال العنف والتخريب والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، داعين دعاة الإصلاح والحراكيين إلى الكف عن نشاطاتهم، والاشتغال بالدعوة الوعظية لإحداث الإصلاح المطلوب. إن ما آلت إليه أوضاع بعض بلاد «الربيع العربي»، كما هو الحال في مصر من فوضى وعنف واعتداء على الأرواح والممتلكات، وكما هي الأحداث المأساوية في سوريا، لم يكن لأبناء الثورة يد فيها أبدا، وليسوا هم الذين حركوها وأثاروها، ففي مصر استقرت الأمور بعد الانتخابات الرئاسية للرئيس محمد مرسي، ولكن الشانئين لنجاح مرسي ومن ورائه الإسلاميين، المخاصمين للفكرة الإسلامية أصلا، عقدوا العزم على إفشال التجربة، وإدخال البلاد في فوضى وأعمال شغب، ليوصلوا رسالة مفادها أن الرئيس عاجز عن إدارة البلاد، وأنه لا بد من انتخابات رئاسية مبكرة، وكان واجب الوقت على كل القوى السياسية احترام نتائج الانتخابات والنزول عندها، ومن أراد التغيير فليعمل لذلك عن طريق الانتخابات القادمة. كذلك الحال في سوريا فالثورة كانت في شهورها الأولى سلمية خالصة، ولم تلجأ إلى العنف أبدا، حتى اضطرها النظام بسلوكه القمعي الموغل في القتل والدموية إلى حمل السلاح للدفاع عن المواطنين الأبرياء، ومواجهة عصابات النظام وشبيحته القتلة الذين لا يتورعون عن القتل وإبادة العائلات بأكملها، فكل مظاهر العنف والقتل والدموية يتحمل وزرها النظام الذي فرضها كخيار وحيد على المشهد السوري، فرجال الثورات خرجوا يطالبون بحقوقهم المسلوبة والمنتهكة، فلم يطق النظام سماع تلك المطالبات؛ لأنه اعتاد على السلوك القمعي والهمجي طوال عقود حكمه السابقة. أما التخويف الدائم من الفتنة، فيا ليت الذين يكثرون من ترداد تلك المفردة التي يراد منها بقاء الأوضاع على ما هي عليه؛ خوفاً من وقوع الفتنة، ودرءاً للمفسدة، تقديم وصفات عملية قابلة للتطبيق تقدم حلولا ناجعة للمشكلات المزمنة والمستعصية، فمن المؤسف حقا أن يغيب أرباب تلك التوجهات عن الساحة، ليتم استدعاؤهم في الأزمات، فلسان حال الناس يقول لهم: لقد صبرنا طويلا على الفساد وضياع الحقوق، وعشنا سنين طويلة تحت وطأة الفقر والحاجة، أليس من حقنا المطالبة بالإصلاح؟ أليس من حقنا العيش في بلدنا بحرية وكرامة؟ أليس من حقنا كمواطنين المطالبة بمحاكمة من سرق مقدرات البلاد وساهم في إفقار العباد؟ من المؤسف حقا أن يضع أولئك أنفسهم في المكان الخاطئ، حيث ينبغي لهم أن يكونوا ألسنة صدق في الدفاع عن الحقوق المهدورة، ويحسن بهم أن يتصدروا الصفوف للأخذ على أيدي الظالمين، ولا يليق بهم التأخر عن المطالبة بمحاكمة الفاسدين، وما أجمل أصواتهم وهي ترتفع لتطالب بحقوق الأمة، كي تكون هي صاحبة الحق في اختيار من يحكمها ويمثلها، وتقوم بممارسة ذلك عن اختيار وطواعية، دون أدنى إكراه أو تزوير. لقد أثبتت الوقائع المتتالية أن دعاة الإصلاح لا يمكن أن يقوموا بالاعتداء على الممتلكات العامة أو الخاصة، وليس من ثقافتهم ولا من أخلاقياتهم التخريب والحرق والتكسير، فهم ما قاموا إلا من أجل الإصلاح، والمصلح لا يمكن أن يكون مفسدا أبدا، تلك الأعمال لا يقوم بها إلا من يريد إثارة الفوضى في المجتمع، وذهاب أمنه واستقراه، ومن ثم يحاولون إلصاقها بدعاة الإصلاح؛ لتشويه سمعتهم، وحمل عامة الناس على مهاجمتهم والنفور منهم.