دعك من مسألة الأخونة ، لنسمي الأشياء بأسمائها ، فالمسألة ليست أخونة الدولة ، ولكنه صراع سياسي بين العلمانيين الذين يرون أنه ليس للدين شأن في الحياة ، ومكانه هو المساجد وصدور المؤمنين به ، وبين الإسلاميين الذين يرون أن الدين الإسلامي هو منهج ينظم شئون الناس في مختلف مجالات الحياة . والدليل على ذلك أن الفريق العلماني يرى في رئيس الوزراء المصري أنه محسوباً على الإخوان – برغم أنه لم يكن يوماً من الأيام من الإخوان – وذلك لمجرد تحلي الرجل بالاستقامة والحفاظ على تعاليم الإسلام . وقس على ذلك أي منصب سيتولاه من يتحلى بالحدود الدنيا من الآداب الإسلامية . هذه نقطة أولية في طريق الوعي ، لمعرفة طبيعة الخلاف . بعد أن وضعنا الأسماء على مسمياتها ، نستطيع أن نقول أن مشكلة التيار العلماني في بلادنا أنه لم يقدم ما يؤهله للمنافسة السياسية الشريفة ، فهو لم يستطع أن يقدم منهجاً إصلاحياً يتبناه حزباً قوياً يملك كوادر للعمل وسط الجماهير ومن ثم يخلق قاعدة جماهيرية تتبنى أفكاره وتثق في كوادره . تركوا هذا الطريق الجاد لصعوبته وكثرة تكلفته ، واختاروا طريقاً سهلاً مربحاً ، وهو تكثيف الظهور الإعلامي والتجارة بالكلام عبر الفضائيات ومؤخراً قدموا بالونة اختبار بورقة قابلة للاحتراق في حال فشلها أو ركوب موجتها في حال نجاحها وهي مظاهرات 24 أغسطس . وهي بلا شك مظاهرات إبداعية بكل المقاييس فهي ليست مسبوقة ولا يمكن تصور تكرارها في مكان آخر غير بلد العجايب مصر . هل سمعت عن مظاهرة ينظمها فريق سياسي تنادي بإسقاط خصمها السياسي صاحب الأغلبية البرلمانية ، وهو المرشح والداعم لرئيس الجمهورية المنتخب ؟!! هذا هو مطلب المظاهرة ( إسقاط الإخوان !!) كيف يتم إسقاطهم هل بإلغاء حزبهم ، أم بنفي أفرادهم ، أم بإعدام المنتمين لهم بالكرسي الكهربائي ؟!! هذا لغز لا يستطيع حله ولا الرد عليه إلا أصحاب دعوة إسقاط الإخوان. أيها السادة ، أصحاب الصوت العالي نحن أمام مصلحة وطن منهك يريد النهوض . اللعبة السياسية ليست لعبة أطفال أو مراهقين ، يقوم فيها الخاسر بسكب المياه على الملعب حتى تتسخ ملابس اللاعبين ، أو بالتهديد بقطع الكرة حتى لا تستمر المبارة ، تحت شعار " فيها لاخفيها" أيها المنافسون السياسيون ، مصر في حاجة إلى معارضة جادة ولن يصلح شأن أي دولة إلا بحكومة قوية ومعارضة جادة ، فهما الجناحان التي تطير بهما الأمة لمستقبل أفضل ، فبغير حكومة قوية وراءها حزب قوي يدعمها لن نتقدم خطوة واحدة لتحقيق مطالب الثورة ، وبغير معارضة جادة وقوية تخلق جواً من التنافس لن نعيش مناخاً ديمقراطياً سلمياً.