من أين نبدأ حكاية التشرد التي تحيكها كل الأوطان العربية لتستمر لدينا هنا في اليمن, أو لتبدأ دائماً. يعيش الشباب اليوم تحت هاجس مرهق: الهجرة من الوطن! يقف مادّاً بصره إلى هناك حيث الغربة والقطيعة والانخلاع من الجذور , يبحث عن الثروة والحياة الأفضل ويحلم بالعدل والحرية.
من منا لم يفكر يوماً بكل ذلك ومن منا قرر أن يجعل مصالح الوطن فوق مصالحة العليا في أن يبقى فيبقى, يا لها من معادلة صعبة أن تقرر الموت ليحيا الوطن أو تحيا ليموت!
هل علينا دائماً أن نحشر بين خيارين أحلاهما مر, وهل كتب على الإنسان اليمني أن يظل في سلسلة هجرات لا تنتهي, وهل بيئة اليمن طارده كما يزعم البعض, أظن أن كل ذلك لا معنى له إذا قررنا فعلا أن نتلاشى لتظل هذه الأرض الحانية، أو أن نعيش نصف حياة في وطننا الأم على أن نعيش حياة كاملة على أرض لم تحمل في طياتها ذكرياتنا ولم تتدفق في عروقها دمائنا.
ولكي نكون أكثر إقناعا, سنترك لغة الأحاسيس لنتكلم بلغة الأحقية والوفاء، إننا نجحد هذه الأم التي رعتنا في صبانا، لتلفظها قلوبنا في كبرها وهي جديرة بنا وأية جدارة.
أما الأسوأ من كل ذلك هي حالة عدم الاكتراث، أو عدم إدراك نتيجة الهروب المستمر للشباب بما يمتلكونه من عزائم وقدرات وأثره في انحدار قدرات البلد وإمكانياته. إننا نترك المساحات شاغرة لشاغري البطون ونغرق في عدمية موجعة، ثم نندب حظنا وحظ أبنائنا.
فيما الحكاية برمتها لا تستحق كل ذلك الندب، إننا بحاجة إلى أن نقف ونقرر أن نبدأ من الصفر وأن نكافح هنا كما سنفعل على أي بقعة من بقاع الأرض.
يموت الشباب .. تمتهنهم الغربة كيف تشاء.. وتسحقهم كف الحاجة.. ثم لا يقسون كما يقسون على أوطانهم, فيما تلملمنا أوطاننا بعد شتات طويل, تحمل عنا أحزاننا وتغرينا بالاتكاء على أكتافها الصلبة, فنعيش.. تعرفنا الأرض والسماء, ونموت.. فتحتضننا آفاقها الرحبة.