المظاهرات والاحتجاجات السلمية في كل أرجاء العالم تواجه إما بمسيلات الدموع أو بخراطيم المياه أو بكليهما معاً؛ لكن الأمور عندنا على غير شكل, فما إن يُسمع هتاف المظاهرة السلمية، إلا ويهب الجنود الأشاوس من كل حدب وصوب، بين راجل وراكب, ألوانهم بعدد ألوان الطيف الشمسي, يمشون بكبرياءٍ وتعالٍ وكأنهم يمتطون السحب! وبدل أن يأتوا للحفاظ على سلامة المواطن الذي جاء يعبر عن رأيه سلمياً نجدهم يعملون عكس ذلك تماماً. في يوم المظاهرة وأنت في الشارع لابد أن تكون جاهزاً لكل شيء، وتتوقع كل شيء، بما في ذلك الموت المحقق, فإن سلمت من الرصاص لم تسلم من الاعتقال والإهانة والضرب والسحل والسرقة والاختلاس, وإن سلمت من هذه العوارض كلها لم تسلم من السب والشتم, بكل صنوفهما!.
الجندي في الأمن المركزي لا يجيد إطلاق الرصاص فحسب، بل متمرس أيضاً على إطلاق أقذع أنواع السباب والشتم, وهذه استهانة بالمواطن إلى أبعد الحدود, وذلك من شأنه أن يولد ردة فعل هائجة قد لا يحمد عقباها, فالذي يخرج من بيته لا يحمل في جيبه حتى موس حلاقة, ليتظاهر ويعبر عن رأيه سلمياً، ماذا ستكون ردة فعله عندما يواجه بالرصاص الحي من سلاح الدوشكا والكلاشنكوف, ويرى صديقه المقرب وزميله في النضال السلمي يسقط صريعاً برصاصات الأمن المركزي، ويجد أيضاً أن الطلقة كانت في الرأس مباشرة، ويرى الجندي الذي أطلقها! بالله عليكم هل هذا المتظاهر سيفكر بالنضال السلمي مرة أخرى؟ أم انه سوف يتحول إلى وسائل أخرى غير تقليدية لتحقيق هدفه.
من يحاسب هؤلاء الذين يعبثون بأرواح البشر يا ناس؟! أمام عينيَّ التجأ الطفل اشرف عبد الله جعفر إلى إحدى الصيدليات تجنباً لرصاصات الأمن المركزي المركزة؛ فتبعه أربعة جنود وأخذوا يسحبونه ويشتمونه، وهو يتوسل إليهم، وحاول الناس الذين بجانبه إقناعهم بأنه طفل، وبينما هو مصر على عدم الذهاب معهم، رفع أحدهم قدمه وسدد إلى بطنه ضربة قاضية كادت أن تودي بحياته، صاح منها صيحة أدمت قلوبنا جميعاً، ولم يكتفوا بذلك بل أصروا على أخذه، فتدخلت محاولا إقناعهم بأنه يحتاج إلى إسعاف من جراء الضربة, وفجأة سمع دوي رصاص في الخارج، الأمر الذي جعلنا لا نرى سوى غبارهم, وأشرف يصيح ويتلوى من بطنه فحملناه إلى المستشفى، وهو شبه فاقد للوعي، وحسب أحد الأطباء فان الضربة وقعت في الجانب الأيمن مما يلي الكبد، وربما أصيب الكبد من جراء الضربة.
فبأي ذنب يقتل الناس ويجرحون ويسحلون ويضربون؟ لم أسمع أن متظاهراً قد سطا على مال أو محل أحد في الضالع، واسألوا- إن شئتم- أصحاب المحال التجارية الذين جلهم من المحافظات الشمالية.
رأى أشرف النور مع ميلاد الوحدة، لكنه وجد أمامه مستقبلاً مجهولاً لا يعلم كنهه إلا الله. يفترض أن يكون جيل الوحدة خالياً من العقد، كما قال الرئيس يوماً، عندما كان يتحدث عن حسنات الوحدة التي تحولت اليوم إلى سيئات بفعل القيادة الحكيمة!
نشاهد جنود الاحتلال الصهاينة كيف أنهم جُرّدوا من كل ماله صلة بالإنسانية من خلال معاملتهم لإخواننا في فلسطينالمحتلة؛ اليوم بات هذا المشهد مألوفاً أمامنا، عندها يتحقق لدينا ما كنا نحاول أن نتخيله عن حال إخواننا في الأرض المحتلة، فنزداد ألماً لألمهم لأننا قد وجدنا ذلك حقاً. فيا أيها العقلاء، ألا يكفي ما أريق من دماء؟ ألا يُوقف هؤلاء عند حدهم؟