تلقيت اليوم عدد من المكالمات الهاتفية, جميعها تسأل عن موضوع واحد: "صحيح تعز سقطت بالكامل؟".قالوا أن وكالة عالمية نشرت الخبر , وأن فضائيات نقلت , والخبر قد عُمم في كل موقع . ذهبت لأتأكد من الخبر في الفضائيات فوجدته كذلك, " تعز تسقط في يد مسلحون قبليون " . كنت أعرف أن الفضائيات تبالغ. هذه مهنتها يخوض الشعوب معارك بقاء مع حكامهم الطغاة, وتخوض الفضائيات معارك حضور للأقوى, حسب إحراز السبق . لم تسقط تعز, ولا نريد لها هذا . وإن سقطت , فنحن نريد لها السقوط إلى أعلى , وهو ما سيحدث . كيف يُسقط أبناء تعز مدينتهم؟ أو كيف تسقط المدينة في يد سكانها ؟ لم أفهم .هم منها , وفيها . لم يقدموا اليها من خارج الحدود كي يسقطوها , ولا يتجولون في شوارعها بدبابات . أبناء تعز هم من يسقطون فيها , شهداء , جرحى , دفاعاً عن حرية مدينة وكرامة شبابها . الحاصل في تعز ليس سقوطاً, بل حماية من السقوط. خطط النظام لنهب المؤسسات, وتكفّل أنصار الثورة بحراسة المنشآت والمرافق والمواطنين فيها من رصاص حي لا يفرق بين صغير وكبير . أنصار الثورة , وهم بالمناسبة مجموعة من الضباط الذين أنضموا إلى صفوف الثورة في بداية إنطلاقتها وليس قبليون فقط, يعملون حاليا على حماية المرافق من النهب, وحماية شباب الثورة والمتظاهرين من الاعتداءت المستمرة التي كان يقوم بها جنود عبدالله قيران . استسهل مدير أمن تعز القتل في هذه المدينة. قتل وقتل, بقلب ميت حتى شعر أنه حقق نصر بإحراق ساحة الحرية, بما فيها, فبدأ يحتقرهم في كل الأماكن, ويوجه الشتائم كما قال كثيرون في إدارته. كان جنوده في بداية الأحداث يستخدمون قنابل الغاز ومدافع المياة , ورموا بها , ليتحولون إلى الرصاص الحي ومضادات الطيران . القتل المجاني , هو الذي جعل البنادق تقفز إلى الأكتاف, كما قال الصحفي فوزي بشرى. حمل أبناء تعز بنادقهم, لكنهم مازالوا متمسكين بسلمية ثورتهم. لم يقتحموا مكتب حكومي, ولم يعتدوا على دورية.. لم يحملوا الأسلحة جميعهم أيضاً ضده . بعد تشكيل ما يسمى " صقور الحالمة " من أنصار الثورة , سحب قيران قواته , وقام بتشكيل فرق موت , مهمتها النهب, وإطلاق الرصاص العشوائي في الأحياء لترويع الناس, ويشرف عليها مشائخ , أغلبهم وكلاء للمحافظة, ومدراء مديريات . نهب البلاطجة مؤسسات وجهات حكومية, قاموا بالاعتداء على دوريات حتى يتوفر المبرر لقصف المدينة, وتراجعت دبابات الحرس إلى حوش مستشفى الثورة العام لتقصف من هناك مناطق عصيفرة , حيث سكن الشيخ حمود سعيد المخلافي , وساحة الحرية . حاليا, قطع الحرس الجمهوري الطرقات المؤدية إلى المستشفى, وحوله إلى ثكنة عسكرية . الأطباء ممنوعون من الدوام , والمستشفى الأول في المحافظة , بات لا يستقبل مرضى , بل مؤن وذخيرة. قام الثوار بتأمين أكثر من ثلثي المدينة, وقامت السلطة المحلية بمعاقبة السكان , الذين انخرطوا في الجيش الشعبي وقاموا بالتعاون مع شباب الثورة , بعدم إخراج سيارات القمامة. جعلوها تتكدس لثلاث أيام , من اجل خلق كارثة صحية . تعز قصفت أمس بوحشية. النازحين من صنعاء هرباً من حرب الحصبة, وجدوا هنا الرعب الأشد، واليوم يخطط قيران لقصف مماثل, دعا سكان حارات الشماسي وعصيفرة إلى إخلاء منازلهم . العمل الدنيء الذي يقوم به قيران, لا يفوقه إلا المصدر المحلي الذي يخرج لنا كل ليلة ليبرر جرائم مدير الأمن, بدل من أن يتحمل مسئولياته ويطالب بنقل قيران كونه من أشعل عدن سابقا, وحاليا يكرر السيناريو في تعز . في عدن, كان يوهم النظام أنه عدن كلها انفصاليين, وانه يضبط الأمن فيها . جعل من الناس يحملون السلاح, وينخرطون في صفوف الحراك, ولم نسمع شيئا فيها بعد نقله . والآن, المشهد يتكرر في تعز . المصدر المحلي في تعز, لن يجرؤ على ردع قيران , ولن يتجرأ على دعوته إلى إخلاء المستشفى من الدبابات ليمارس وظيفته التي وجد من أجلها , لا أن يكون معسكر للقصف . المصدر المحلي لتعز , يبدو أنه شاعر في نفيه لسقوط تعز . فكيف سيواجه سفاح بحجم قيران . قال: "الأوضاع الأمنية تحت السيطرة والأجهزة الأمنية تتعقب كل من يقوم بفعل إجرامي يستهدف الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي, فيما الحاصل أن إدارة الأمن قد أحضرت من المتارس ما لا يعد أمام بوابتها، وقطعت الطريق خوفا من عملية انتحارية . وفي لغة شاعرية استعراضية, دعا المصدر المحلي, وسائل الإعلام إلى تحري المصداقية والالتزام بالمهنية خصوصا قناة الجزيرة التي "تستنشق باروداً "و"تتنفس رصاصاً "وتلعق دماً "و"تأكل لحماً متعفناً "من شوارع المدن العربية التي تسهل بها طرائق الفتن والتناحر بين أبناء الوطن الواحد لتنفيذ مخططات وأجندة قديمة جديدة. لأن قيادات المحافظة عاطفية حد الذوبان, كان من الطبيعي أن يتحول قيران إلى حاكم عسكري, وكان من الطبيعي أيضا أن يقف له رجال تعز وشبابها, ويدافعون عن مدينتهم حتى لا تسقط في يد سفاح سيذبحها من الخلف .