كل زعيم ديمقراطي يأتي إلى الحكم وبيده ورده.. يشذ عن هذه القاعدة كل الزعماء العرب. (جئت إلى الحكم وأنا أحمل الكفن) هكذا يحلو لصالح أن يصف أسلوب حكمه، تماماً مثل غيره من زعامات العرب. وصالح لم يشذ عن قاعدته يوماً خلال عقود حكمه الثلاثة، إنها قاعدة الأكفان والموت.
يجسد النظام دمويته الموغلة في الوحشية من خلال المشهد الإجرامي لمحرقة تعز29/5/2011م لمعتصمين سجلوا أرقى درجات السلمية والحضارة.
انتشلني القدر ساعتها من هناك لأجدني شاهداً حياً ينطق بوقائع الإبادة والسحق، عشت لحظات المحرقة بكل كياني لحظة بلحظة، عشتها بكل تفاصيلها، بكل جحيمها، بكل ذهولها.
كم هم رائعون ومحظوظون من مضوا إلى ربهم شهداء بدلاً عن مطاردة أهوال المحرقة لمن نجوا منها، تلك الأهوال المخزونة في الذاكرة والتي ستظل كابوساً يطاردنا العمر كله.
لاشيء يمت إلى عالم العقل بصلة إلى ما جرى هنا في ساحة الحرية، هنا لم يحضر العقل، لم يحضر المنطق، ومعها غاب الدستور والمبادئ، فقط وحوش النظام والقوة الفولاذية هي من تسيدت الموقف وحضرت بهستيريا وأقصى درجات الجنون.
هنا مارست عصابة النظام هوايتها المدمرة وهي تتلذذ بسحق كتلة البشر التي تجرأت عليه لتقول له ( كفى.. ارحل) (من هنا صعدت.. وهنا ستسقط)
الآلة الصماء بشقيها البشري والعسكري كانت تصنع للطاغية محرقة مهولة لم يتجاسر الشيطان حتى عن التفكير بها.
قوة ساحقة تضرب بهستيريا، تحصد المعتصمين، تسحق كل من يعترض سبيل جنونها بشراً وخياماً وجماداً. الشهداء والجرحى أكوام من الجثث المتناثرة تنطق ببشاعة ووحشية المحرقة، لون الشارع بالغ الاحمرار، الحرائق تحصد الخيام بمن فيها وما فيها.
الشيطان كان يقف هناك بعيداً ذهلا مما يجري يرسل لعناته لصانعي المجزرة الذين فاقوه إجراماً ووحشية. مشهد سينمائي بامتياز من إخراج هوليود، هكذا يبدو للوهلة الأولى، لكن الفاجعة تفصح عن واقع فظيع لا يمت إلى خيال "الأكشن" بصلة.
كانت مجزرة رهيبة بكل المقاييس، استهدفت رؤوس من رفضوا الانحناء وصدور ما عادت تؤمن بفارس العرب وصانع اليمن، لذا اتخذ القرار بإرسال تعز إلى الجحيم فوراً أو هكذا هيئ له.
عشرات الشهداء ومئات الجرحى وقوائم المفقودين ومحرقة نازية عاشتها تعز ليلة عصيبة قاتمة السوداوية والألم. لقد دفعت تعز ثمناً باهٌظا وفادحاً لريادتها في إشعال وتوهج الثورة ولسلاميتها المفرطة.
كانت تعز وهي تدفع هذا الثمن الباهظ تعتذر للوطن عن خطأ فادح تجاوز الثلاثة عقود، وذلك عندما قذفت بعلي عبد الله صالح إلى القمة ليصبح الرجل الأول في هذا البلد. المصدر أونلاين