بقلم د. عيدروس نصر ناصر نشر موقع المصدر أونلاين، مقالا للكاتب غسان شربل رئيس تحرير صحيفة الحياة الصادرة في لندن، عبر فيه هذا الضيف عن تشاؤمه من الثورات العربية، رغم عدم إبدائه الرأي حول توجهات الأحداث في مصر وتونس، لكن حديثه عن اليمن وسوريا وليبيا بدا متشائما ويائسا، متخيلا أن البلدان الثلاثة تقف بين القبول بالظلم أو الاتجاه نحو الظلام، واختتم الكلام بأن البلدان الثلاثة تتجه نحو الهاوية.
عن اليمن قال الكاتب أن له أصدقاء في اليمن استمد معلوماته عن الثورة من خلالهم، ويؤكد سير تناوله للثورة اليمنية أن كل ما لديه من معلومات مأخوذة من لون واحد من الأصدقاء وأنه لم يجهد نفسه في البحث عن الأحداث من خلال المواقع الإلكترونية اليمنية والعربية المحايدة أو يشاهد القنوات الفضائية المهتمة كثيرا باليمن والشأن اليمني، لكن الرجل اكتفى بأصدقائه كمصدر يقيني لمعلوماته وقد عرفنا من حديثه نوع الأصدقاء الذين يستند إليهم في استقاء معلوماته.
ويضيف غسان شربل: "بعض القوى التي شاركت في الانتفاض على حكم علي عبد الله صالح تطالب بقيام نظام طالباني في اليمن. هذا مأسوي تماماً، ان تضع الشعب امام خيار قاتل: إما الحاكم الظالم وإما الظلام. للأسف، أشعر أن اليمن يندفع نحو الهاوية وسيكون شديد الخطورة على نفسه وعلى الآخرين".
لم يسمع غسان شربل بجمعة الوفاء للجنوب، لم يسمع بزعماء القبائل وهم يقولون أنهم جاءوا ليعلنوا الاحتكام إلى الشارع وأنهم يؤيدون سلمية الثورة، لم يسمع خطيب الجمعة في ميدان الستين وهو يخاطب المصلين وكل المستمعين إليه بأنهم جميعا يسعون من أجل الدولة المدنية والمصلون يرددن بعد انتهاء الصلاة "الشعب. . يريد. . . دولة مدنية" لم يسمع عن جمعة رفض الوصاية وجمعة الدولة المدنية، إنه لا يرى إلا الظلام والظلامية في صف الثورة بل إنه يعتقد أن الثورة تريد دولة طالبانية وهذا ما لم أسمع به حتى من أكثر الشباب تأثرا بالثقافة السلفية. . . وحده غسان شربل اكتشف هذا، تماما كما اكتشفها قبله عبده الجندي وأحمد الصوفي.
عن ليبيا قال شربل أن قوى الانتفاضة "هي القوى الاسلامية، وبعضها لا يحلم بنموذج شديد الاختلاف عن قندهار"، ولا أدري من أين أتى شربل بهذه الصورة المشوهة للثورة الليبية التي لم نسمع من أحد من ثوارها، لا مصطفى عبد الجليل ولا محمود شمام ولا عبد الحميد قوقه من يتكلم حتى عن الربط بين الإسلام والثورة، بقدر حديثهم عن الحرية والديمقراطية والدولة المدنية وهي مصطلحات لم نسمعها قط من لا من طالبان ولا حتى من القذافي.
أما عن سوريا فيقول السيد شربل "أن النظام يضع الناس أمام خيار مقلق: إما أنا وإما حكم الاصوليين، اي تقبلون بظلم نظام البعث او تستسلمون للظلام القادم".
ويختتم بأنه يرى في مشهد سوريا كما في بقية الثورات العربية نهراً من الدم واندفاعاً نحو الهاوية، ولم يقل لنا من المتسبب في نهر الدم الذي يجري في سوريا منذ أول مسيرة في درعا، خرج فيها المواطنون يحملون صورة بشار ويطالبون بالحرية، هل هم هؤلاء المواطنون أم من واجه تلك الجموع بالرصاص والدبابات التي تدهس كل من تجد في طريقها؟ من الواضح أن أصدقاء غسان شربل الذين يستمد منهم معلوماته عن الثورات العربية إما عوران أو عديمي البصر بحيث يرون في الشباب السوري والليبي واليمني، وهم يرقصون ويغنون ويعزفون على الجيتار والعود، فيبلغون غسان بأن الشباب يدمرون تماثيل بوذا أمام جامعة صنعا وفي ميدان العباسيين وأمام الجامع الأموي بدمشق، وهو هنا كمن يقول للثوار وللشعوب العربية التي ترغب في التخلص من الديكتاتوريات،: "الديكتاتوريات أفضل لكم من حكومة طالبان، فدعوا الثورات وعودوا إلى منازلكم واستسلموا للطغاة المعروفين أفضل لكم من حكم يشابه النموذج الطالباني" حتى وإن طالب الداعون للثورة بالدولة المدنية والتعددية الحزبية والفصل بين السلطات والتداول السلمي للحكم، ويعلم الكاتب شربل وربما يتعمد التظاهر بعدم العلم أن شباب الثورة في اليمن وأنصارها من القبائل هم من يطارد ممثلي طالبان في محافظات أبين ومأرب وشبوة بينما تقوم طائرات السلطة بقصف أولائك الشباب،. . ولعله لا يعلم أن النظام اليمني هو من أنعش تلاميذ طالبان ومولهم وسلمهم محافظات بكاملها ليصرف أنظار العالم عن الثورة الحقيقية.
غسان شربل هنا لا يختلف كثيرا عن طارق الشامي وعبد الحفيظ النهاري وياسر اليماني الذين يقولون: صحيح هناك سلبيات للنظام لكن دعونا نواصل حكمكم وسترون أننا سنكون من الآن فصاعدا أفضل مما كنا في الماضي، والذين لا يرون في الثورة سوى أداة هدم وتعكيرا للسلم الاجتماعي الذي عكروه خلال عقود، وتدميرا للاقتصاد الذي دمروه وأمعنوا فيه تدميرا على مدى ثلث قرن، وتمزيقا للحمة الوطنية التي تفننوا في تمزيقها منذ أول يوم لتسلمهم الحكم، تماما كما وصف بن علي ومبارك وأزلامهما الثورتين المباركتين في تونس ومصر.
إنه العمى أو التعامي الذي ما أن يصيب الكاتب وإن كان محترما حتى يجعله لا يختلف عن الطغاة والدكتاتورين لأن هؤلاء يمارسون الديكتاتورية والطغيان السياسي، وذاك يمارس الطغيان الفكري وديكتاتورية الكتابة التي هي دائما السجاد الأحمر لعبور الحكام إلى ذروات طغيانهم واستبدادهم بشعوبهم.
برقيات: * يبدو أن الأخ غسان لا يرى الهاوية إلا في تلك الهاوية التي تطيح بالطغاة والمستبدين، ولكنه لا يرى الثورة وهي تقدم الطغاة والقتلة إلى المحاكم العادلة التي لم نعرفها قط في عصر أولائك الذين ظللنا تحت حكمهم على حافة أكثر من هاوية.
* بعض الكتاب يتعمدون إرسال برقيات إما لاسترضاء الحكام الذين تستهدفهم الثورات، أو لمغازلة أطراف لا ترغب أن تسمع مفردة الثورة تتردد على ألسنة المواطنين العرب، وهذا حقهم لكن ليس من حقهم أن يقلبوا الحقائق ويزيفوا الوقائع، ساخرين بالقراء، معتقدين أن العالم لا يقرأ سواهم ولا يسمع إلا أصواتهم.
* أطرف ما صدر عن مسئولي ما تبقى من الحكم في اليمن أن التوقيع على المبادرة الخليجية المرفوضة شعبيا، مرهون بكشف الذين حاولوا اغتيال الرئيس، . . يقولون ذلك وهم يتكتمون حتى عن الإعلان عن كيف ومن دبر ولماذا جرى ما جرى في جامع النهدين، . . . إنه مسمار جحا الجديد الذي يريدونه أن يبقى ثلث قرن آخر، ولا بد للثورة أن تقتلعه.
* قال الشاعر العباسي أبو تمام: إذا لم تخشَ عاقبة الليالي ولم تستحي فاصنع ما تشاءُ فلا والله ما في العيش خيرٌ ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ يعيش المرء ما استحيا بخيرٍ ويبقى العود ما بقي اللحاء