كش ملك .. أخيراً سقط لاعب الشطرنج, ملك الريح المدبلج و البدوي المأثور جنوناً و اختلاجاً. إنها لحظة عظيمة في ربيع العرب.. لحطة مثيرة أبكت الثكالى فرحا و أشاعت فينا مشاعر الاهتزاز .. نحن اللذين انتظرناها كثيرا و كنا منها قليلا. لا زلنا إذا في نشوة الربيع, فحين انبلج موسم الربيع من غياهب الذاكرة و انتصر التوانسة في لحظة "فهمتكم", صار لهم نصيب السبق و الافتخار و كانوا يقولون لأحفاد عمر المختار "وطوا رؤوسكم برشا المصريين يشوفونا" كناية عن عدم قدرتهم على التحرك أمام جبروت ملك الريح, و التقط المصريين الإشارة و انتفضوا في ثورة عظيمة ألهمت أفئدة العالم .. و إذا فرعون مصر يتهاوى أثرا بعد عين "فقولوا لمعمر وأولاده ليبيا فيها رجالة", أنهم أحفاد المختار, رجالا عند الملمات و الشدائد, فهنيئا لهم هذا الانتصار العظيم و هنيئا للكلمات و الكتابة في "رجالة" ليبيا. هنيئا "لرجالة" المجلس الانتقالي الليبي, و سامح الله من كان السبب في تأخير بهجتنا و فرحنا المنتظر, سامح الله عواجيز المشترك, الذين ينتقلون من فشل إلى فشل وصاروا أكثر ما يشبهون بذلك المخمور الذي خرج من البار فاسقط مفاتيح سيارته فذهب إلى الضفة الثانية يبحث عن مفاتيحه هناك و حين سألهُ رجل عن ما يبحث فرد عليه اسقطتُ مفاتيحي هناك! و لماذا لا تبحثُ عن مفاتيحك هناك؟ فرد عليه لان الإضاءة هنا واضحة ..و هناك لا توجد إضاءة. نعم, كتابتنا بحقهم قاسية و ستكون كذلك حتى يرتقوا بأفعالهم إلى الأماني و الأفراح اللي انتظرناها و كيف لا نكون قاسين و هم ينتقلون من فشل إلى فشل, فشلوا في جلب تأييد المجتمع الدولي لقضيتنا و فشلوا في تجميع اللحمة الداخلية, و صارت غزوة المجلس الوطني بيوم بدر العظيم ك "ملطشة" العالم حسب تعريف نائف القانص و"فرجه" حسب تعبير شعبان القدي. وبين الملطشة والفرجة صُرنا تائهين أمام نظام وهن, انهُ نظام الصالح العظيم في خيالات ذاكرته المنفلتة ارتياباً. و هكذا هم الملوك و عشاق الكراسي ,لا يستسلمون إطلاقا ألا بعد أن يتسببون بالحرائق و الدماء. فعل مثل ذلك نيرون حين احرق روما و صعد إلى الثلة ليعزف سيمفونية الخراب.. وكذا قضت الدنيا بين أقوامها.. فاحرق القدافي ليبيا شبر شبر و بيت بيت, حين قال الشعب انه مجنون.. مجنون ليبيا و هو الذي اختال فخرا بأنه العظيم ملك الملوك, و البدوي "المثور" القادم من الخيمة وها هو الصالح العظيم.. يمشي على خطاه ليحرق ما تبقى من الأرجوزة اليمانية.. يضحك أولاد صاح منتشين تفاخرا و استهزاءاً سلمية ..سلمية, وهي فقط على طقطقة الرصاص و لعلعة الحديد وخرير الدماء لتسقي الأرض العطشى ..خرابا. قال المنجمون رجما بالغيب ..أنها على غرار الكنانة و الزين ثورة الياسمين .. و أين الثرى من الثريا يا سهيل يا نجم في العلالي تألقا الم تُخبرنا أن صالح قد ورث الحكم من الخراب فزاده خرابا خرابا.. والم تُعلمنا أن صالح قد أدمن الأزمات و الرقص على رؤوس الثعابين.. كلما "حنشت حنش" من أسفل الكرسي كلما قرصت البلاد في أزمات بعد أن انقطع حديث المصل بحديث المشعوذين عن المختار الأوحد. وألم تحدثنا أيضا انه قد أورث ذريتهُ المال و السلاح و السلطة .. فمن يقنع الأولاد أن الأرض و من عليها لله و من استخلفهم في الأرض .. الأولاد كبروا و كبرت أحلامهم أيضا ..عن الوطن الخراب..وطن الانفلات و قطاع الطرق ..وطن الفجائية المنطقية و الديموغوغائية.. فلماذا إذا لا تصير زنقة زنقة .. وطاقة طاقة... أو لم يسمع صالح: "أنا الشعب .. لا اعرف المستحيل" يا صالح الأرض تغلي و كل من عليها فان, و من مات فات. و لكن كيف صرنا إلى ما صرنا إليه .. يقول صالح أن ذلك حدث بعد أن اعتنقت الأحزاب و المؤلفة قلوبهم دين الشباب الجديد, فصاروا يوزعون في اليباب كأيام الحشر العظيم.. ونسى أو تناسى حكاية الأزمات .. من يوم غزوة المغدور صدام .. حين خالف صالح الجمع و جيش الشعب ليهتف بحياة صدام .. ويتلفز في القنوات متفاخرا .. إذا أراد بوش أن يغزو اليمن فليرحبوا, في مقبرة الغزاة ..أي غباء سياسي ذلك حين ادلج اليمن في أحشاء صدام الذي لم يبني مستشفى أو مدرسة و يزوغ الكويت بلد الصباح و المساء و القلوب الطيبة و كيف كان ذلك الغباء أن يتناسى مليون يمني في دول الخليج كانوا مصدر اقتصادي كبير للبلد الوليد .. أما النتيجة فهي ببساطة ارتطام الغباء بفجوة اقتصادية و هوة سحيقة عن المجتمع الخليجي بحتا عن ادوار البطولات .. لتكون القصيدة في حرب الغدر و الخيانة بين الرفاق و نظام الصالح في وليمة الوحدة كنتاج طبيعي للفقر و الاحتراز البطولي .. و هكذا توالت الأزمات لقائد يعشق الإدارة بالأزمات وما يتداع منها و يتفانى من اختطافات و قطاع طرق وحروب الحوثي الستة. وحين تهاوى البرجين العظيمين في غزوة الخوارج و المنتفعين ظلاما, ألهمت الغزوة جوارح الصالح ليزرع لنا واقع جديد على الأرض بعد أن أنهكه الرفاق وحديث العطاس راس الأفعى كما يقول.. وكنتيجة لتلك .. سقطت قيمة اليمني وصار من المغضوب عليهم والضالين, وانتشرت الأمراض وما يتداعى ويتفانى من تلابيب الجاهلية و الأمية و التناحر ألمناطقي السقيم, و صار القوم يتجاهرون بمفخرتهم بحمل السلاح عن العلم الذي أوصى به المدثر محمد بن عبدالله عن رب الكون العظيم.. و بعد أن أنهكنا صالح في الحكمة المفقودة, فلماذا لا نتدثر و نقوم الليل أو نصفه و نزيد عليه قليلا كي يرحل صالح.